بقايا نمط العيش الأمازيغي

لا تملي الطبيعة على المجتمعات نمط إنتاجها وأسلوب عيشها، لأنه من صميم اجتهاد الناس وإنتاجهم الثقافي؛ تقدم الطبيعة فقط ثرواتها وتعرض قدراتها، وهم ينظمون علاقات الإنتاج والتوزيع واستهلاك القيم المادية واللامادية بينهم، كما يطورونها حسب تراكم تجاربهم ونمو المعارف لديهم.
عند تناول مواد العلوم الإنسانية، تنضاف إلى إشكالية الذاتية والموضوعية، مشكلة الإسقاط المفاهيمي والخلفية المنهجية! إلا أن المادية التاريخية والجدلية قد تسعفنا كثيرا في فهم نشأة وتطور المجموعات البشرية، لأنها تتمتع بالمناعة الإبستمولوجية وتمنح – أحسن من غيرها – منهجا جيدا لكل مقاربة سوسيولوجية في أبعادها التاريخية والأنتربولوجية والبنيوية… فمع الاحتياط إذن، من التناول الميكانيكي لموضوع المقالة، نبادر إلى طرح التساؤلات التالية: كيف عاش الأمازيغ وكيف تطوروا وماذا صار إليه وضعهم؟ هل كان مجتمعهم إقطاعيا أم مركانتيليا؟ هل كانوا اشتراكيين أم رأسماليين؟ …

الأمازيغ بين أسلوب العيش الأصيل ونمط الإنتاج الدخيل

يتعلق الأمر بمجموعة بشرية أو إثنيات حية تطلق على نفسها إسم “إمازيغن”، وهم أول معمري شمال أفريقيا كلها، موطنهم الأصل، الذي يصطلح عليه بـ “ثامزغا” أي أرض الأمازيغ الممتدة من البحر الأحمر عند نقطة خليج سيوه المصرية إلى جزر الكناري (ثكناريين) قبالة الصحراء المغربية. وتقدر مساحة ثامزغا بـ 9.563953 كلم2، مشتملة على موريتانيا ومالي والنيجر وجزر الكناري والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر، أما عدد سكانها فيبلغ حاليا 263.527000 نسمة.
لقد عاش الأمازيغ في الزمن البعيد على الكفاف واقتصاد الموارد، من خلال أنشطتهم السوسيو – اقتصادية الأساسية؛ حيث مارسوا القنص والصيد (ثنيمارث)، والفلاحة (ثفدجاحت)، والرحل (ثعزابت)، والتجارة (ثسبابت)، وقد ورثوها عن الكارامنت والفاروزيين الذين كانوا ينشطون على محوري “إليغ” في المغرب و”غدامس” في ليبيا، ويربطون العمق الإفريقي بشعوب حوض الأبيض المتوسط (الفنيقيين والإغريق والرومان) عبر المراكز الساحلية.


وكما هو الشأن في الأصل، وعند سائر المجتمعات الأولى! كانت قوى الإنتاج في ثامزغا بسيطة (حتى لا أقول بدائية)؛ فالقبائل الأمازيغية تتألف من العائلات الممتدة، وتتباهى بكثرة النسل والتحام الأعضاء من أجل تغطية الأشغال وتنظيم الجيش… لذلك كان كثير النسل كبير القوم (أمغار). وحتى وسائل الإنتاج كانت بسيطة، ومجرد أدوات ومعدات وتقنيات فلاحية متفرقة، ورأسمال طبيعي ثابت يخضع للاستغلال المشترك. أما مستوى المعارف العلمية والتقنية والوعي الاجتماعي فقد كان أمبريقيا ومحدودا جدا (عدا اللاهوت الذي برع فيه سان أوغسطين في وقت متأخر).
ومما لا شك فيه أن استمرار هكذا وضع، سيعوق تطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية وسيحد من تنمية القدرة الإنتاجية للمجتمع كله على المدى البعيد. إلا أنه، في المقابل، كان يجعل الأمازيغ ينعمون بحالة الاستقرار النفسي والاجتماعي والسياسي في ظل نمط إنتاج طبيعي يتيح لكل فرد نصيبا مباشرا من الثروات الموجودة في إطار علاقات إنتاج تعاونية، حيث لم تكن بين الأفراد ولا بين الأهل والقبائل فوارق طبقية بالصورة التي نراها في المجتمعات الرأسمالية؛ “كل حسب حاجته وكل حسب قدرته” حتى دون وجود نظام اشتراكي.
لكن، في الوقت الذي كان الأمازيغ يعيشون على الكفاف، وكانوا منشغلين بالمعارك العائلية والحروب الخارجية، وكانوا يرقدون فوق ما تزخر به ثامزغا من آبار النفط والغاز ومناجم الحديد والذهب والفضة والفوسفاط… كان غيرهم في أوروبا الفتية قد دشنوا عهدا جديدا ونظاما سياسيا واقتصاديا أوروبيًا عابرا للقارات (الثورة الصناعية الأولى: 1760-1830) نظام همه الوحيد؛ جلب المواد الأولية الضرورية لآلتها الصناعية الصاعدة، والبحث عن موارد طبيعية وبشرية، وأسواق استهلاكية خارجية أنى كان وجودها… ومن ثم كان اندفاع كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وإنجلترا نحو بلقنة ثامزغا.

