في ذكرى ثورة الأرز.. لبنان لم يتغير، العالم هو الذي تغير

حلت أول أمس الأحد ذكرى جديدة لانتفاضة يوم 14 مارس 2005 والمعروفة أيضا بـ”ثورة الأرز” في ذروة تصاعد أزمات سياسيّة واقتصاديّة خانقة في لبنان، لتضفي عليها بعدا مختلفا سواء في ما يتعلق بالمناخ المأزوم أو بالتباينات في المواقف التي فرّقت صفوف قوى 14 آذار.
ويرى خبراء سياسيّون لبنانيّون أنّه رغم مرور 16 عاما على تلك الانتفاضة الشعبيّة التي انتهت برحيل النظام السوري، تبقى هذه الذكرى علامة فارقة في التاريخ السياسي للبلاد، لكنّ إعادة هذا المشهد السياسي في الوقت الراهن بعيدة عن قوائم الأولويّات.
وبينما لا يزال حزب الله المدعوم من إيران يتحكم في خيوط المشهد السياسي اللبناني، دخلت الطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب والطوائف المحلية في تناحر في ما بينها على الحصص في الحكومة المرتقبة منذ أكثر من ستة أشهر بعد استقالة حكومة حسان دياب.

تبدل الظروف

انتفض قرابة 1.5 مليون لبناني من بين خمسة ملايين هم تعداد سكان البلاد في 14 مارس 2005 في شوارع العاصمة بيروت تحت شعار “حريّة، سيادة، استقلال”، مطالبين برحيل النظام السوري بعد شهر من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
ونتيجة لتلك العملية، صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي حمل الرقم 1559 وطالب بخروج الجيش السوري من كامل الأراضي اللبنانية، وتم ذلك يوم 26 أبريل 2005، بعد وجود عسكري دام منذ العام 1976، أي بعد عام من اندلاع الحرب الأهليّة “1975 – 1990”.
ووفقا للمحلل السياسي رامي الريّس فإنّ انتفاضة 14 مارس هي استثنائيّة بمسار الأحداث، كما أن ظروف 2005 مختلفة تماما عن الظروف الراهنة في البلاد، مشدّدا على أن التطوّرات والتحديات تبدّلت، لكنه استبعد استنساخ تلك التجربة حاليا ولاسيما في النمط الذي كانت سائدة فيه، معتبرا أنّها “دون جدوى”.
وعن طروحات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إن كانت قادرة على إعادة إحياء هذه الانتفاضة، يقول الريس “مع التقدير للصرخة التي أطلقها حرصا على البلاد، إلا أنّ مسألة الحياد التي قدّمها تتطلّب نقاشا لأنّها تستوجب صيغة داخليّة لكي تنجح”.
والمناخ السياسي الداخلي في لبنان غير ملائم لتطبيق طرح الراعي بسبب الاعتراض الشديد لدى بعض القوى الداخليّة، ولكن هذا لا يعني أن يكون لبنان ساحة لتصفية الصراعات الإقليميّة لأنّ ذلك ألحق بالبلاد أضرارا كبيرة.
وأطلق الراعي بعد حادثة مرفأ بيروت في أغسطس الماضي وثيقة بعنوان “لبنان الحياد”، تؤكّد على ضرورة “تعزيز مفهوم الدولة اللبنانية من خلال جيش قوي ومؤسّسات قادرة على تحقيق الاستقرار الداخلي والدفاع عن الأرض ضدّ أي اعتداء سواء من إسرائيل أو غيرها”.
يعتبر حزب الله الحليف لكلّ من إيران والنظام السوري، ويقاتل بجانب قوات نظام بشار الأسد في الحرب الدائرة منذ 2011 في سوريا، من أكثر القوى السياسية التي تواجه انتقادات من طرف اللبنانيين ويحمّلونه تدهور العلاقات مع المحيط العربي.
وحتى الآن لم تتمكن القوى السياسية وخاصة قوى 14 آذار من كبح سطوة حزب الله بسبب ضعفها. ويقول الريس إن الظروف والآراء تباينت حيال المقاربة، علما أنّ تحالف 8 آذار أيضا حاليا غير موجود والذي كان قائما في ذلك الوقت.
وتنقسم القوى السياسية في لبنان بين تيارين أساسيّين، هما 14 مارس و8 مارس حليف النظام السوري وتعود التسمية إلى تاريخ الحدث المؤسّس لكل تيار.
ويضم 14 آذار تيّار المستقبل يتزعمه سعد الحريري رئيس الوزراء المكلف وحزب القوات اللبنانيّة الذي يتزعمه سمير جعجع والحزب الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط، وعُرف هذا الفريق بمعارضته للنظام السوري وتأسس عقب المظاهرات التي طالبت برحيل القوات السورية من لبنان في 2005.
أمّا قوى 8 مارس فتضمّ كلا من جماعة حزب الله التي يقودها حسن نصرالله والتيار الوطني الحرّ وتزعمه سابقا رئيس الجمهوريّة ميشال عون، وعرف هذا الفريق بعلاقته الوطيدة مع سوريا وتأسس في 2005 عقب خروج مظاهرات في ذاك اليوم لشكر سوريا على تواجدها بلبنان.

