على هامش الدورة التاسعة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

نقاد سينمائيون ومخرجون يقارنون بين السينما المغربية والسينما ذات الخصوصية العالمية

جرى الاحتفال خلال الدورة الحالية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، بالذكرى الستين للسينما المغربية، على امتداد هذه السنوات تحقق تراكم كبير على مستوى الإنتاج السينمائي، وتلاحقت التطورات في ما يخص الجانب التقني وآليات الاشتغال، وتم التحصيل على مكتسبات، منها بصفة خاصة، الرفع من القيمة المالية لدعم الإنتاج من طرف الدولة ممثلة في المركز السينمائي المغربي، والكل يتفق على أنه لولا هذا الدعم، لكان عدد الأفلام السينمائية المنتجة خلال السنة أقل بكثير مما ينتج حاليا، فبعد أن كان المغرب ينتج فيلمين أو خمسة أفلام في كل سنة، صار حاليا ينتج ما يفوق عشرين شريط سينمائي طويل، تتبارى منها خمسة عشرة أفلام على جوائز المسابقة الرسمية، بما يعني أن هناك اتجاها نحو الكيف، أي القيمة الموضوعية والفنية لما ينتج، لكن بالموازاة مع ذلك وقعت مجموعة من التراجعات، مست على الخصوص البنية التحتية، فعدد القاعات السينمائية في تقلص مستمر، لا بل هناك العديد من المدن صارت تنعدم بها قاعات من هذا القبيل، وهو ما حدا بالمسؤولين على هذا القطاع إلى التفكير في حلول، ومن بين هذه الحلول المقترحة، العمل على إنشاء مركبات سينمائية، وهناك من يدعو الجماعات المحلية إلى تحمل مسؤوليتها في النهوض بهذا القطاع، من خلال بناء قاعات القرب، قاعات صغيرة، لكنها منتشرة في مختلف الأحياء، وهناك من يلفت الانتباه إلى ضرورة اقتناء القاعات المغلقة، وإعادة تأهيلها، إلى غير ذلك من الحلول.
لكن بالرغم من الطفرة التي تحققت للإنتاج السينمائي، على المستوى الكمي، فإن هذا الإنتاج لم يفرض وجوده القوي، وهذا يتجلى بالخصوص في عجزه عن التنافس على الجوائز التي تنظم بالمحافل الدولية، فعلى سبيل المثال، لم يسبق لأي شريط سينمائي مغربي أن فاز بإحدى جوائز المهرجان الدولي للسينما بمراكش، حتى لا نذهب بعيدا، أكثر من هذا أنه خلال آخر دورة من هذا المهرجان، لم يتمكن أي واحد من أفلامنا من مجرد المشاركة في مسابقات هذا المهرجان، أما في الهرجانات السينمائية العالمية من قبيل مهرجان البندقية، أو برلين، أو كان، أو غيرها من المهرجانات العالمية؛ فحدث ولا حرج، إن السينما المغربية لا يكاد يكون لها ذكر هناك، وحتى إذا ذكرت فعلى الهامش، ومن أجل الاستئناس بها فقط، إذا جاز التعبير. وعلى سبيل الدعابة، فقد سئل سينمائي كان قد اكتفى طيلة حياته بإخراج عمل سينمائي واحد، لماذا لم يواصل إخراج الأفلام، فكان جوابه أنه لا يريد أن يستنفد طاقته في إنجاز عمل ينتهي به المطاف للمشاركة في مهرجان مثل واغادوغو.
ما الذي إذن يعوق السينما المغربية عن فرض وجودها، وتقديم صورة مشرفة عن مستوى إبداعها؟ هل يرجع ذلك إلى القيمة المالية الضعيفة المرصودة لإنتاج، علما أن أعلى ميزانية يبلغها شريط سينمائي مغربي طويل، لا تتجاوز في الغالب خمسة ملايين درهم، في حين أن الأفلام العالمية تصل قيمة إنتاجها إلى الملايير.
هل السبب في عدم صمود أفلامنا السينمائية، يرجع إلى الافتقار إلى قوة تخييلية إبداعية؟
هل السبب يكمن في محدودية أداء الممثلين؟
مجموعة من التساؤلات إذن تطرح بهذا الخصوص.
وبمناسبة الدورة الحالية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة الذي ستختتم فعاليات دورته التاسعة عشرة مساء يومه السبت، كان لبيان اليوم حوار مع مجموعة من النقاد السينمائيين والمخرجين، للوقوف على الأسباب التي تعوق السينما المغربية عن تحقيق انطلاقتها الحقيقية، رغم مرور ستة عقود على إنجاز أول فليم سينمائي، وذلك من خلال عقد مقارنة بينها وبين السينما ذات الخصوصية العالمية.