لقد لجأت فرنسا على الخصوص، إلى فرض سلسلة من الإجراءات الاستيطانية الممنهجة ليتحقق لها التحكم المطلق في البلاد والعباد؛ بادرت أولا بمصادرة الأراضي المشاعية الخصبة وقامت بتفويتها إلى الخواص، مكرسة بذلك بدعة الملكية الفردية المتنقلة؛ هذا الإجراء وحده قد أصاب الأمازيغ في مقتل! حيث سيتراجع ذلك التعلق الأسطوري بالأرض، وستضعف بالتالي تلك الروابط الدموية والعلاقات القرابية بين العائلات. وبثت فرنسا الفتن بين القبائل، وصنفت العرب والبربر، وصنعت الحدود بين المغرب والجزائر وتونس ومالي، وجهزت كل قطر على حدة ببنية تحتية ولوجستية (شبكات الموانئ والجسور والقطارات والطرق الداخلية) لتسهيل التجارة العابرة للصحراء والبحر. وظهر تقسيم العمل المرهق للبدن والمستلب للأفق الذهني والعاطفي. وشيدت مدنا بها حانات ومواخير ومحلات حرف وتجارة… فاستقر فيها المترفون والمرفهون وساسة وجيوش احتياطية من العاطلين والمشردين، ومثقفون صاروا يتنافسون على الثروة والسلطة وتدبير الشؤون السياسية للدولة.… وهكذا اكتمل المشروع الرأسمالي الكولونيالي في ثامزغا بعد أن فككت فرنسا البنى السوسيو – اقتصادية التقليدية، وأرست على أنقاضها نمط إنتاج هجين حار كبار السوسيولوجيا في تصنيفه!
لكن، رغم تفتيت جغرافية ثامزغا وتزوير معالم أرضها، ورغم تناوب الإيديولوجيات المختلفة على أهلها (الأموية الإسلامية والقومية العربية والأمميات الرأسمالية والاشتراكية والعولمة)، فإن ذلك قد فشل في طمس ذاكرة الأمازيغ، أو مسح إنجازاتهم المتراكمة عبر التاريخ؛ أسسوا دولا ومماليك كثيرة، كان أكبرها وأقواها مملكة نوميديا التي قامت على أنقاض الإمبراطورية التجارية للفنيقيين ووكلائهم في قرطاج، ودامت أكثر من القرن ونصف، وبالمناسبة، فإن مؤسسها ماسينيسا هو صاحب الفضل في نقل الأمازيغ من حياة الرحل إلى الفلاحة؛ خطط وحفز على الاستقرار وبناء الحواضر، لما أمر باستزراع الأراضي فأقام نظام الضيعات، وسن سياسة الاقتطاعات، وتكثيف الأنشطة الزراعية وتربية الخيول والمواشي…
إن اللاشعور الجمعي الأمازيغي خزان حي لذخيرة قومية وإيديولوجية، ويتجلى عند الأمازيغ في تعلقهم باللغة والثقافة والتاريخ، وكل ما يميزهم عن غيرهم بوصفهم أمة عصية على التدجين، متشبثة بالوجود والهوية، وقيم الحرية والانفتاح والتسامح؛ فلقد أنجب التاريخ من الملوك والقادة الأمازيغ وخلد كثيرين (شاشانغ، ماسنيسا، يوبا، يوغرطة، بوكوس، يوسف تاشفين، زيري عطية، اللمتوني…) ومن المحاربين الأشداء (اأكسيل، كاهينا ديهيا، تاكفاريناس، أنطالاس، عمر المختار، أحمد عرابي. موحا أوحمو الزياني، عسو أوعبسلام، الشريف محمد أمزيان، محمد عبد الكريم الخطابي…..)، لكن شجاعة واندفاع الأمازيغ، وسذاجتهم أيضا، سرعان ما كانت تورطهم في خوض حروب ليست حروبهم! (حروب الأندلس والهند الصينية والأفريقية والكطلانية…).

