دور الأمم المتحدة في نزع الأسلحة النووية مسلسل بلا نهاية

لا تزال ازدواجية المعايير التي تنتهجها القوى الكبرى حاجزا يؤخر المساعي الجادة إلى تخليص العالم من خطر الأسلحة النووية في ظل تعاظم التهديدات الناتجة عن استمرار وجود الأسلحة النووية والتي يجسد انتشارها وامتلاكها أو حتى التهديد باستخدامها خطرا يتهدد العالم.
ومع ذلك تتسابق الجهود الدولية للحد من خطر انتشار الأسلحة النووية في العالم، بعد أشهر من الذكرى السنوية السادسة عشرة لقرار مجلس الأمن 1540، والذي يطالب الحكومات بمنع الجهات الفاعلة من غير الدول أو الإرهابيين من حيازة وانتشار واستخدام أسلحة نووية وبيولوجية و كيميائية لتبدأ المفاوضات الفعلية في مارس 2017.
وفي أحدث حلقة من هذا المسلسل، الذي اعتبره المراقبون بلا نهاية وشيكة، هو إعلان الأمم المتحدة عن مصادقة خمسين دولة على معاهدة حظر الأسلحة النوويّة بعد أن أعلنت هندوراس الانضمام إلى الدول التي سبقتها، ما يسمح بدخول الاتفاق “التاريخي” حيّز التنفيذ في غضون 90 يوما وهنا هل يمكن القول إن المجتمع الدولي سينجح في مسعى نزع فتيل التوتر النووي بين كبار اللاعبين على الساحة الدولية؟
مساع خطوة مهمة
تعتبر معاهدة حظر الأسلحة النووية هي أول اتفاق متعدد الأطراف يُطبّق عالميا ويرمي إلى حظر الأسلحة النووية حظرا شاملا وهي أيضا أول معاهدة تتضمن أحكاما تخص المساعدة في معالجة النتائج الإنسانية المترتبة على استخدام الأسلحة النووية وتجريبها. ولذلك فإن ما حصل يعتبر قفزة مهمة نحو نزع هذه الأسلحة أو التخلص منها ولو أن البعض لا يعوّل عليها كثيرا.
وتكمّل المعاهدة الاتفاقات الدولية القائمة بشأن الأسلحة النووية، ولاسيما معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والمعاهدات الإقليمية المنشئة للمناطق الخالية من الأسلحة النووية، ومن المهم أيضا النظر إلى مآلات الاتفاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا ضمن اتفاق “ستارت” كونها ستساعد على خفض التوترات في هذا الجانب.
ورأى المحلل السياسي فايز حوالة في حديث مع وكالة سبوتنيك الروسية أن الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي في العالم يأتي من خلال تمديد معاهدة “ستارت 3″، التي تحاول الولايات المتحدة إعادة صياغتها بما يخدم مصالحها تحت ذرائع مختلفة منها خروجها من اتفاقية الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى ومحاولة إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية من خلال ما يسمى نشر الدرع الصاروخية ونقل الرؤوس النووية إلى أوروبا الشرقية.
ويتفق الخبراء على أن الأسلحة النووية هي أخطر الأسلحة على وجه الأرض، فبإمكان أحدها أن يدمر مدينة بأكملها، ويقتل الملايين احتمالا، ويعرض للخطر البيئة الطبيعية للأجيال القادمة وحياتها، من خلال آثاره الوخيمة الطويلة الأجل، حيث أن الأخطار المترتبة على هذه الأسلحة تنشأ من وجودها ذاته.
ومع أن الأسلحة النووية استخدمت مرتين فقط في الحرب في قصف هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، فإن معلومات الأمم المتحدة تشير إلى أنه لا يزال هناك 22 ألفا من هذه الأسلحة في العالم اليوم، وأنه أجري حتى اليوم ما يزيد على ألفي تجربة نووية، ولذلك ترى المنظمة الأممية أن نزع السلاح هو أفضل وقاية من هذه الأخطار، وإن كان بلوغ هذه الغاية يمثل تحديا صعبا إلى أبعد الحدود.
ولدعم الجهود الدولية، التي يبدو أنها لا تزال بحاجة إلى الكثير من الاهتمام وممارسة الضغط حتى تنجح العملية، أقيمت المناطق الإقليمية الخالية من الأسلحة النووية لتعزيز المعايير الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح، بهدف إحلال السلام والأمن، حيث تسعى الأمم المتحدة منذ إنشائها إلى القضاء على هذه الأسلحة.
وتهدف مبادرة حظر انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح، على سبيل المثال، والتي خرجت إلى حيز الوجود في 2010 لقيادة الجهود الدولية في مجال نزع السلاح النووي، وتتألف المبادرة من أستراليا وكندا وتشيلي وألمانيا واليابان والمكسيك وهولندا ونيجيريا والفلبين وبولندا وتركيا والإمارات واعتادت من خلال اجتماعاتها والبيانات التي تصدرها، إلى التركيز على سبل تسريع عملية نزع السلاح النووي.
