تغير المناخ وعودة ظاهرتي النينيا والنينيو

في إحدى مقالاتي السابقة كنت قد أشرت إلى عودة ظاهرة النينيا في الموسم الحالي 2020-2021، حيث أن آخر مرة عرف كوكب الأرض هذه الظاهرة الهامة ترجع الى 2010-2011. وتعتبر كل من ظاهرتي النينيو والنينيا نموذجين معقدين للطقس، ناتجين عن التغيرات في درجة حرارة المحيط في المحيط الهادئ الاستوائي، ومع ذلك سيكون من الخطأ العلمي القول أن ظاهرة النينيو تؤدي إلى زيادة درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم وأن ظاهرة النينيا تقلل من تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري. هذا الخطأ الذي يتداوله كثيرا للأسف عدد من خبراء المجتمع المدني المحلي المهتمين بالمناخ، لافتقادهم للخبرة العلمية والتكوين الأكاديمي في علوم المناخ. والكارثة العظمى أن هذه الأخطاء العلمية يتم تمريرها للأجيال الصاعدة وللشباب المتمدرس.
وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قد أكدت في بيان لها، مؤخرا، أن ظاهرة طقس ”النينيا” التي تتراوح شدتها بين المعتدلة والشديدة تحدث في المحيط الهادئ، حيث من المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة الطقسية حتى الربع الأول من عام 2021، على اعتبار أن ظاهرة النينيا لها تأثير مباشر على تبريد درجات حرارة الكوكب، فإن هذا التأثير لن يكون كافيا لتعويض الحرارة المخزنة في الغلاف الجوي للأرض بواسطة الغازات الدفيئة، نتيجة لذلك، ليس هناك شك في أن عام 2020 يعتبر أحد أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، حيث من المتوقع أن يتم إعلان الفترة 2016-2020 فترة الخمس سنوات الأكثر سخونة على الإطلاق. ويؤكد خبراء المنظمة العالمية للأرصاد الجوية اليوم أن السنوات التي شهدت ظاهرة النينيا هي أكثر دفئا من تلك التي ظهرت فيها ظاهرة النينيو. وتؤكد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الإعلان عن وصول ظاهرة النينيا هو إعطاء فرصة للحكومات من أجل خط سياساتها في المجالات الرئيسية مثل إدارة الكوارث والزراعة. ويبقى أحد الجوانب المهمة لظاهرة النينيا مرتبطا بحجم التأثير الذي قد تحدثه في الفترة المتبقية من موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي.
وتقلل ظاهرة النينيا من تأثير الرياح بين السطح والطبقات العليا من الغلاف الجوي، مما يسمح للأعاصير بالتطور. وللعلم فقط فإن موسم الأعاصير لم ينته بعد، وحتى الآن بلغ عدد الأعاصير 27، وهذا أكثر من عدد 25 الذي توقعته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في بداية هذا العام حيث من الممكن أن يصل العدد الإجمالي الى 29 إعصارا.

