فرنسا تُراهن على القمة الأوروبية – الأفريقية المقررة منتصف الشهر الجاري

تراهن فرنسا على عقد القمة الأوروبية – الأفريقية المُقررة في بروكسل خلال منتصف فبراير الجاري لإعادة ترتيب أوراقها في القارة السمراء التي تبدو وكأنها لفظت باريس بعد أن بلغت توتراتها مع عواصم أفريقية مثل باماكو ذروتها.
ورغم الجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل إنجاح القمة بما يتيح لبلاده وقف خسائرها في أفريقيا تبدو فرص نجاح باريس في ذلك ضئيلة، خاصة في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها علاقاتها مع دول مثل مالي التي طردت في وقت سابق السفير الفرنسي لديها، في خطوة أثارت صدمةً في باريس.
وتتدخل فرنسا منذ 2013 في الساحل الأفريقي من خلال عملية برخان الرامية إلى التصدي للجهاديين المنتشرين في دول المنطقة الخمس، وتتألف قوة برخان من 3000 إلى 4500 جندي لكن مستقبل العملية والقوة الآن باتا على المحك بعد أن تصاعد الرفض الشعبي والرسمي للحضور الفرنسي هناك ودخول روسيا على الخط عبر مرتزقة فاغنر الذين بدأوا بالفعل يتسللون إلى مالي.
وحددت فرنسا مهلة لنفسها مدّتها أسبوعان لإعادة النظر في مستقبل تواجدها في مالي بالتزامن مع مواجهة مجلس عسكري معادٍ لها.
وتدهورت علاقة فرنسا مع مالي منذ تولى العسكريون السلطة خلال أغسطس 2020 في هذا البلد الغارق منذ عام 2012 في أزمة أمنية وسياسية حادة.
وتأزمت العلاقات أكثر بين البلدين في مايو 2021 إثر انقلاب ثان نفّذه الضباط أنفسهم لتعزيز قبضتهم على البلاد.
وتفاقم التوتر بشكل أكبر منذ أن تراجع المجلس العسكري بقيادة الكولونيل أسيمي غويتا عن التزامه الأولي بإجراء الانتخابات في السابع والعشرين من فبراير، في خطوة ردّت عليها في التاسع من يناير منظمة دول غرب أفريقيا بفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية صارمة على هذا البلد ودعمتها باريس.
وتشعر فرنسا وحلفاؤها الأوروبيون بالقلق من استعانة المجلس العسكري بمرتزقة شركة فاغنر الروسية المعروفة بقربها من الكرملين والمتّهمة بارتكاب انتهاكات في جمهورية أفريقيا الوسطى وبمشاركتها في حروب أخرى. لكنّ المجلس العسكري ينفي أي نيّة له في الاستعانة بخدمات فاغنر.
وقال الناطق باسم الحكومة الفرنسية غابرييل آتال إن الدول الشريكة في التجمع الأوروبي للقوات الخاصة “تاكوبا”، الذي أنشئ في 2020 بمبادرة من فرنسا للمشاركة في تحمل عبء مكافحة الجهاديين، ستعمل “حتى منتصف فبراير للتفكير في تكييف” انتشارها في مالي نظرا إلى “العزلة التدريجية” التي بدأ يشهدها هذا البلد.
وأضاف لمحطة “فرانس أنفو” غداة الإعلان عن طرد السفير الفرنسي، ردا على تصريحات من جانب مسؤولين فرنسيين اعتبرت “معادية”، أن “الوضع لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه؛ من الآن حتى منتصف فبراير (الجاري) سنعمل مع شركائنا لمعرفة ما هو التغير في تواجدنا في المكان” و”التفكير في التكيف”.
وتبدو التصريحات الفرنسية إزاء البقاء في مالي متضاربة؛ حيث شدد وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان الثلاثاء على أن بلاده ستواصل حربها على الإرهاب في منطقة الساحل بسبب ما وصفه بالتصريحات غير المسؤولة من قبل المجلس العسكري في مالي.
ودافع الوزير الفرنسي عن المشاركة العسكرية الفرنسية في مالي خلال جلسة برلمانية، حيث استنكر المشرعون طرد الحكومة الانتقالية في مالي السفير الفرنسي جويل ماير معتبرين أن ذلك “إهانة للدبلوماسية الفرنسية”.

الانسحاب من مالي خطة فاشلة

وتدعم رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي مهمة باريس المتمثلة في إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة التي تشهد تنافسا حاداً على النفوذ بين القوى العالمية، حيث تتسابق روسيا والصين والولايات المتحدة لترسيخ موطئ قدم في المستعمرات الفرنسية القديمة.
وتستضيف العاصمة البلجيكية بروكسل يومي السابع عشر والثامن عشر من الشهر الجاري القمة الأوروبية – الأفريقية التي بدأ ماكرون -الذي يواجه أصلاً تحديات خاصة قبل شهرين من انتخابات رئاسية تشهد منافسة حادة بين مرشحي اليمين المتطرف- يحشد من أجل إنجاحها بما يُمكن بلاده من ترميم علاقاتها مع القارة السمراء.
وبدا واضحا أن ماكرون يُراهن على نجاح هذه القمة بالذات لتحسين العلاقات مع أفريقيا، خاصة أن المشكلات لا تقتصر على دول الساحل، فالجزائر أيضا تشهد علاقاتها مع باريس حالة فتور بسبب تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي، وهو ما جعل متاعب باريس تتفاقم إثر غلق الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى الساحل الأفريقي.
وأجرى مؤخرا محادثة هاتفية هي الأولى من نوعها بعد أشهر من التصعيد مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، دعاه فيها إلى حضور القمة الأوروبية – الأفريقية، ما يعكس حجم الرهان الفرنسي على هذا الحدث الذي يأتي في وقت تواجه فيه باريس مزاحمة من قبل روسيا والصين في أكثر من منطقة.

Related posts

Top