ضغوط قضائية وسياسية لنسف تحقيقات المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت

ادعى المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت على أربعة قضاة بينهم النائب العام التمييزي، في إجراء غير مسبوق رفضته النيابة العامة التمييزية الثلاثاء، ما ينذر بأزمة قضائية وسط ضغوط سياسية عرقلت التحقيق منذ انطلاقه.
ورغم عشرات الدعاوى التي طالبت بعزله وعلقت تحقيقاته منذ أكثر من عام، استأنف القاضي طارق بيطار الاثنين تحقيقاته في الانفجار.
وحدد الثلاثاء مواعيد لاستجواب 13 شخصا مدعى عليهم، على أن تحصل في الفترة الممتدة بين 6 فبراير و22 من الشهر ذاته، في إطار دعاوى حق عام “بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي”، من دون تفاصيل محددة حول المآخذ على كل من المدعى عليهم.
وجاء تحديد مواعيد الاستجواب غداة ادعائه على ثمانية أشخاص، بينهم النائب العام التمييزي غسان عويدات، إضافة إلى ثلاثة قضاة آخرين، في إجراء غير مسبوق في تاريخ لبنان، البلد الذي تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود وتعطل التدخلات السياسية عمل المؤسسات الدستورية والقضائية.
ورد عويدات الثلاثاء برفض كافة قرارات بيطار. ووجه كتابا إلى “المحق ق العدلي المكفوفة يده”، وفق تعبيره، اطلعت وكالة فرانس برس على محتواه، وجاء فيه “نؤكد أن يدكم مكفوفة بحكم القانون ولم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو برفض رد كم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم”.
وقال عويدات لفرانس برس “لم نتبلغ قرار بيطار باستئناف عمله سوى عبر الإعلام، وبما أنه اعتبرنا كنيابة عامة غير موجودين، فنحن نعتبره أيضا غير موجود”.
وكان مسؤول قضائي أوضح لفرانس برس أن النيابة العامة التمييزية، بتوجيهها الكتاب اليوم إلى بيطار، تكون رفضت كافة القرارات التي اتخذها، بينها استئنافه التحقيق.
وأوقع الانفجار في الرابع من غشت 2020 أكثر من 215 قتيلا  و6500 جريح. ومنذ البداية، عزت السلطات اللبنانية الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، واندلاع حريق لم ت عرف أسبابه. وتبين لاحقا  أن  مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا.
وأوضح مصدر قضائي أن عويدات أشرف العام 2019 على تحقيقات أولية أجراها جهاز أمن الدولة حول وجود ثغرات في العنبر رقم 12 حيث كانت تخز ن شحنة نيترات الأمونيوم.
ومن بين الأشخاص الثمانية الذين ادعى عليهم إلى جانب القضاة، المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم الذي تربطه علاقة جيدة بالقوى السياسية خصوصا حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا المقرب من الرئيس السابق ميشال عون.
وكان بيطار ادعى في صيف 2021 على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وطلب رفع الحصانة عن نواب آنذاك، بينهم وزيرا الأشغال السابقان يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، ووزير المالية السابق علي حسن خليل.
كما طلب الإذن لاستجواب كل  من ابراهيم وصليبا.
وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن نواب شغلوا مناصب وزارية، ما حال دون استجوابهم. وامتنعت وزارة الداخلية عن منح بيطار الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين تحت سلطتهم، وامتنعت قوى الأمن عن تنفيذ مذكرات توقيف.
ويعتزم بيطار، وفق مصدر قضائي، الاستمرار في عمله برغم رفض المحكمة التمييزية بناء على مطالعة قانونية قام بها، وأعلن على أساسها قراره استئناف التحقيقات برغم الدعاوى المرفوعة ضده، ما أثار جدلا  قانونيا وسياسيا واسعا.
وتفيد المطالعة القانونية بعدم وجود نص قانوني يتيح كف يد المحقق العدلي عن عمله، كما تمكنه من أن يد عي على جميع الأشخاص من دون طلب الإذن من أي جهة.
وفي حال رفض المدعى عليهم المثول أمامه، قد يلجأ بيطار إلى إصدار مذكرات توقيف بحقهم.
وعبرت منظمة العفو الدولية “أمنستي” عن أسفها لأن “السلطات اللبنانية عرقلت بلا خجل وبشكل ممنهج السعي لتحقيق العدالة في قضية انفجار بيروت من خلال حماية السياسيين والمسؤولين الأمنيين المتهمين بدلا من الدفاع عن حقوق الناجين وعائلات الضحايا وجميع سكان بيروت”.
وأضافت أن “الدراسة القانونية التي أجراها القاضي بيطار تقدم مدخلا  لتحقيق العدالة، ومع ذلك اختارت السلطات عمدا تجاهلها وأساءت استخدام سلطتها للتهرب من المساءلة وعرقلة التحقيق”.
ومساء الثلاثاء قطع متظاهرون عددا من الطرقات في بيروت ومناطق أخرى احتجاجا على تدهور سعر العملة الوطنية، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية.
وكان التحقيق في الانفجار علق في دجنبر 2021 جراء دعاوى رفعها تباعا مدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون، ضد  بيطار. واصطدم المحقق بتدخلات سياسية حالت دون المضي بمهمته، مع اعتراض قوى سياسية عدة أبرزها حزب الله، على عمله واتهامه بـ”تسييس” الملف، وصولا إلى المطالبة بتنحيه.
وفور استئنافه التحقيق الاثنين، طلب بيطار إخلاء سبيل خمسة موقوفين منذ الانفجار ومنعهم من السفر، بينهم عامل سوري ومسؤولان سابقان في المرفأ.
وجاء قرار بيطار استئناف تحقيقاته بعد نحو أسبوع من لقائه وفدا قضائيا فرنسيا زار لبنان بهدف الاستفسار عن معلومات طلبها القضاء الفرنسي الذي يجري تحقيقا في باريس بشأن مقتل وإصابة فرنسيين في الانفجار.
وتعليقا على استئناف التحقيق، قال المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل الاثنين لصحافيين “هذا الثوب القضائي الذي يفترض أن يكون أبيض اللون، للأسف تعرض للكثير من النقاط السوداء، أحدها ما جرى قضائيا في ملف المرفأ”.
وعنونت صحيفة “الأخبار” المحلية القريبة من حزب الله، مقالها الثلاثاء حول استئناف التحقيقات، بعنوان جاء فيه “طارق بيطار جن”.
وكتبت “يجب انتظار مفاعيل الخطوة لاحقا ، فإما أن ينفجر الملف مجددا  وإما أن تكون خطوة البيطار مجرد قنبلة دخانية”، معتبرة أن قرار الاستئناف جاء “بقوة إسناد قضائي أوروبي وأوامر أميركية”.
وجد د المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس مطالبة السلطات اللبنانية بتحقيق “سريع وشفاف”. وقال في إيجاز صحافي ليل الاثنين “ضحايا انفجار غشت 2020 يستحقون العدالة. ويتعين أن يحاسب المسؤولون” عنه.
ويؤجج تعليق التحقيق والتدخلات السياسية المتكررة غضب أهالي الضحايا ومنظمات حقوقية تطالب الأمم المتحدة بإرسال بعثة تقصي حقائق مستقلة.

أ.ف.ب

Related posts

Top