ماذا تبقى للأمازيغ في ثامزغا؟ المثال من إثنية الريافة

يعيش أمازيغ الريف الكبير في شمال المغرب على مساحة تحد من بني اسنوس، في أقصى شرق سلسلة جبال الريف بالجزائر، إلى أقصى غربها بالعرائش على المحيط الأطلسي. ويضم مدنا كبيرة ومهمة (سبتة وطنجة وثطاوين واشاون والعرائش وثاونات وجرسيف وتازة وثوريرت وفجيج ووجدة وبركان والناظور ومليلية والحسيمة)… يتكلم سكانها الريفية وينفتحون على جميع اللغات العالمية. أما الجالية المقيمة في الخارج فإنها تشكل نسبة كبيرة تبهر العالم بتعلقها بالخصوصية الريفية ووفائها للتاريخ والثقافة رغم اندماجها وارتباط مصالحها في المهجر! فلا زال الكثير من الريفيين – في أي مكان وفي البوادي بصفة خاصة – يتمسكون بالأعراف والتقاليد الأمازيغية ويحتفلون ببعض الأعمال والطقوس التراثية الدالة على أن نمط عيش أسلافهم القدامى كان الأفضل! ويمكن تأمل ذلك من خلال:
* ملكية وسائل الإنتاج: عرف الأمازيغ مرحلة نظام تملكي للأراضي، ويعتبر ماسينيسا (ملك نوميديا في القرن الثالث ق. م) أول من دشن عملية اقتطاع الأراضي لصالح أشخاص نافذين، بهدف أن ينتقل المجتمع من حياة الرحل إلى حالة الاستقرار وتحقيق الاكتفاء الذاتي… وقد ظهر بعد ذلك نظام الرباعة وثخماست، الذي يسمح للفلاح بموجبها بالدخول بعمله كشريك في الأرض مع الإقطاعي مقابل خمس الغلة… ولا زال العمل بنظام ثخماست قائما في بعض الأرياف إلى يومنا. أما الأراضي الفلاحية المشاعية فإنها انحسرت بشكل رهيب ولم يبق منها سوى مساحات عقارية صودرت لصالح الدولة التي تخضعها للاستغلال المشترك بالتناوب، ويمكن ذكر أنواع منها كأراضي الجماعة والحبوس أو الوقف والگيش والأراضي السلالية التي يتساوى في ملكيتها الرجال والنساء (أحصي منها على الصعيد الوطني 12 مليون هكتار)، إضافة للمراعي والمياه الموجهة إلى الاستعمال المشترك.