محو الأمية المناخية

تجدر الإشارة إلى أن تناول هذا الموضوع يأتي في سياق سلسلة المقالات العلمية الأخيرة والتي تهدف إلى تحقيق نوع من المعرفة المتعلقة بتغير المناخ، خصوصا وأن جمعيات المجتمع المدني على اختلاف مشاربها، البيئية منها وغير البيئية، وجل شرائح المجتمع المغربي أصبحت تتكلم عن المناخ وعن التغيرات المناخية، في وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة. هذه الظاهرة الاجتماعية التي عرفها المغرب مباشرة بعد التنظيم الناجح لقمة المناخ في نسختها الثانية والعشرين بمراكش، وما عرفته من مشاركة مكثفة للمجتمع المدني المغربي وما واكبها يومها من بروز “خبراء” يتقنون كل شيء إلا علم المناخ، هذه الظروف الاجتماعية جعلت من العديد من الفاعلين الجمعويين في رمشة عين خبراء في المناخ يؤطرون ويكونون في غياب تكوين علمي حقيقي، كل ذلك في ظل تشجيع مهم من قبل السلطات المعنية مع سهولة الولوج لمسطرة دعم المشاريع المقدم لمنظمات المجتمع المدني، حيث أصبحت عملية التوعية والتحسيس خصوصا في صفوف الطلبة والتلاميذ، تقوم بها مجموعة من الجمعيات التي تنشط داخل الدوار… من جهة، هذا يعني أن القضية المناخية تكون بذلك قد تعدت المجال الحضري وتجاوزت الجمعيات الكبرى التي احتكرت العمل المدني والتي تنشط داخل المؤسسات التعليمية ودور الشباب وتستهدف بالتالي الشباب المتمدرس بالدرجة الأولى، وهو أمر إيجابي. ومن جهة ثانية، تستعين جمعيات الدوار التي تشتغل على مشاريع المناخ والتنمية المستدامة بخبراء خارج مجال اشتغال الجمعية، إلا انه للأسف يمكن أن تؤدي هذه العملية دورا معكوسا نظرا لعدم الإلمام العلمي للخبير والمكون المستعان به.
وبالنظر إلى توسع نطاق وتعقيد المعرفة العلمية الحالية، نشير إلى أنه يجب أن يرتكز الخبير والمكون في علوم المناخ على تعليم العلوم وعلى المعرفة الضرورية التي تعتبر المناخ مفهوما أساسيا للفهم، حيث أن عملية محو الأمية هذه أصبحت ممكنة عبر النهوض بعلوم المناخ، وبتقوية قدرات الخبراء والمتخصصين كأولوية تسبق حتى تقوية قدرات جمعيات المجتمع المدني، وهذا سيتأتى انطلاقا من تحليل نقدي للمعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام على تغير المناخ، حيث يفترض هذا الفهم تكاملا منهجيا للمعرفة من مختلف المجالات الأكاديمية، تكملها الممارسات الثقافية، السياسية والمهنية. وقد ظهر أنه يمكن تحفيز هذا الوعي بكيفية تطور العلم من خلال نهج متعدد التخصصات يقارن استكشاف موضوع علمي مرتبط بتغير المناخ وخلافاته وقضايا المجتمع.

ظاهرة النينا وإعصار إيتا

وحسب خبراء المناخ يمكن أن يكون للتيار البحري النينيا البارد المتوقع شتاء 2021 على كوكبنا تأثيرات مختلفة: جفاف غير عادي في أمريكا الجنوبية، وتكرار هطول الأمطار في جنوب آسيا وتيار المحيط الديناميكي في أوروبا.
إعصار إيتا وحده خلف ما لا يقل عن 150 قتيلا أو مفقودا في غواتيمالا، وهو أكبر عدد ضحايا يسجل في أمريكا الوسطى، قبل أن يعود إلى البحر الكاريبي ليتقوى من جديد ويضرب كلا من كوبا وجامايكا وفلوريدا. وفي المجموع خلف إعصار إيتا ما يقرب من 200 قتيل ومفقود منها 20 قتيلا بدولة المكسيك لوحدها، وتضرر آلاف الأشخاص في سبع دول من أمريكا الوسطى: نيكاراغوا، الهندوراس، كوستاريكا…
في نيكاراغوا، يتجول عشرات الضحايا في أنقاض منازلهم التي غمرتها الأمطار الغزيرة وجرفت عواصف الإعصار أسطحها المصنوعة من الصفيح، مدينة بيلوي الساحلية، المدينة الرئيسية في شمال الساحل الكاريبي لنيكاراغوا، معزولة عن بقية البلاد بسبب فيضان نهر واوا الساحلي، والذي لا يمكن عبوره إلا بالقوارب.
وليومنا هذا لا تزال سان بيدرو سولا، ثاني مدينة والعاصمة الصناعية للهندوراس، مغمورة بالمياه حيث تم إجلاء أكثر من 7000 شخص وإيواؤهم في ملاجئ، بينما في بنما، تركزت الأضرار في مقاطعة شيريكي المتاخمة لكوستاريكا، حيث قتل خمسة أشخاص، من بينهم ثلاثة أطفال، في انهيارات أرضية، أما في كوستاريكا، فقد أدى انهيار أرضي إلى دفن منزل يوم الخميس الماضي، مما أسفر عن مقتل شخصين. وتم إجلاء حوالي 1400 شخص وإيواؤهم في ملاجئ بعد الفيضانات الشديدة، خاصة على ساحل المحيط الهادئ في كوستاريكا. بينما تم إجلاء حوالي 1700 شخص في السلفادور وهم يقيمون في ملاجئ. ووفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يتسبب تغير المناخ في ارتفاع درجات حرارة المياه السطحية للمحيطات، مما يفضي إلى تكوين أعاصير أكثر قوة تجلب المزيد من الأمطار وتهدد بشكل خاص السكان.