الناقد السينمائي إدريس القري: الفيلم السينمائي العالمي يخضع لتراتبية القوة الاقتصادية والسياسية

السينما المغربية لم تبلغ بعد درجة العالمية، هذا سؤال في حد ذاته يحتاج إلى تفكيك وتحليل، حيث ينبغي أن نحدد أولا ماذا نقصد بمفهوم العالمية، إذا كان المقصود هو الخروج عن جغرافية الفضاء المغربي، فالسينما المغربية بهذا المعنى هي عالمية على اعتبار أنها وصلت إلى مهرجانات عالمية، وإن لم تكن تشارك في المسابقات الرسمية، فهي على الأقل تحضر في التظاهرات الموازية، كما نالت جوائز في العديد من القارات.
لكن إذا كان المقصود بالعالمية، هو التوزيع داخل الأسواق الأخرى في القارات الأربع، غير السوق المغربية، هذا إشكال آخر، لأن هناك العديد من الأفلام التي لها صيغة عالمية، بمعنى أنها نالت جوائز كبرى وذات مصداقية، لكنا لم تحظ بالتوزيع في أسواق أجنبية، كما لا يجب أن ننسى أن مسألة التوزيع تتطلب شروطا لا علاقة لها بما هو كوني، بقدر ما لها علاقة بما هو تجاري، بالقدرات التواصلية للأفلام مع ثقافات أخرى، لأننا نعرف أن تراتبية اللغات في العالم هي تراتبية تخضع للسيادة السياسية وللتفوق الاستراتجي والاقتصادي والتجاري لكل بلد، فالإنجليزية اليوم هي لغة عالمية، لأنها لغة التكنولوجيا، هي لغة التجارة العالمية، هي لغة سوق المال والاقتصاد، هي لغة التواصل العالمي الآن، فمن الطبيعي أن حظوظ السينما التي تنطق بالإنجليزية، تضاعف عدة مرات الأفلام الناطقة حتى بلغات عالمية قوية، مثل الفرنسية والإسبانية والألمانية، ولغات العرب هي الحلقة الأضعف في التوزيع عالميا، اللغة الصينية التي هي لغة صعبة جدا، قوتها وانتشارها يعود إلى نموها الديمغرافي، فإن أفلامها توزع جيدا بفضل قوتها الاقتصادية، وأيضا نظرا لجودة هذه الأفلام، إذن في هذا النطاق من الصعب الحسم في ما نريد أن نقصده بالعالمية، نقصد إما قوة السيادة عالميا على عدة مستويات: اقتصادية وسياسية وديبلوماسية وتجارية ومالية، لأنه لا ينبغي أن ننسى بأن ما هو ثقافي يتبع لما اقتصادي وسياسي، الثقافة هي رائدة للتطور والنمو داخل مجتمعاتها، أما على المستوى العالمي فهي مرآة تعكس وضع التراتبية أوالطبقية – إذا شئنا القول- الاقتصادية والسياسية عالميا.

الناقد السينمائي أحمد السيجلماسي: الصناعة السينمائية غير محققة رغم أن مقوماتها متوفرة

لا وجود للمقارنة مع وجود الفارق، الفارق بين السينما المغربية والسينما ذات الخصوصية العالمية. عندما نريد التحدث عن السينما العالمية، علينا ذكر بالخصوص عدد من المدارس السينمائية، مثل المدرسة السينمائية الفرنسية أو المدرسة الأمريكية أو المدرسة الهندية إلى آخره، وهي سينمات تنتج في إطار صناعة سينمائية، وعندما نقول صناعة، فنحن نعني مجمل المتدخلين في هذا القطاع: هناك المنتوجون، هناك سوق داخلي وسوق خارجي.. بمعنى أن المنتوج السينمائي بالنسبة لهذه البلدان التي يدخل في إطار السينما العالمية، يتم تسويقه، ويسترد الأموال التي تم صرفها على إنتاجه، ويحقق أرباحا، بمعنى أنها صناعة مربحة. في ما يخص حالة المغرب، فهو أولا ينتمي إلى القارة الأفريقية، إلى البلدان العربية، وفي العالم العربي هناك بلد واحد يتوفر على صناعة سينمائية، وهو مصر، بمعنى لديه منتوجات ولديه شركات إنتاج، وإن كان تسويق أفلامها صار يتراجع، بالنظر إلى أن العديد من البلدان العربية أصبحت تنتج أفلامها السينمائية الخاصة، لكن ليس في إطار صناعة، هي مجرد مبادرات فردية، هناك بلدان تنتج فيلمين فقط في السنة، أو أكثر من ذلك بقليل، لكن المغرب يعد حالة استثنائية، بالنظر للدعم الذي ترصده الدولة للإنتاج السينمائي، فلولا الدعم، لما استطعنا إنتاج ما يفوق عشرين فيلما طويلا، فكثير من البلدان المغربية معجبة بالتجربة المغربية على هذا المستوى، لأنه لا يمكن في إطار المنافسة على الصعيد العالمي، بين دول لها صناعة، وأخرى لا تزال لم تحقق هذه الطفرة في غياب دعم الدولة، لا يمكن الاستمرار، ذلك أن الرأسمال الخاص لا يقدر على خوض المغامرة في قطاع مردوديته التجارية غير مضمونة، نسجل مفارقة ببلادنا، وهي أن الصناعة السينمائية غير محققة لحد الآن، لكن مقوماتها متوفرة، هناك عدد من التقنيين لديهم مستوى عالمي، ويشتغلون في الإنتاجات العالمية الأجنبية التي تصور في المغرب، ويشيد بكفاءتهم مخرجون عالميون، وعلى مستوى الإخراج وأداء الممثلين، بلغنا مستوى مشرفا، ومن مقومات الصناة السينمائية المتوفرة لدينا كذلك، هناك طبيعة متنوعة في المغرب، يمكن لنا التصوير في الصحراء وفي أي فضاء نريد، لكن مع كامل الأسف ليس لدينا سياسية تنظر للقطاع السينمائي بكيفية شمولية، ذلك أنه على سبيل المثال، في مقابل دعم الإنتاج، لم يتم التفكير في تصريف هذا الإنتاج، فقطاع الاستغلال الآن يعاني، فحاليا هناك فقط ثلاثون قاعة سينمائية تشتغل، بعد أن كان العدد يناهز الثلاث مائة، عدد القاعات الحالية غير كافية لتصريف الإنتاج، وعلى مستوى التكوين كذلك، هناك حلقات مترابطة ينبغي توفرها بكاملها لتحقيق صناعة سينمائية ذات خصوصية عالمية: التوزيع، استغلال القاعات، التكوين، التربية الفنية، إلى غير ذلك، لهذا أؤكد على أن لا مجال للمقارنة بين السينما العالمية والسينما المغربية، مع وجود الفارق.

