انتصارا للمرأة.. ولمستقبل بلادنا

يحل اليوم العالمي للدفاع عن حقوق المرأة في ثامن مارس، وتخلده نساء العالم والقوى الديمقراطية وجمعيات النساء بالتذكير بالمطالب من أجل المساواة والكرامة والعدالة والإنصاف، وتقوم الدول والهيئات باستعراض حصيلة المنجزات على هذا المستوى، والتأكيد على التحديات المطروحة وضرورة التصدي لها.
في بلادنا، يحل ثامن مارس هذا العام ضمن تواصل عمل اللجنة المكلفة بإصلاح مدونة الأسرة، ووسط نقاش مجتمعي حول المساواة وحقوق المرأة المغربية.
وبعد أن عرفت مقترحات ومذكرات العديد من الأحزاب والجمعيات والهيئات بهذا الشأن، انبرى تيار سياسي ديني محافظ لمواجهة أي سعي نحو الإصلاح أو تطوير أوضاع النساء المغربيات، وجعل من ذلك عمله الوحيد في الميدان وعبر منصات التواصل الاجتماعي، كما يواجه كل من دافع عن المساواة بالكثير من الشتم والسباب والتشنيع.
كنا نعرف أن التيارات الدينية المحافظة، وخصوصا حزبها المشارك في العملية السياسية وسبق أن ترأس الحكومة، تعتبر العداء لحقوق المرأة وللمساواة عقيدة سياسية ثابتة لديها، ولكن لم نكن نتوقع أن يعمد التيار الحزبي المذكور، هذه المرة، إلى التعبير عن مواقفه المتزمتة بكثير من التهديد والوعيد والرعونة.
إن المساواة وحقوق النساء وإنصاف المرأة هي الدلالة على عنوان التقدم الديموقراطي للبلاد، فلا يمكن إدعاء الديمقراطية والتحديث في ظل تهميش النساء وإعمال التمييز ضدهن.
واليوم، لا يمكن الانكباب على إصلاح مدونة الأسرة، بموجب قرار ملكي، والاستماع لكل مكونات المشهد السياسي والحقوقي والجمعوي ومختلف تيارات الرأي، وفي الأخير تنهي اللجنة الملكية عملها بالقول إنها لم تصلح شيئا، ولم تغير في هذه المدونة حرفا، وتترك الأمر كله على حاله، وكأن شيئا لم يقع.
عندما نتحدث اليوم عن زواج الطفلات مثلا، فهذه جريمة فعلا، وتنجم عنها مآسٍ وسط المجتمع، وتحرم آلاف الطفلات من حقوقهن البديهية في الحياة، وأساسا من الحق في التواجد بالمدرسة وليس كزوجات قبل الوقت.
وعندما نستعرض مشكلات الإرث، وما ينجم، خصوصا، عن التعصيب، من تشريد لأسر وطفلات ونهب ممتلكات والدهن، فهذه كارثة حقيقية تقع أمام أعين الجميع.
وعندما نتابع ما يقع للنساء المطلقات والحاضنات من مشكلات معيشية وإدارية واجتماعية وقانونية، فكل هذا يقع هنا والآن، علما أن كل القيم الدينية السمحاء، في كامل الدنيا، لا تقبل به.
يمكن أن نستعرض جوانب أخرى عديدة ضمن هذا النقاش، ولكن الأساسي أن هذه المعضلات تعتبر دنيوية ويعاني منها المجتمع والعديد من الأسر، ولم يعد هناك أي مبرر لاستمرارها في هذا الزمن المعاصر.
هنا كان على قادة التيارات الدينية المحافظة أن تنظر إلى هذه المشكلات المجتمعية وأن تجتهد لصياغة حلول واقعية لها بما يساهم في تقدم بلادنا وتطوير أوضاع نسائنا وتحقيق العدالة والإنصاف، ولكن بقي هؤلاء معتقلين داخل قوقعة أراجيفهم وتكلسهم، ولم يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام منذ عقود.
هم يصمتون عن «تطبيق شرع الله» في كل قضايا الفساد وتدبير الشؤون العامة، ويتذكرون ذلك فقط لما يتعلق الأمر بالمرأة وحقوق النساء.
التيارات الدينية المحافظة لم تنتصر، مع الأسف، على جمودها الفكري وكسلها، ولم تنجح في بلورة رؤية إصلاحية مجتمعية واقعية تمتلك الانسجام مع متطلبات العصر وما شهده المجتمع من تحولات مهولة وجذرية، ولم تستطع أن تشكل حليفا حقيقيا للبناء الديموقراطي.
لما يتعلق الأمر بالنساء والمساواة وحقوق المرأة تتحول تياراتنا الدينية إلى كائنات من زمن قديم جدا، وتتحدث بلغة وفهم يعودان إلى قرون خلت، وبذلك تصبح هذه التيارات المتزمتة اليوم في حاجة إلى من ينقذها من نفسها، وإلى من ينقذ المجتمع بكامله من جمود فكرها.
المغرب حقق منجزات على صعيد تطوير حقوق النساء، كما أن المرأة المغربية راكمت الكثير من النجاحات والتضحيات في مختلف الميادين، والمملكة تؤطرها مرجعيات دستورية ومؤسساتية وقانونية واضحة ومعروفة، ومن غير المقبول اليوم جعل كامل هذه الديناميات، وأيضا الثوابت، مرتهنة إلى ضغط ماضوي لتيارات محافظة ترفض أي اجتهاد أو تقدم، وتصر على إشاعة المغالطات وسط المجتمع، وترهيب كل من يختلف مع فهمها المتكلس والجامد.
النقاش الذي نتابعه اليوم من لدن رموز هذه التيارات الدينية المتزمتة يملؤه الشتم والسباب والتشكيك في النوايا وتحريف المواقف في حق قادة أحزاب ومناضلات، وحتى في حق مؤسسات وطنية، ويجري استعمال وقائع غير صحيحة وغير دقيقة، بل وكاذبة من أجل الإمعان في التشهير والقذف والمزايدات.
هذه التيارات، التي يعرف الجميع سياقاتها ومسارات نشأتها وتطورها، مدعوة، بدل ما سلف، إلى العمل بعمق على ذاتها، وإعمال نقاش هادئ وناضج ومسؤول، والسعي لبلورة اجتهادات مقاصدية حقيقية تستحضر حاجيات المجتمع وتحولاته.
أما إصلاح مدونة الأسرة الجاري اليوم، فيجب أن يفضي إلى مراجعات جذرية وحقيقية تنتصر للمساواة ولروح دستور 2011، وتحقق العدالة والإنصاف للمرأة المغربية، لأن ذلك هو التعبير عن التزام المغرب باختياره الديمقراطي والحقوقي.

<محتات‭ ‬الرقاص [email protected]

Top