موسم أعاصير قياسي في شمال الأطلسي

يمتد موسم الأعاصير في شمال الأطلسي من 1 يونيو إلى 30 نونبر مع ذروة النشاط في شهر شتنبر، إذ تتعدد العواصف الاستوائية لتشكل في المحيط الأطلسي كما تصورها خبراء الأرصاد الأمريكية فقد وصل 12 منها إلى مرحلة الإعصار في تاريخ 11 نونبر، وثلاثة إلى مرحلة الإعصار الكبير ولا سيما إعصار لورا الذي ضرب جنوب شرق الولايات المتحدة في الفئة 4 من 5 في نهاية غشت الماضي. الطابع الاستثنائي للموسم يأتي من عدد الظواهر الإعصارية التي تشكلت مع تسجيل 29 ظاهرة استوائية، متغلبا على الموسم القياسي لعام 2005 مع 28 ظاهرة استوائية، ويستمر موسم الأعاصير 2020 إحصائيا حتى 30 نونبر الجاري.
نلاحظ أنه بعد استنفاد القائمة المحددة مسبقا لأسماء الأعاصير لموسم 2020، كان من الضروري تمديدها باستخدام أحرف الأبجدية اليونانية، ولوحظ هذا الوضع النادر أيضا خلال عام 2005 القياسي: إيبسيلون- زيطا- غاما- ديلتا- إيطا – بسي- أوميغا… وكان موسم 1995 نشيطا بشكل ملحوظ مع 21 حدثا إعصاريا، بما في ذلك 11 إعصارا و5 أعاصير كبرى خلال أكثر ثلاث سنوات نشاطا في التاريخ الحديث وهي أعوام1887 و1933 و2005. وتجدر الإشارة إلى أن التنبؤات الموسمية توصلت لموسم أعلى من المعدل الطبيعي (من حيث عدد الظواهر الإعصارية)، بسبب توقع ظاهرة النينا في المحيط الهادئ، ومن آثارها تعزيز النشاط الإعصاري في الأطلسي، وهذا هو الحال حتى الآن.

