تراجع الأغاني المغربية المؤداة بأكثر من صوت في عصر باتت تطغى عليه النزعة الفردانية

شهدت فترة من فترات التجربة الغنائية بالمغرب، إنتاج أغاني مؤداة بشكل ثنائي، وكان العديد من هذه الإنتاجات قد حالفه النجاح.
ما الفرق بين أن تؤدى أغنية ما بشكل فردي أو ثنائي أو حتى جماعي؟ ثم لماذا يقع اختيار بعض الملحنين بالضرورة على أداء هذه الأغنية أو تلك بصوت واحد أو بأكثر من صوت؟
لقد رأينا كيف أن أغنية “نداء الحسن” التي تتغنى بالمسيرة الخضراء قد تم أداؤها بشكل جماعي وحظيت بنجاح فاق كل تصور، وحين جرب بعض الفنانين أداء الأغنية نفسها بشكل فردي لم يتم الإقبال عليها.
هناك سر معين يجعل أغنية ما تؤدى بصوت واحد أو بأكثر من صوت.
لقد جرب نعمان لحلو – في حدود اطلاعي- أن يعيد أداء أغنية “جبال الأطلس” بشكل فردي، بعد أن كان قد أداها في الأصل بصحبة المطربة لطيفة رأفت، لكنه لم يتوفق، أو على الأقل لم يكن من نصيبها الانتشار.
هناك سر معين بلا شك يجعل أغنية ما لا تؤدى سوى وفق التصور الذي خططه لها الملحن في بداية الأمر.
يمكن الوقوف عند ظاهرة كون بعض الفنانين لم يؤدوا إنتاجاتهم الغنائية طيلة مسارهم الفني سوى بشكل ثنائي، كما هو الحال بالنسبة للفنانين الساخرين قشبال وزروال، لم يكن من الممكن تصور أحدهما بمعزل عن الآخر أثناء أداء عمل غنائي ما. كان هناك تناغم شديد بين الآلتين اللتين اختارا العزف عليها: البندير والكنبري.
وحتى عندما غيب أحدهما الموت: بشار علي الملقب بقشبال؛ لم يبادر رفيق دربه زروال إلى إتمام المسيرة الفنية بمفرده، أو مع أحد آخر. الشيء الذي يؤكد على أن هناك كيمياء خاصة تجعل أغنية ما تؤدى وفق تصور معين لا يفهمه سوى المعنيين بها.
الذي يهمنا في هذه الورقة هو الوقوف عند التجربة الغنائية المغربية التي اتسمت بالأداء بشكل ثنائي.
من الملاحظ أن الحصيلة الغنائية المغربية المتعلقة بالأداء الصوتي بشكل ثنائي؛ جد محدودة، وهناك من الفنانين من قرر عدم تكرار المحاولة، هكذا نجد أغلب الذين انخرطوا في هذه التجربة، ليس في رصيدهم منها سوى منتوج واحد على طول مسارهم الفني.
لأجل فهم السبب الذي يجعل أغنية ما تؤدى أساسا بشكل ثنائي، لا بد من الرجوع إلى كلمات هذه الأغنية نفسها. فغالبا ما نجد بمتنها متكلمين اثنين، هناك صوتان متحاوران، قد نجدهما لرجل وامرأة، أو لرجلين، أو لأب وابنه، أو لأم وابنها.. إلى غير ذلك من الثنائيات التي يفرضها مضمون الأغنية في حد ذاته.
لنأخذ على سبيل المثال أغنية “مشات” التي أداها بشكل ثنائي الفنانان سعيد موسكير ومالك، هناك لغتان وهناك صوتان يتبادلان الخطاب حول شخص غائب، هذا الشخص هو المعشوقة، التي يشتركان معا في عشقها وفي التحسر على رحيلها.
في أغنية أخرى من أداء صوتين آخرين، بعنوان “لا تلوموني” نجد حوارية بين أم وابنها، كان طبيعيا جدا أن تؤدى هذه الأغنية بشكل ثنائي، وبين صوت ذكوري وصوت أنثوي، ولم يكن هذان الصوتان سوى للمطربة نعيمة سميح ولابنها المطرب كذلك شمس الدين، يمكن أن نذهب أبعد من ذلك للقول إن هذه الأغنية بالذات، قد صنعت على مقاسهما. ليس غريبا إذن أن تحظى بالنجاح، فقد كان التعبير صادقا. كانت هناك شحنة عاطفية قوية تطلع وتطفح من الأداء الغنائي لهذين الصوتين الرقيقين.
هناك تجربة أخرى مماثلة وشبيهة إلى حد ما بتجربة نعيمة سميح وابنها شمس الدين في أدائهما لأغنية “لا تلوموني”، نقصد بذلك أغنية “عزيز وغالي” التي أداها المطرب البشير عبدو بشكل ثنائي مع ابنه المطرب كذلك سعد المجرد، هناك حوارية بين ابن وأبيه، وبالتالي لم يكن ممكنا أن تؤدى هذه الأغنية سوى بصوتين اثنين، وكان أفضل من يؤدي هذه الأغنية هما المطربان المذكوران آنفا.
هناك إذن عوامل معينة تحتم أداء أغنية ما بشكل ثنائي أو بصوت واحد أو بأكثر من صوت، هذه العوامل كامنة في متن النص الشعري الغنائي في حد ذاته.
غير أنه بات من الملاحظ خلال الآونة الأخيرة طغيان الأغاني المؤداة بصوت فردي، ليس ذلك فحسب، بل بات من الملاحظ كذلك هيمنة الأغاني المنفردة أو ما يصطلح على تسميته بالأغنية “السينغل”.
ولعل ذلك مؤشر قوي على أننا نعيش فعلا في عصر تطغى عليه النزعة الفردانية بامتياز.

 بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top