حذار من تدني السياسة أو غيابها…

الممارسات التي جرى اقترافها بمناسبة انتخاب مكاتب مجالس الجماعات المحلية، وتشكيل الأغلبيات، تبعث على الخوف من المستقبل…
صحيح أن بعض هذه الممارسات كانت معروفة منذ سنين، وتتكرر عقب كل استحقاق انتخابي، لكن هذه المرة تفاقمت بشكل واضح، واستثمرت تكنولوجيا التواصل، كما أن بعض أباطرتها صاروا أقرب إلى مافيات حقيقية على غرار ما تعرضه الأفلام السينمائية المعروفة…
لقد شهدنا وسمعنا عن اختطاف مستشارة من وسط الشارع وإركابها سيارة من لدن ملثمين، ثم إبعادها عن المدينة ورميها في مكان بعيد، بعد تجريدها من هاتفها، وكل ذلك لكي تخلف موعد حضور دورة التصويت على رئيس الجماعة…، وشهدنا وسمعنا أيضا تهريب مستشارين وقطع الاتصال معهم، وإخفائهم إلى غاية يوم التصويت، ثم سمعنا عن توقيع شيكات على بياض مقابل التوصل لاحقا بمقابل التصويت، وسمعنا عديد أشكال من التهديد والترهيب والترغيب، وأيضا السب والشتم، كما حدث في بعض مقاطعات طنجة وغيرها…، وكان الكثيرون سجلوا يوم الاقتراع وقبله الاستعمال الرهيب للأموال لشراء الذمم، علاوة على أشكال مختلفة من الضغط والابتزاز، التي مست هذه المرة المرشحين أيضا…
من جهة ثانية، تابعنا صور مجموعات من المنتخبين وهم يؤدون القسم على المصحف ويصورون ذلك عبر فيديوهات يتم بثها على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرين يلتقون لتبادل التزامات الوفاء فيما بينهم داخل المساجد…
وفِي نفس الوقت، شاهدنا الكثير من التعنت والعناد والتوتر والأنانيات المتخلفة، والبعض سعى لتثبيت الأبناء والبنات والزوجات والأصهار على رأس مجالس الجماعات أو في مكاتبها، وبعض هؤلاء الرؤساء الجدد بدا واضحا جدا أنهم لا يدرون ما المطلوب منهم أصلا، ومن المؤكد لن يكونوا سوى الواجهة لآخرين، يعرفون كيف «يحركون» الأمور من وراء ستار…
كل هذه الممارسات تصفعنا بقوة، وتنبهنا لغياب السياسة عن كل هذا الذي يحدث حوالينا…
في ظرفية تعج بالقساوة، جراء تداعيات زمن الجائحة، وبسبب مصاعب اقتصادية وإستراتيجية كثيرة، وفِي الوقت الذي على بلادنا الإنكباب على تفعيل نموذجها التنموي الجديد، وإنجاح مخططات الانتعاش الاقتصادي، وتفعيل الجهوية، ومواجهة مناورات خصوم الوحدة الترابية…، في هذا الوقت، بالذات، يفرض علينا أن نخوض مختلف هذه المعارك بمؤسسات منتخبة، محلية وجهوية ووطنية، تعاني من ضعف مهول في…»السياسة»، أي في الكفاءة والرؤية والتقدير و… المصداقية…
هنا مبرر الخشية عن المستقبل، أي بعد أن تكتمل الهيكلة وحيازة المقاعد والرئاسات كلها، نجد أنفسنا كلنا أمام… خواء السياسة، ويتفاقم فقدان الثقة لدى شعبنا، وأن تلف العزلة هذه المؤسسات كلها، وتبقى البلاد في واد آخر غير وادي السياسة وامتلاك ثقة الناس واحتضان انشغالاتهم وتطلعاتهم، والتعبير عنها، وتأمين استقرار مجتمعنا وتطوير كل دينامياته الديمقراطية والتنموية…
هذا المآل المخيف، لن تستطيع البلاد تفاديه عبر كيانات حزبية بلا روح أو مرجعيات أو امتداد في المجتمع، حتى ولو امتلكت كل خزائن الأرض، ولن تتفاداه كذلك عبر صباغة الهيئات المنتخبة بألوان مرغوبة وتمتلك الأغلبيات الواسعة، ولكن، بدل ذلك، يجب التوفر على أحزاب حقيقية لها العمق والتاريخ والرؤية، والامتداد وسط الناس، ويجب الحرص على هذا الحضور وتقويته وتمتينه وعدم التفريط في مقومات التوازن داخل المجتمع…
لقد انتهت الانتخابات الآن، وانتهى الانتشاء بكسب المقاعد والأغلبيات والرئاسات، ويجب التفكير الآن في مستقبل بلادنا وواقع شعبنا، أي في العمل الحقيقي…
سنبقى دائما نذكر أن البلاد في حاجة إلى السياسة، ويجب أن تستعيد السياسة نبلها ومصداقيتها وجديتها، وليس من مصلحة بلادنا إحاطة السياسة بكل هذا التدني والابتذال المعمم حوالينا…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top