عدد الأعاصير يتزايد
مع الاحتباس الحراري؟

خلافا للاعتقاد السائد، انخفض العدد الإجمالي لظواهر الأعاصير بشكل طفيف على الكوكب منذ بدء عمليات المسح في عام 1851، وكان هذا الرقم يتزايد في شمال المحيط الأطلسي بين عامي 1950 و1970 قبل أن ينخفض بين عامي 1970 و1990، وانتعشت ظواهر الاعاصير بين عامي 1995 و2010 قبل العقد الأخير من الهدوء غير الطبيعي، وبالتالي فإن ذروة عام 2017 تشير إلى العودة إلى وضعها الطبيعي في شمال المحيط الأطلسي. وفي مقابل هذه الملاحظة، فإن مسألة دور الاحتباس الحراري في تطور عدد الأعاصير في شمال المحيط الأطلسي ليست مقنعة، وهو ما تم إقراره من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ ومن قبل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) التي تنص على أنه: “من السابق لأوانه استنتاج أن الأنشطة البشرية (ولا سيما انبعاثات غازات الاحتباس الحراري) لها تأثير يمكن اكتشافه على أعاصير المحيط الأطلسي أو على نشاط الأعاصير العالمية.” ويميل الاحترار العالمي بدلا من ذلك إلى زيادة قوة الأعاصير المتكونة، والتي تصل إلى الفئات القصوى بسرعة أكبر، فضلا عن كميات الأمطار المصاحبة، والتي تكون أكثر وفرة بنحو 20 إلى 30٪.
من ناحية أخرى، يبدو أن بعض الدراسات تشير إلى أنه إذا لم يزدد عدد الأعاصير أو حتى ينخفض، فيمكن زيادة قوتها، والتي تقاس في “الطاقة المتراكمة” منها 2017 هي الرابعة بعد 1995 و2004 و2005، وكانت هذه الطاقة ستزداد بنسبة 70٪ خلال الثلاثين عاما الماضية بينما ظل عدد الأعاصير مستقرا، بل وانخفض في شمال المحيط الأطلسي. ووفقا لهذه الدراسات، فإن عدد الأعاصير “الكبرى”، التي تساوي على الأقل الفئة 3/5، سوف يتزايد، بينما يمكن أن ينخفض العدد الإجمالي للظواهر، لكن بالنسبة لخبراء آخرين، فإن الزيادة في تواتر هذه الأعاصير الكبرى قد تكون ببساطة نتيجة لتقلب المناخ الطبيعي، غير المرتبط بالاحترار الناجم عن النشاط البشري.

النماذج المناخية “النينيو” و”النينا”

قبل قرون من دراستها علميا، لاحظ الصيادون في أمريكا الجنوبية ارتفاعا في درجة حرارة المياه الساحلية في المحيط الهادئ أكثر من المعتاد، وانخفاض كبير في صيد الأسماك يحدث بشكل دوري في فترة أعياد الميلاد، حيث أطلقوا على الظاهرة اسم “النينيو” أو الولد الصغير باللغة الإسبانية، وفي الثمانينيات عندما تم اكتشاف المرحلة المعاكسة لظاهرة النينيو أي أن درجات حرارة المحيط أقل من المعتاد، أطلق عليها العلماء اسم “النينا” أو الفتاة الصغيرة باللغة الإسبانية.