* العمل وعلاقات الإنتاج: لا زال أهل الريف متمسكين بالعمل الجماعي والتعاوني، بإشراف من الدوائر الرسمية أو بدونه، ولعل مصطلح “ثويزا” يحمل كل معاني العمل التعاوني؛ “أندرا” (البيدر) المكان المشترك المخصص لدرس المحاصيل الزراعية.
> نظام توزيع المياه: لا زال تقليد تدبير الماء الجماعي موجودا في بعض القرى وهو يخضع لهندسة دقيقة للتوزيع العادل لكمية الماء والمدد الزمنية (مثال نظام الخطارات).
> معاصر الزيتون التقليدية: لا زالت صامدة في الريف ويتوجه إليها الفلاح بعد جني محصوله من الزيتون مع تقليد ترك حبات في كل شجرة وهو حق الطيور والعصافير.
> “ثسرافت” وجمعها ثِسارفين (أي مخازن تحت أرضية) حيث تخزن المحاصيل الزراعية تحسبا للسنوات العجاف (أَخزَّن # ثَجّاوْت)والمكان الجماعي المشترك للمخازن يسمى (أرماس) أو (أجدير) يخصص له مرتفع من الأرض حماية للمخزون من الرطوبة. (أحصت الدولة مؤخرا 554 مخزنا جماعيا لا يزال واقفا إلى يومنا، وقد يضم قريبا إلى قائمة التراث الإنساني).
> “أَقْرانْ” أو “ثِيويا” أي زوج الحراثة: إذ يعمد الفلاح إلى استعارة دابة جاره ليقرنها إلى دابته هو في حرث أرضه.
– “ألدولة” أي الرعي التناوبي: فقد وقفت في آيث عمارت وآيث نصار اللتين في قلب الريف، كما في إگزناين، على تقليد يتكلف بموجبه كل واحد من أسرة أو عائلة مرة برعي قطيعه وقطعان الآخرين وهكذا دواليك بالتناوب.
> تقليد “إِمامَزْ” يبادر الفلاح المحظوظ بوفرة المنتوج الزراعي إلى التخلي عن كمية من الزرع ليحصده المحتاج إليه.
– الفنون والاحتفال: الرقص والغناء الجماعي (الرگادة، الهيت، الصف…)
> عيد السنة الفلاحية: أسگواس أماينو. وهي مناسبة لعرض وتناول جميع أنواع المكسرات والفواكه الجافة.
> العرس: يقام العرس بمساهمة جماعية بمشاركة الأهل والأقارب والجيران حتى أن في بعض القرى يسمح للعريس باستعمال حصائر وأفرشة المسجد. وغالبا ما كان العرس يقام بعد إنهاء أعمال الدرس وتنصيب النادر .
– “أثْمون”: ينصب النادر “أثْمون” لدى كل فلاح بتعاون ومشاركة كل الشباب المجاورين ويقام حفل عشاء باللجوء إلى حليب الجيران.
> لا يباع الحليب وفي بعض المناطق كان العسل أيضا محصولا جماعيا مشتركا.
> إذا جف ضرع بقرة فلاح يلجأ إلى حليب بقرة غيره، ولذلك يقال: “إِتَگْسَكْسو غَ أوغي نْ جّيران”.
> أسلوب التبادل التجاري عبر التعامل بالمقايضة.
> الأخلاق والقيم:
> مكانة المرأة عند الأمازيغ تتجاوز حدود النوع والجنس فهي والأرض سيان! كلاهما يعطي الحياة والخصوبة ويمنح الهوية والانتماء… فلذلك يعاب الأمازيغي إذا بلغ ولم يتزوج كما يعاب إذا لم يذد عن أرضه…
> الاحتفاء بالعلم وتكريم العلماء،
> التضامن:
> النزوع التلقائي للحرية والتصدي للظلم والاستعباد،
> المأتم التعاوني: يبادر السكان المجاورون لبيت نعي الميت إلى التكلف بجميع أعباء مراسيم الغسل والدفن والصدقة، بينما أهل الفقيد يتلقون التعازي فقط.

