زينب بن رحمون الإدريسي حكاية امرأة عاشقة للطبيعة

عندما تشعر الأرض أنك تعشقها، تبوح لك بكل أسرارها، وتبادلك العشق بسخاء، تلك هي العلاقة التي تجمع زينب بن رحمون الإدريسي مع الأرض، ومع التربة، وهو العشق الذي تولد منذ أن قررت ذات يوم من شهر أكتوبر سنة 1998، أن تبعث الحياة في بقعة من الأرض كانت جرداء، تقع على بعد 25 كلم شرق العاصمة الرباط، لتحولها إلى “ضيعة نموذجية”.
عندما تجالس، زينب بن رحمون، تشعر أنك أمام كتاب مفتوح، أو موسوعة في علم الاجتماع، وفي نفس الوقت، في علم النباتات وفي علم البيئة، متشبثة بجذورها، وبانتمائها للناس وللأرض التي تشعرها أن هناك حياة، تعشق البساطة وعمق الأشياء، تحب أن ترى الأمور على حالها كما أفرزتها الطبيعة، دون تدخل قد يخلق الارتباك، فهي تحرص على أدق التفاصيل لكنها تترك للطبيعة حريتها لتفعل ما تشاء.
في لقاء لها مع جريدتي البيان وبيان اليوم، في فضاءات تلك الضيعة النموذجية، التي لا تتعدى مساحتها الهكتارين ونصف، تحدثت زينب بن رحمون، عن تجربتها الميدانية في مجال الفلاحة البيئية والمستدامة، والتي باتت تشكل نموذجا مرجعيا في مجال الاقتصاد التضامني، والدائري، مؤكدة أن سر نجاح هذه التجربة “ينطلق من منهجية ترتكز على أربع مبادئ أساسية، وهي عدم تسميد الأرض، وعدم حرثها، وترك الجذور والأغصان تموت، وتشجيع التنوع النباتي”. تلك المبادئ والمنطلقات، ساعدت زينب بن رحمون الإدريسي، على أن تجعل من تلك البقعة الأرضية التي كانت خلاء، منذ حوالي 19 سنة، مجالا فلاحيا خصبا ومستداما، تعيش منه خمس عائلات بشكل مباشر، وعشرات العائلات بشكل غير مباشر.. لم يكن ذلك ممكنا لولا الاهتمام بالأرض بكل مكوناتها، وفي الوقت ذاته الاعتناء بالإنسان، وكأنها تريد أن تعيد بناء تلك العلاقة المفقودة بين الإنسان والطبيعة، فأول شيء تقوم به بن رحمون، من أجل ذلك، هو التقرب إلى الطبيعة وإلى الإنسان معا، لأنها تؤمن بأن النضال من أجل الأرض والإنسان لا يستقيم دون عشقهما.
بناء العلاقة مع الإنسان ومع الطبيعة لم يكن وليد صدفة بالنسبة لزينب بن رحمون الإدريسي، فالقصة كانت منذ البداية، عندما كانت تتلمس درب النضال في صفوف حزب التقدم والاشتراكية فرع التقدم بالرباط، إلى جانب مجموعة من المناضلات والمناضلين خلال سبعينيات القرن الماضي، ومن خلال أيضا نضالها إلى جانب المرأة من أجل المساواة ورفع الظلم عنها، في إطار الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، حيث شاركت في مجموعة من القوافل التوعوية والتحسيسية سواء في منطقة الشاون أو غيرها من المناطق التي مكنتها من التعرف على المغرب العميق.
منذ تلك الفترة، تولدت قناعة أساسية لدى زينب بن رحمون، وهي أن جميع المفاهيم والنظريات التي أبدعها السياسيون أو الاقتصاديون، تبقى غير ذات معنى، أو غير مكتملة، إن لم تخضع للتجربة على أرض الواقع، ففي نظرها، “لا نظرية بدون تجربة” لذلك فهي عملية، وتحب أن تتقاسم مع الآخر، خاصة مع أولئك الذين يشتغلون معها، وساهموا في منح الحياة للأرض.
طلية مسارها، لم تكن تعر أي اهتمام لرهط من “اللاإنسانيين” الذين احترفوا تثبيط العزائم، بل منهم من يعشق وضع العراقيل حتى أمام الهواء، ولأنها تؤمن بأن الحلم مبعث السعادة، وأن من لا يحلم يميل غالبا إلى التشاؤم، فقد آمنت منذ بالداية بأن حلمها ممكن التحقق، وممكن تقاسمه مع الآخر.
اليوم، تحول الحلم إلى واقع، وأصبحت الضيعة نموذجية بالفعل.. فعندما تلج مسالكها تشعر وكأنك في غابة استوائية، وستجد العديد من الأشجار المثمرة، والتي كانت، زينب “رفيقة الطبيعة” شاهدة على ميلادها، بدأت اليوم تؤتي أكلها، إلى جانب مجموعة من الخضر والنباتات العطرية التي تعبق روائحها في كل أرجاء هذه الضيعة التي أتاحت لأمي فاطمة وخديجة، وفاطمة، ومريم وأحمد ومصطفى وحمزة وعبد اللطيف وعبد الإله، بالإضافة إلى زينب بن رحمون أن يمتلكوا ذواتهم، وأن يكونوا قادرين على الفعل والمساهمة في الإنتاج، في إطار علاقة أسرية، لا فرق فيها بين هذا وذلك، كل يعمل وفق قدراته ووفق ما يمكن أن يساهم به في تنمية هذا المشروع النموذجي، الذي يعطي العناية للإنسان والبيئة، قبل رأس المال، ويجسد أرقى العلاقات القائمة بين الأفراد والجماعات في نطاق قيم التضامن والتآزر.
فقد أكدت زينب بن رحمون في حديثها لجريدتي البيان وبيان اليوم، أن العلاقة التي تجمعها مع تلك الأسرة، هي علاقة أكثر من أسرية، وأن علاقة التعاقد بين كل العاملين في الضيعة مبينة على الإنصاف والمساواة، وهذا معطى أساسي، في نظر بن رحمون، التي تطبق المساواة في الأجر بين المرأة والرجل، عكس ما هو معمول به بالنسبة للعمال الزراعيين الذين يشتغلون في الضيعات الفلاحية الكبرى، بل الأكثر من ذلك، فهي تطبق الحد الأدنى للأجر الصناعي وليس الفلاحي، وأحيانا قد يتجاوزه بكثير، فقط لأن زينب بن حمون تعمل وفق نظام اقتصادي قائم على مبدأ الثلث، وهو أن الثلث الأول تخصصه لتغطية المصاريف، والثاني تعتبره قيمة مضافة لتلبية حاجيات إضافية للمجموعة، فيما الثلث الأخير تخصصه لمشاريع المستقبل سواء تعلق الأمر بالضيعة أو بالأسر فهو عبارة عن صندوق احتياطي.
الإنتاج بالضيعة، لم يعد يقتصر فقط على الخضر والفواكه الطبيعية، بل اتسع ليشمل إنتاج مواد أخرى محولة طبيعيا كالمربى وزيت الزيتون والعسل، كما بدأت تقتحم شيئا فشيئا بعض الأنشطة الأخرى القائمة على التكوين والتكوين المستمر والمصاحبة للعديد من الفلاحيين، وأيضا تستقبل العديد من الخبراء في مجال الاقتصاد التضامني والفلاحة المستدامة.

> إنجاز: محمد حجيوي

Related posts

Top