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تؤكد بداية ظاهرة النينا

وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قد أعلنت مؤخرا أن ظاهرة “النينا” المناخية، التي لها تأثير على تبريد درجة حرارة الأرض، بدأت خريف هذا العام، ومن المتوقع أن تستمر حتى ربيع 2021، ولفهم ظاهرة النينا، يجب أن نتذكر أن المحيط الهادئ بحكم ضخامته يلعب دورا مهما في تنظيم مناخ كوكب الأرض، إنه تحت المراقبة الدقيقة والتدقيق من قبل الأقمار الصناعية التي تقيس درجة حرارته بواسطة صور الأشعة تحت الحمراء، وخاصة المنطقة المدارية وتأثير هذه الظاهرة على المناخ يرجع إلى كل من التيارات ودرجة حرارتها، وفي هذا السياق تشير ظاهرة النينا إلى شدة برودة مياهها السطحية، في الجزء الشرقي من المحيط الهادئ المتاخم لساحل أمريكا الجنوبية، هذه الظاهرة هي عكس ظاهرة النينو التي تتميز بدرجات حرارة أعلى من المتوسط للمياه، وفي حالة عدم وجود خلل في درجة الحرارة، فإننا نتحدث عن حلقة “محايدة”.
الآلية هي جد سهلة الفهم فالتغير الدوري في درجات حرارة سطح المحيط الهادئ الناتجة عن التغيرات الطبيعية في نظام الرياح السائد فوق المحيط الهادئ الاستوائي، حيث تهب الرياح بشكل عام من الشرق: هذه هي الرياح التجارية التي تدفع الماء الدافئ غربا، بينما يتدفق الماء البارد إلى أعلى ساحل أمريكا الجنوبية، عندما تزداد قوة هذه الظاهرة، مع وجود رياح شرقية أقوى تتسبب في تصاعد المياه الباردة إلى أعلى، فإنها تسبب حلقة “النينا” فينتج عن ذلك أن يبرد شرق المحيط الهادئ بأكمله من نصف درجة مئوية تحت الصفر إلى درجتين مئويتين تحت الصفر.
وتسجل أجهزة قياس درجات الحرارة حاليا شذوذا جد ملحوظ يصل الى درجة مئوية واحدة تحت الصفر، في حين تتنبأ النماذج العددية بشذوذ قوي قريب من درجتين مئويتين تحت الصفر في شهر يناير المقبل، حيث من المرتقب أن يسجل المحرار أرقاما قياسية تحطم الرقم القياسي السابق 1.9 درجة مئوية تحت الصفر والمسجلة عام 1989، وتتناوب هذه الاختلافات في دورات عمرها يمتد من 3 إلى 7 سنوات، وبمجرد إنشائها، فإن دورة النينا تستمر ما بين 6 أشهر وسنة واحدة، وتعرف هذه الدورات باسم ”التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو”، من بين كل هذه الدورات، فإن ظاهرة النينو هي الأكثر شهرة لأنها أكثر ناقلات للعوامل الجوية الكوكبية.

