في الشاطئ

شواطئ صيف هذه السنة تبدو أكثر اكتظاظا من أي وقت سابق.

  الناس حسبما يظهر، يريدون الانتقام من الفترات الأخيرة التي كانت تمتاز بحالة الطوارئ الصحية القاسية والصارمة جدا.

لم يعد هناك إحساس بوجود شيء اسمه وباء كورونا.

 الناس يتوجهون نحو الشواطئ وهم سعداء بكونهم متحررين، ليس من قيود حالة الطوارئ الصحية فحسب، بل كذلك من قيود العمل والدراسة. إنها العطلة السنوية لدى شريحة كبيرة من المواطنين.

 خلال العطلة يتم التصالح مع الذات. لن يجد المصطاف نفسه مجبرا على ارتداء لباس معين يخضع بالضرورة إلى ما هو أخلاقي وتربوي.

 سراويل قصيرة، صنادل خفيفة، حقائب وأكياس مملوءة بكل ما يحتاجونه للأكل وللترفيه على أنفسهم.

 هناك بعض المسابح يمنع فيها إدخال المأكولات، يتم تفتيش الأمتعة قبل الوصول إلى شباك التذاكر. وعلى المصطاف أن يأتي إلى المسبح شبعانا أو يضطر إلى دفع ثمن مضاعف لسد رمقه.

 لحسن الحظ، شواطئ البحر لا تخضع لهذا الأمر المتشدد.

 بعض المصطافين الذين يقصدون هذه الشواطئ، يخيل إليك أنهم أتوا لأجل غرض واحد، هو الأكل. كلما التفتت ناحيتهم، تجدهم يلتهمون أطعمة مختلفة ألوانها: خبز، لحم، بصل، طماطم، طون، مشروبات غازية، بطيخ، مشمش..

 بعضهم يصر على إبلاغ ذوقه الموسيقي الخاص لكل من يجاوره. أغاني شعبية لا نعلم في أي ظروف كتبت ولحنت. هناك غياب للجملة الموسيقية التي قد تجعلك تطرب لها وتقتنع بأن وراءها حدا أدنى من الإبداع.

 البعض لا يحلو لهم الاصطياف إلا إذا تأكدوا من أنهم استحوذوا على البحر وأمواجه وآفاقه لوحدهم، يضعون ستائر تحجب الرؤية عمن يصطاف في الصفوف الخلفية، ولسان حالهم يردد مع الشاعر:

“هذا البحر لي

هذا الهواء الرطب لي

لي.. لي.. لي”

 يندر أن تجد أحدهم يقتطع شيئا من وقته للقراءة في كتاب ورقي أو مجلة ورقية حتى..

 أغلبية المصطافين، بين أيديهم هواتف ذكية وألواح رقمية. هل يقرؤون؟ ماذا يقرؤون؟ هل يتفرجون؟ ما نوعية هذه الفرجة؟ هل هي فرجة للتسلية أم لاكتساب معارف تفيدهم في حياتهم اليومية؟

هناك من يعتقد أنه بفضل التكنولوجيا الرقمية، صار الناس يطالعون الكتب أكثر من أي وقت سابق. سيما إذا علمنا أن العديد من الإصدارات متاحة للقراءة والتحميل بكيفية مجانية.

 القراءة على هذا النحو قد تكون مؤذية لحاسة البصر أكثر، بسبب الإشعاعات الضوئية. مع ذلك، المستهلكون لا يبالون.

 على الشاطئ، بعض الباعة المتجولين يعرضون بضائعهم: أكلات خفيفة، قنينات ماء، رغم أنه ماء عادي وليس معدنيا، سجائر بالتقسيط، إسفنج، فواكه جافة… يستحيل أن تصادف بائعا متجولا يعرض كتبا للبيع.

 كانت هناك فكرة رائعة تتمثل في إقامة مكتبات على شاطئ البحر، في متناول المصطافين بكيفية مجانية، مع الأسف لم يتم التعامل مع هذه الفكرة بكيفية جادة، ولم يتم تعميمها على كافة الشواطئ، مع أن لها دورا أساسيا في التربية على القراءة.

 كما أن الحفلات الموسيقية التي من المفروض أن يكون لها إسهام في تنشيط هذه الفضاءات، نادرا ما يجري أخذها بعين الاعتبار. 

  تعد اللحظة التي يغادر فيها المصطافون أماكن اصطيافهم، سواء في شواطئ البحر أو في أي فضاء آخر؛ المرآة التي تعكس مدى وعيهم وتحضرهم: أوساخ ونفايات مدفونة تحت الرمال، أو ملقاة على سطح الأرض، رغم توفر صناديق للقمامة.

 بعض هواة التنقيب، عادة ما يأتون في ساعة متأخرة من المساء، بعد خلو هذه الأماكن من البشر، يمررون أجهزتهم الخاصة بالتنقيب، لعلهم يعثرون على شيء ثمين سقط سهوا من أحدهم. هيهات.

عبد العالي بركات

الوسوم
Top