وفيما لم توقع القوى النووية العظمى على المعاهدة، فإن النشطاء الذين دفعوا من أجل إصدارها يأملون في أن تثبت يوما أنها أكثر من مجرد اتفاق رمزي وأن تشكل تدريجيا تأثيرا رادعا.
وتحول السلاح النووي إلى اصطلاح سياسي يؤثر في صياغة العلاقات الدولية، وقوة معنوية للدول التي تمتلكه. ويقول خبراء في مؤسسة السلام في العصر النووي إن تدهور العلاقات الأميركية الروسية ينذر بالسوء في مسار التقدم في عملية معاهدة حظر الانتشار النووي المشلولة، والتي فشلت في تنفيذ وعود كثيرة لنزع السلاح النووي منذ عام 1970، حتى قبل أحدث تفجر للعداوات.
ولكن الصين التي تريد الولايات المتحدة استدراجها للدخول في هذا المضمار لا تريد الدخول في صراعات ثنائية أو ثلاثية الأقطاب، بينما الحروب التجارية والأزمة الصحية العالمية ونزاعات كثيرة متفرقة فوق سطح الكوكب تثير الكثير من المخاوف.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصول عدد من وقعوا بأنها “تتويج لحركة عالمية للفت الانتباه إلى العواقب الإنسانية الكارثية لأي استخدام للأسلحة النووية”، مؤكدا أنّه “يمثل التزاما حقيقيا تجاه النزع الكامل للأسلحة النووية والتي تظل على قمة أولويات نزع السلاح للأمم المتحدة”.
مرحلة جديدة
يهدد تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، بإفشال واحدة من مبادرات السلام الرئيسية التي تبذلها الأمم المتحدة من أجل نزع السلاح النووي، حيث تواصل القوتان النوويتان الأكبر في العالم، السير على حبل الخلافات، مما سيلقي بظلاله على سير معاهدة انتشار الأسلحة النووية ويفشلها، فضلا عن تهديد مستقبل معاهدة حظر الانتشار النووي ذاتها.
والاختلاف في المعايير بين الدعوة إلى تخليص العالم من خطر الأسلحة النووية من دول لا تزال تملكها وتغض الطرف عن حلفائها، هو ما كان محل انتقاد للمساعي التي بذلتها مؤتمرات دولية كثيرة أدانت بشدة البرامج النووية والصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية والنووي الإيراني والإسرائيلي باعتبارها تقوض المعاهدة وتشكل تهديدا كبيرا للسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.
معاهدة حظرالأسلحة النووية
• أطلقت لأول مرة في عام 2004
• بدأت المفاوضات في 2017
• هندوراس الدولة رقم 50 التي تنضم للمعاهدة
• القوى العظمى لم توقع عليها
• تمنع استخدام ونقل وإنتاج الأسلحة
ورحبت المنظمات غير الحكومية أيضا بهذه التطورات، بما في ذلك الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (آيكان)، وهو تحالف فاز بجائزة نوبل للسلام في عام 2017 لدوره الرئيسي في التوصل إلى المعاهدة. وقالت عبر حسابها في موقع تويتر إنّ “هندوراس صادقت للتوّ على المعاهدة، وهي الدولة الـ50، وهو أمر تاريخي يسمح بدخولها حيّز التنفيذ”.
وقالت حملة آيكان إنها تتوقع “أن تتوقف الشركات عن إنتاج الأسلحة النووية وأن تتوقف المؤسسات المالية عن الاستثمار في الشركات المنتجة للأسلحة النووية”. ووصفت المديرة التنفيذية للتحالف بياتريس فين التطور بأنه “فصل جديد لنزع السلاح النووي”.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تحظر استخدام وتطوير وإنتاج واختبار وتوجيه وتخزين والتهديد باستخدام مثل هذه الأسلحة، في يوليو 2017 بموافقة 122 دولة. ووقعت عليه 84 دولة منذ ذلك الحين، لكن لم تصادق جميعها على نص الاتفاق.
ولم توقع الدول المسلّحة نوويا، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا واستبعدت اليابان، وهي الدولة الوحيدة التي تعرضت لهجوم بأسلحة نووية، أي خطط فورية للتوقيع. وقال وزير الدفاع نوبو كيشي للصحافيين الأحد “لا يسعنا إلا أن نشكك في فعالية المعاهدة التي لا تستطيع القوى النووية الانضمام إليها”.
لكن سوناو تسوبوي، الناجي من القنبلة الذرية، قال لإذاعة أن.أتش.كيه الحكومية “ليس لدينا شك في أنها خطوة كبيرة نحو حظر وإلغاء الأسلحة النووية”. وتابع “نريد حقا أن تنضم الحكومة اليابانية إلى المعاهدة في ضوء رغبة الناجين من القنبلة الذرية”.
ويأمل نشطاء الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية في أن يكون لدخولها حيز التنفيذ نفس تأثير المعاهدات الدولية السابقة بشأن الألغام الأرضية والقنابل العنقودية، ما يؤدي إلى وصمة عار على تخزينها واستخدامها، وبالتالي تغيير في السلوك حتى في البلدان التي لم توقع.

Related posts

Top