توقع ظاهرة النينا والنينو
خلال سنة 2021

تم تطوير توقعات حلقات تكون ظاهرتي النينا و النينو من خلال نماذج عددية للمحيط والغلاف الجوي، حيث يتفاعل الاثنان، في انسجام تام ويمكننا ان نتحدث عن زوجين “جو/محيط” وبالتالي، فإن “نمذجة” النينا تجعل من الممكن إنشاء التنبؤ بالرياح، والتي نستنتج منها حالات شذوذ الضغط الجوي المحتملة بما يؤثر على درجات حرارة البحر، وبمجرد أن تبدأ هذه الظاهرة، فإن عمليات المراقبة بواسطة الأقمار الصناعية تجعل من الممكن متابعة صعود هذه الظواهر، نحن نعلم متوسط مدة حلقة النينا من 6 إلى 8 أشهر، مما يشير إلى أنها ستستمر حتى الربيع المقبل قبل العودة إلى درجات الحرارة العادية، نحن نعرف أيضا موسمية ظاهرة النينا التي تحدث بشكل عام في فصل الشتاء، ومع ذلك لا يزال من الصعب توقع شدتها.
في الواقع، كان من المتوقع جدا أن تحدث ظاهرة النينا منذ الربيع الماضي ويجب أن تصل في أقوى حالاتها الشاذة إلى درجة واحدة مئوية تحت الصفر، بينما نحن بالفعل نسجل نفس المقدار من الحرارة على مستوى المحيط، لذلك يتشكل ليكون أكثر كثافة من المتوقع، بينما قامت النماذج بمراجعة توقعاتها بنطاق يتراوح بين 1.6 درجة مئوية ودرجتين مئويتين تحت الصفر، وحتى الى ثلاث درجات مئوية تحت الصفر لأكثر السيناريوهات تطرفا، والتي ربما ستشكل رقما قياسيا.
إن الاتساع الذي تغطيه هذه الاختلافات في درجات الحرارة في مياه المحيط الهادئ سيؤدي إلى تغيرات في الغلاف الجوي فوق هذه المناطق حيث تؤدي المياه الباردة إلى تكوين ضغوط عالية عبارة عن أعاصير مضادة بينما تولد المياه الأكثر دفئا تكوين المنخفضات، وتعمل مراكز الحركة هذه على تحريك رياح ذات اتجاهات مختلفة والتي ستعمل على تعديل الرياح المرتفعة، ولا سيما التيار النفاث، وهذه الرياح التي تهب حول الكوكب على ارتفاع حوالي 10000 متر، والتي ستلعب دورا بعد ذلك على المناخ العالمي، على سبيل المثال، تتعرض أستراليا لمزيد من الأمطار خلال حدوث ظاهرة النينا مع خطر حدوث فيضانات بينما تتعرض أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى لخطر الجفاف، وبالمثل، من خلال تعديل الرياح المرتفعة، فإن النينا يشجع على تكوين الأعاصير في المحيط الأطلسي ويقلل منها في المحيط الهادئ.
أخيرا، خلال فترة النينا، يبدأ التيار النفاث في التموج مما يؤدي إلى خفض الهواء البارد فوق أمريكا الشمالية، والتي يجب أن تتوقع، في هذا النوع من الحالات، شتاء مثلجا وأكثر برودة من السنوات السابقة، في حين بالنسبة لأجزاء أخرى من العالم مثل أوروبا تقل التأثيرات بشكل ملحوظ نظرا لامتداد ظاهرتي النينا والنينو على نصف المحيط الهادئ بشكل واسع جدا لدرجة أن آثاره يتم الشعور بها على كامل المنطقة المدارية الكوكبية وكذلك فوق أستراليا والأمريكيتين، أما بالنسبة للقارة الاوروبية فهي تقع في نهاية الخط بسبب بعدها الجغرافي لذلك لا يوجد تأثير محدد حقا لظاهرتي النينا والنينو على المناخ. من ناحية ثانية، تتداخل العوامل المناخية الأخرى مثل الرياح فوق إفريقيا الاستوائية على سبيل المثال، ومع ذلك ما نراه هو أنه في مرحلة النينو يكون الشتاء أكثر اعتدالا بشكل عام في أوروبا الغربية، بينما يكون أكثر برودة في فترة النينيا.