المخرج السينمائي حسن بنجلون: نحتاج إلى ميزانية أكبر لإنتاج أفلام عالمية

السينما المغربية أو السينما العالمية، هي في نهاية المطاف سينما، ما يختلف هو الديكورات والملابس وما إلى ذلك، فيمكن لنا معرفة الفيلم السينمائي المغربي من خلالا رموز البلد، كذلك الأمر بالنسبة للفيلم الأجنبي، وهنا يمكن الحديث عن الفارق الموجود في ما يخص الإمكانيات، فالأفلام العالمية ترصد لها ميزانية كبيرة لإنتاجها، في حين أن الفيلم المغربي ينتج بإمكانيات جد محدودة، وهنا يكمن الاختلاف الذي ينعكس على نوعية المنتوج السينمائي. السينما يمكن أن تبلغ العالمي أو لا تبلغها، ذلك يتوقف كذلك على مستوى الكتابة السيناريستية، وعلى مستوى حجم الإنتاج، هناك إذن عدة مستويات تحسم في نجاح أي فيلم عالميا، أما السينما المغربية، فلا ننكر أن إنتاجاتها جالت مختلف بلدان القارات، فسر تميز أي فيلم، يكمن في الكتابة، وفي الديكور والملابس، والإيقاع واللغة، هنا يكمن الاختلاف، نحن بحاجة إلى ميزانية كبير لإنتاج سينمائي حقيقي، بالإضافة إلى تمكن التقنيين من آليات اشتغالهم، ووجود إرادة سياسية لبلوغ العالمية.

المخرج والمكون السينمائي حميد باسكيط: نحن بحاجة إلى الاشتغال على الكتابة السيناريستية

هناك خصوصيات لسينما كل بلد على حدة، فلا مجال للمقارنة بين فيلم له خصوصية محلية وآخر عالمي، باعتبار أن السينما مرتبطة بقضايا وهموم اجتماعية لكل بلد، لكن أعتقد أن السينما المغربية خطت خطوات كبيرة، خلال الستة عقود من عمرها، واستطاعت أن تخلق فرجة سينمائية متقدمة ومتنوعة ومتميزة ومختلفة، ولفتت إليها انتباه الجمهور والمهتمين في عدة محافل مغربية ودولية، مع ذلك ما زلنا لم نصل إلى المبتغى الذي ننتظره لأننا نحتاج إلى الاشتغال على كتابة سيناريستية تتوفر على حبكة درامية في تناولها للمواضيع التي يمكن أن تحقق العالمية انطلاقا مما هو محلي. لكن هناك عامل هام وحاسم في تحقيق العالمية للسينما المغربية، يتمثل في حجم الميزانية للمرصودة للإنتاج، ففي الوقت الذي نجد فيه المخرجون السينامئيون العالميون ينجزون أفلاميهم بميزانية قد تصل إلى ملايير السينتيمات، لا يزال تمويل إنتاج الفيلم المغربي يقف عند حدود بضع ملايين من الدراهم، وفي هذا السياق لا بد من التذكير أن جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني كان قد أقر تخصيص ستة في المائة من عائدات الإشهار لتوظيفها لخدمة القطاع السينمائي والفني، في ذلك الإبان، لكن هذا لم يتحقق في الواقع، لهذا لا بد من الاهتمام بهذا الجانب لمضاعفة الإنتاج عن طريق الدعم الذي يقدم للسينمائيين.

مبعوث بيان اليوم الى طنجة: عبد العالي بركات

Related posts

Top