والآن السؤال الكبير: هل الأمازيغ بخير؟

لا يعبر السؤال عن نكوص أو نوستالجيا! فالتاريخ لا يتوقف ولا يتكرر، إنه سيرورة وصيرورة العلاقة الجدلية بين العوامل الذاتية والموضوعية… لم يكن إذن في الإمكان غير ما كان…
وأي نعم؛ إن نمط العيش بثامزغا في الوقت الراهن ليس على ما يرام وليس أفضل من ذي قبل، وكيف للسياسة الكولونيالية المتمركزة حول الذات أن توفر غير التخلف! وهي من أفقدت الأمازيغ أهم القيم السوسيو اقتصادية والثقافية بفعل إدماجهم القسري في دوامة نمط الإنتاج الرأسمالي!؟
لم يأت المحتل ليطور ثامزغا وينشر العدالة في الأمازيغ، بل جاء لنهب الثروات وتهريبها إلى المراكز الكولونيالية؛ لذلك فشل التحديث الغربي في كل شمال إفريقيا، ولأنه أراد أن يكون نموذجا دخيلا، فقد اصطدم بخصوصية المجتمع ومقوماته المحافظة، كما اصطدم التعريب الشرقي منذ وقت مبكر أمام تصدي شعوب مستعصية على المسخ… لذلك بقيت الأرض مسرحا للتعريب والتغريب بدون فائدة. وكان لابد من انتظار الربيع الأمازيغي وميثاق أجادير لينهض الأمازيغ ويستيقظ وعيهم بالذات وبضرورة استعادة حريتها وريادتها.
اليوم، يعتقد الكثيرون أن الأمازيغ بخير! لأن الأمازيغية مرسمة في الدستور! و”يناضلون” من أجل وقف التهميش الذي يطال الأمازيغية لغة وثقافة وهوية! فيؤسسون الجمعيات الثقافية ويشجعون الأدباء والفنانين المبدعين في مجالات الشعر والموسيقى والغناء والمسرح والسينما… وهذه بالمناسبة، كلها تجليات فوقية تعبر عن واقع الكبت السوسيو – اقتصادي والمجالي والثقافي، الذي يتعرض له الأمازيغي في أرضه، فيدفعه دفعا إلى الشعور بالحگرة وقد يواجهه بشوفينية حادة، جاعلا من الأمازيغية هوية مفارقة للواقع، في الوقت الذي يجب الدفاع عنها باعتبارها بنية فوقية تحررية تنتصر للمقهورين والمعدمين والطبقات المحرومة من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، لأن جوهر الصراع مادي ومحوره طبقي؛ فالطبقة السائدة والواعية بمصلحتها، هي سائدة وحاكمة، لأنها تعرف السر والجوهر، لذلك تسخر جميع مؤسساتها الإيديولوجية وآلتها الإعلامية لمصادرة الواقع الحقيقي وتهريبه بعيدا عن الأنظار، واضعة مكانه واقعا وهميا يصور الأمازيغية على أنها مسألة لغة وحروف… وفي أحسن أحوالها، حين تلتفت للأمازيغية، تجتهد في حذف العمل الجاد والملتزم وتروج الابتذال والرداءة، ممعنة في فلكلرة الأمازيغية لا غير. وحين يضيق عليها الخناق ويحتد الصراع الطبقي والسياسي تشغل مبدأ “فرق تسد” فتجر شعوبها إلى خوض معارك عرضية وتمويهية كالتعريب ضد التمزيع والعلمانية ضد الدينولوجية والوطنية ضد الانفصالية…
ولقد نجحت النخب الحاكمة والوارثة للبنية الاستيطانية الفرنسية بالمغرب (كمثال) في استيلاب الشعب كله لمدة طويلة (قصة ما سمي بالظهير البربري)، حتى نسي الأمازيغي ذاته وداخله الشك في هويته (أغلب المغاربة يجهلون مثلا أن قبائل عبدة والرحامنة والشياظمة ودكالة… هم أمازيغ أبا عن جد، مثلما هم كل المغاربة من طنجة إلى الگويرة ومن وجدة إلى الصويرة).
إن الاستيلاب الحقيقي للإنسان الأمازيغي يكون بتهريب البعد السوسيو اقتصادي من حياته، وهو البعد الذي بدونه يحل الإحباط والتعويض ومعه بالتالي الإلهاء والتسامي في الثقافة والتاريخ!… وإن استعادة الأمازيغية يكون بإشراك المجتمع في تدبير إنتاج وتوزيع الثروات، بالشكل الذي يعيد إلى الأمازيغ قيم الحرية والعدالة الاجتماعية التي يستحقونها! ولاشك أن السبيل إلى ذلك هو الانخراط في العمل السياسي داخل تنظيمات سياسية تؤطر وتؤهل النخب الواعية والوفية للتاريخ والثقافة والهوية.
إن جوهر الصراع طبقي؛ ولذلك يجدر بالمناضلين في الحركة الثقافية الأمازيغية أن يتمثلوا هذا الجوهر حتى ترتقي، في آن واحد، قيم الوطنية والقومية والأممية في إطار جدلية الخاص والعام! إن “الكثير من القومية يبعد من الأممية والقليل من الأممية يقرب إلى القومية”…
ستتعزز الأمازيغية إذا التف حولها كبار الملاكين الاقتصاديين ودعموها… كما سيكون مفيدا إذا تبنت الأحزاب السياسية مشاريع استنهاض نمط العيش الأمازيغي وتجديده، فهو أقرب إلى الاشتراكية منه إلى غيرها، وبالتالي تحرير أهل ثامزغا من أنياب الرأسمالية المتوحشة.

بقلم: أحمد السقالي

Related posts

Top