ظاهرة الاحتباس الحراري والنينا

تؤثر تذبذبات النينا والنينو على درجات حرارة الكوكب بطريقة طبيعية. خلال سنوات النينا، كانت درجات حرارة الكوكب أقل مما كانت عليه في فترة النينو، لوحظت هذه الاختلافات في النينو/ النينيا في جميع الأوقات، بغض النظر عن الاحتباس الحراري، خلال عقد 2010 كانت نوبات النينيا متكررة مما حد من ارتفاع درجات حرارة الكوكب، لدرجة أنه كان هناك حديث عن “فجوة” في ظاهرة الاحتباس الحراري في ذلك الوقت. في البداية، قللت النماذج العددية من تقدير التأثير الطبيعي لدرجة حرارة المحيط الهادئ على المناخ العالمي. ومنذ ذلك الحين، انعكس الاتجاه واشتد ارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ الاستوائي بنحو 1 درجة مئوية خلال 2011-2016.
من ناحية أخرى، ما يمكن للمرء أن يتساءل هو ما إذا كان تكرار نوبات النينو قد أدى إلى زيادة الاحتباس الحراري المعاصر. على العكس من ذلك، فقد أدى الاحترار العالمي إلى مضاعفة مراحل النينو، ويمكن أن تكون نوبات النينو أكثر تواترا وشدة مع الاحتباس الحراري في العقود القادمة، إلى جانب مراحل النينيا الأكثر تطرفا، ولكن لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين في العلاقة بين ظاهرة الاحتباس الحراري ومراحل النينيا والنينو ، حيث يعمل الاثنان معا.
ومع هذا، هناك بعض الإجماع على أن الاحترار العالمي يتسبب في ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية في المحيط الهادئ، مما قد يفضي إلى نوبات النينو، في هذا الصدد سيكون حدوث هذه المرحلة من النينيا وهي الأقوى منذ عام 2010، مفيدا للغاية في فهم هذه الآلية وفي رؤية كيفية تفاعل درجات حرارة الكوكب في عام 2021.
يظل النينو معروفا ومخوفا بشكل أفضل لأن تأثيره المناخي الأقوى يتسبب في مزيد من سوء الأحوال الجوية حول العالم لكن ظاهرة النينيا، التي تم تسليط الضوء عليها مؤخرا في القرن العشرين، يبدو الآن أن لها عواقب مدمرة بنفس القدر على ثقافات واقتصاد الكوكب.
فخلال ظاهرة النينيو، تكون الرياح السطحية عبر المحيط الهادئ الاستوائي أضعف من المعتاد، درجات حرارة المحيط في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي أكثر دفئا من المتوسط وهطول الأمطار أقل من المتوسط في إندونيسيا وأعلى من المتوسط في وسط أو شرق المحيط الهادئ، وتزداد الزيادة في حركة الهواء في وسط أو شرق المحيط الهادئ، ويكون الضغط السطحي هناك بشكل عام أقل من المتوسط، وفي الوقت نفسه، تؤدي زيادة حركة الهواء إلى أسفل فوق إندونيسيا إلى ارتفاع ضغط السطح والجفاف.
أما خلال النينا يكون الأمر عكس ذلك، الرياح السطحية في جميع أنحاء المحيط الهادئ الاستوائي أقوى من المعتاد ومعظم المحيط الهادئ الاستوائي أبرد من المتوسط، يزداد هطول الأمطار فوق إندونيسيا (حيث تظل المياه دافئة) وينخفض فوق وسط المحيط الهادئ الاستوائي (وهو بارد)، يوجد فوق إندونيسيا حركة تصاعدية أكبر للهواء وضغط سطحي أقل. هناك المزيد من حركة الهواء المتدفقة فوق المياه الأكثر برودة في وسط وشرق المحيط الهادئ، بين المرحلة الدافئة والمرحلة الباردة يصف العلماء الظروف بأنها “ظروف محايدة” ويعني المحايد أن درجات الحرارة والرياح والحمل الحراري (ارتفاع الهواء) وهطول الأمطار في المحيط الهادئ الاستوائي قريبة من متوسطاتها على المدى الطويل.
ولا يمكن اعتبار ظاهرة النينيو عاصفة تضرب منطقة معينة في وقت محدد، بدلا من ذلك تسبب المياه الاستوائية الأكثر دفئا في المحيط الهادئ تغييرات في دوران الغلاف الجوي العالمي، مما يؤدي إلى مجموعة واسعة من التغييرات في المناخ العالمي.
فكر في الكيفية التي يمكن بها لمشروع بناء كبير في جميع أنحاء المدينة أن يغير تدفق حركة المرور بالقرب من منزلك، مع تحويل الأشخاص، والطرق الجانبية التي بها حركة مرور أكثر، وإغلاق المخارج والمنحدرات العادية، ستكون الأحياء المختلفة هي الأكثر تضررا في أوقات مختلفة من اليوم، ستشعر بآثار مشروع البناء من خلال تغييراته على النماذج العادية، لكنك لن تتوقع أن “يضرب” مشروع البناء منزلك.
وتزيد ظاهرة النينيو من فرص هطول الأمطار والشتاء العاصف وأوائل الربيع في جميع أنحاء جنوب الولايات المتحدة، ولكن من المستحيل القول إن عاصفة واحدة كانت سببها ظاهرة النينيو وحدها.

