حوار مغربي إسباني عميق في العيون 

احتضنت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، نهاية الأسبوع المنصرم، ندوة هامة بمدينة العيون جمعت إعلاميين مغاربة وإسبان، وشهدت حوارا عميقا وصريحا بين الطرفين، ساهم في إغنائه كذلك خبراء وأساتذة جامعيون وباحثون وفاعلون جمعويون وصحفيون من الضفتين.
اللقاء اندرج ضمن الدورة الأولى من الملتقى الجهوي حول الإعلام والمجتمع، وانعقد تحت عنوان مركزي معبر هو: «الحوار الطبيعي والآفاق الواعدة بين المغرب وإسبانيا»، وحضره وفد إعلامي وازن من منطقة الكناري بإسبانيا، وذلك بدعوة وضيافة من الفرع الجهوي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف بجهة العيون الساقية الحمراء.
التدخلات والمناقشات كلها، خلال هذا الحوار الإعلامي المغربي والإسباني، شددت أولا على ضرورة التعاطي مع المغرب باعتباره بلدا مستقلا، واحترام وحدته الترابية وسيادته الوطنية، وإدراك النخب الإسبانية على أن زمن الاستعمارات انتهى وولى.
ومن جهة ثانية، وانطلاقا من هذا المعطى المبدئي الجوهري، استحضر المجتمعون الدينامية الجديدة التي تشهدها العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد، وفي مقدمتها اعتراف إسبانيا بالمخطط المغربي للحكم الذاتي، باعتباره الأساس الأكثر جدية وصدقية لتسوية النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية.
واعتبرت المناقشات أن هذه الخطوة السياسية والاستراتيجية الإسبانية الكبيرة يجب أن تؤسس لمرحلة مختلفة تقوم على بلورة تقارب اقتصادي وسياسي واستراتيجي حقيقي، ينتصر لمصالح البلدين ويفتح آفاقا واعدة أمامهما في عدة مجالات، مؤكدة على أن المغرب وإسبانيا يزخران بمؤهلات وموارد كفيلة برفع مستويات التعاون الاقتصادي بينهما، كما أن لديهما مصالح مشتركة، وتواجههما التحديات نفسها.
لقاء العيون لم يكن منبرا للمجاملات الديبلوماسية بين المشاركين، ولكنه شهد مرافعات صريحة واستعراضا لحقائق التاريخ، وأساسا لتحديات المصالح والمستقبل.
التصدي للإرهاب والتطرف، وأيضا للجريمة، ومواجهة الهجرة غير القانونية وعصابات الاتجار في البشر، مواجهة التغيرات المناخية وندرة الماء ومشكلات الطاقة والغذاء…، هذه كلها معضلات معنية بها وبتداعياتها إسبانيا كما المغرب، ولا يمكن الانتصار فيها إلا بالتعاون والتنسيق والعمل المشترك بين البلدين.
أيضا تقلبات ومخاطر الجوار القريب تمثل تحديا مشتركا واستراتيجيا للرباط ومدريد، ويجب تطوير مقاربة استراتيجية وديبلوماسية ناجعة ومشتركة بينهما تجاهها.
الوضع في الجزائر، وتراجعات الأوضاع العامة في تونس، والمأساة الليبية، وما تعانيه العديد من دول الساحل جنوب الصحراء من هشاشة واضطراب، هي كذلك تحديات حقيقية وتفرض تعاونا مغربيا إسبانيا متينا ودائما.
الخلاصة أن مصلحة إسبانيا توجد بالضبط في تمتين التعاون مع المغرب، وفي إحكام تعاون صادق يرتكز إلى الاحترام والثقة بين البلدين، وفي نفس الوقت يحترم استقلال وسيادة المغرب ووحدته الترابية، وكونه دولة حقيقية ومستقلة ولها مصالح وتطلعات مشروعة.
وشدد المتدخلون في هذا الحوار الإعلامي الهام الذي احتضنته مدينة العيون، على أنه بقدر ما يجب أن يسود الوضوح السياسي لدى النخبة الإسبانية تجاه موضوع الوحدة الترابية للمغرب، وبشأن المصالح الوطنية والإستراتيجية المغربية، فإنه من الضروري كذلك السعي لبناء منظومة مصالح مشتركة بين البلدين، وتقوية التعاون الاقتصادي، وأيضا التواصل الثقافي والإعلامي، وذلك بغاية إعمال شراكة رابح – رابح.
لقد اعتادت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، على هامش مختلف لقاءاتها الجهوية واجتماعاتها في الفروع، ألا تنشغل بمشكلات التنظيم، وبالقضايا المهنية الصرفة وحدها، لكنها تربط دائما ذلك بانشغال عام بقضايا البلاد وتطلعاتها الوطنية والديمقراطية والتنموية، وهو ما كرسته هذه المرة أيضا عبر ملتقى العيون.
وكانت قامت بالشيء نفسه لما رعت حوارا مماثلا حول الأفق المتوسطي للمغرب في لقاء سابق بطنجة، ثم حول الأفق المغاربي في لقاء بوجدة كان شهد مد يد إعلامية مغربية للزملاء في الجزائر، وحول أفق العلاقات المغربية الموريتانية والبعد الإفريقي الأطلسي خلال لقاء احتضنته مدينة الداخلة، إضافة، بالطبع، إلى لقاءات أخرى تدارست قضايا وطنية ومهنية متعددة، كانت جرت في محطات أخرى بمراكش وأگادير وفاس وبني ملال والرشيدية وغيرها، وكل هذا يجعل هيئة ناشري الصحف المغاربة تنظيما مهنيا وطنيا يستحضر في مختلف انشغالاته ومرافعاته مصلحة البلاد، وضرورة الارتقاء بها، ومواكبة دينامياتها الديبلوماسية والتنموية والديمقراطية، وأيضا صيانة وتطوير ثقة المجتمع في صحافته الوطنية المهنية والجادة، وتمتين مصداقيتها.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top