عمر ظاهرتي النينا والنينيو

عادة ما تستمر نوبات النينيو والنينيا من 9 إلى 12 شهرا، وكلاهما يميل إلى التطور في الربيع (مارس-يونيو)، ويصل إلى ذروته في أواخر الخريف أو الشتاء (نونبر-فبراير)، ثم يضعف في الربيع أو أوائل الصيف، ويمكن أن تستمر ظاهرة النينيو والنينيا لأكثر من عام، ولكن من النادر أن تستمر أحداث النينيو أكثر من عام تقريبا بينما من الشائع أن تستمر ظاهرة النينيا لمدة عامين أو أكثر، استمرت أطول ظاهرة إل نينيو في السجل الحديث 18 شهرا بينما استمرت أطول ظاهرة لظاهرة النينيا 33 شهرا. لا يعرف العلماء سبب اختلاف مدة هذين النوعين من الأحداث، ويمكن للعلماء في كثير من الأحيان التنبؤ بظهور النينيو والنينيا قبل عدة أشهر إلى سنة، وذلك بفضل النماذج المناخية الحديثة وبيانات الرصد من نظام مراقبة المحيط الهادئ المداري والتي تراقب باستمرار الظروف المتغيرة في المحيط والغلاف الجوي. وبدون هذه الأدوات لن نتمكن من اكتشاف أو التنبؤ بظهور ظاهرة النينيو أو النينيا، ويبقى من المهم للغاية التنبؤ بظاهرة النينيو والنينيا، لأنه يمكن لظواهر النينيو والنينيا أن تزيد من احتمالية حدوث ظواهر الطقس المتطرفة في بعض المناطق. إذا تمكنا من توقع ظاهرة النينيو والنينيا، فيمكننا توقع المزيد من الجاذبية احتمال الأحداث المتطرفة المصاحبة، يمكن للتنبؤات الأفضل بمكان وزمان حدوث الظواهر الجوية الشديدة (على سبيل المثال الفيضانات والجفاف) أن توفر مليارات الدولارات من تكاليف الأضرار.
ويعد التنبؤ بدورة حياة النينيو والنينيا وقوتهما ضروريا لمساعدة الناس على التخطيط للضرر المحتمل في جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك الزراعة وصيد الأسماك، وتجنبها أو تخفيفها، الطاقة والمياه والنقل والرعاية الصحية، ويمكن للتقدم في قدرة العلماء على التنبؤ بحالات الحياد المستقبلية أن يحسن بشكل كبير الفرص الاقتصادية في الولايات المتحدة في هذه القطاعات الحيوية، في حين لا يمكننا منع النينيو والنينيا من الحدوث، لكونهما نماذج مناخية طبيعية وليس لدى البشر قدرة مباشرة على التأثير في بدايتها أو شدتها أو مدتها.

ظاهرة الاحترار العالمي والتأثير
على النينيو والنينيا

هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تؤثر بها ظاهرة الاحتباس الحراري على تواتر وشدة ظاهرة النينيو/النينيا لكن العلماء حاليا لديهم ثقة منخفضة في قدرتهم على التنبؤ بدقة، كيف يؤثر العالم الأكثر دفئا على ظاهرة النينيو، ومع ذلك فإن العلماء مقتنعون بأن ظاهرة الحياد نفسها كانت موجودة منذ آلاف السنين وستستمر في المستقبل، من المرجح أن يؤثر الاحترار العالمي على التأثيرات المتعلقة بظاهرة النينيو والنينيا، بما في ذلك الظواهر الجوية المتطرفة، في حين تؤثر النينيو والنينيا على مواسم الأعاصير في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، فلدى الولايات المتحدة القارية وجزر الكاريبي فرصة منخفضة بشكل كبير لتجربة إعصار خلال ظاهرة النينيو وزيادة فرصة التعرض لإعصار خلال ظاهرة النينيا.
تميل الأعاصير الأطلسية إلى التكون، خلال ظاهرة النينيو، حيث يحدث عدد أقل من الأعاصير في المناطق الاستوائية العميقة من أمواج شرق إفريقيا. على العكس من ذلك، خلال ظاهرة النينيا، تتشكل المزيد من الأعاصير في المناطق المدارية العميقة بسبب موجات شرق إفريقيا، وبالتالي لديها احتمال أكبر لتصبح أعاصير كبيرة يمكن أن تهدد جزر الكاريبي في النهاية والولايات المتحدة.
وبشكل عام، تساهم ظاهرة النينيو في حدوث المزيد من الأعاصير في شرق ووسط المحيط الهادئ وتقليل عدد الأعاصير الأطلسية بينما، على العكس من ذلك، تساهم ظاهرة النينيو في عدد أقل من الأعاصير في شرق ووسط المحيط الهادئ ومزيد من الأعاصير الأطلسية.

 < بقلم: محمد بنعبو*

خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top