تجميع القوى وتفعيل الحاضنة

يعتبر الكاتب والمحلّل السياسي جورج العاقوري أن كل حدث يجب وضعه في إطاره الزمني والمكاني والمناخ العام، أما 14 آذار فحدث مفصلي أتى نتيجة حصيلة تراكم نضال سيادي.
وعن إمكانيّة إعادة إحياء 14 مارس وسط الظروف الراهنة، شرح العاقوري للأناضول يقول إن روحيّة هذه الانتفاضة ضروريّة لأنّها تعكس التمسّك بسيادة لبنان والعبور إلى الدولة، والمشهديّة التي حصلت في تلك الفترة ليس بالضرورة أن تأخذ نفس الإطار، لكنّ تجميع القوى السياسيّة مطلوب اليوم.
ولفت العاقوري إلى ضرورة تجديد 14 مارس القائمة على المشروع السيادي واستعادة الدولة المخطوفة من دويلة السلاح، موضحا “أنّه لا يمكن أن يتم حاليا تغييب انتفاضة 17 أكتوبر 2019 عن المشهديّة السياسيّة”، والتي أجبرت رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري على الاستقالة قبل أن يعاد تكليفه.
واجتاح اللبنانيون في ذلك الوقت شوارع المدن محملين الطبقة السياسيّة الحاكمة مسؤوليّة تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، ولكن منذ ذلك الحين تفاقمت الأوضاع إلى الأسوأ وتمرّ البلاد بإحدى أسوأ مراحلها الاقتصاديّة على الإطلاق، ما بين هبوط قيمة العملة المحلية مقابل الدولار إلى 12 ألف ليرة في السوق الموازية، مقابل 1510 ليرة في السوق الرسميّة.
ورغم كل هذه الظروف، هناك قناعة لدى بعض المتابعين بأن مشروع 14 آذار لا يمكن إلّا أن يبقى موجودا، لأنّه لا قيام لأيّ دولة من دون مقوّماته التي تطالب بالسيادة، ولذلك لا بد من إعادة تفعيله.
ويقول العاقوري إن لبنان بحاجة إلى إعادة تجميع قوى وتفعيل الحاضنة الشعبيّة، وإذا كانت قوى 14 مارس غير قادرة على التلاقي في أمور عدّة، يجب العمل على قواسم مشتركة بين بعضها البعض.
ومن الواضح أنه لا حل مستداما للمشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تخيّم على البلاد من دون الباب السياسي الذي يعدّ مدخلا للحل، مؤكّدا أنّ “فشل مشروع بناء الدولة خارج منظومة المحسوبيّة والفساد أدّى إلى ما وصلنا إليه اليوم”.

الحاجة إلى التحفيز

يرى المنسّق العام السابق لقوى 14 مارس فارس سعيد أن هذا التجمع استنفد شكليا مهمّته ولكنّ مضمون هذا الحدث هو دائم. وفسر قائلا إن “هذه القوى ارتكزت على وحدة اللبنانيّين من أجل إخراج الجيش السوري، ولكن بعد ذلك عاد الشعب اللبناني إلى مربّعاته الطائفيّة وهذا الأمر أدّى إلى دخول احتلال جديد وهو الاحتلال الإيراني”.
وأشار في حديثه مع الأناضول إلى أنه من أجل دحر هذا الاحتلال يجب توحيد الصف كما تكوّنت الوحدة الداخليّة عام 2005 لإخراج الجيش السوري. وإذا حصل إجماع وطني حول مبادرة البطريرك لتتحوّل هذه الساحة إلى ساحة وطنيّة يشارك فيها الجميع وبالتالي هي روح 14 مارس تتكرر عند كلّ استحقاق وطني جديد.
وأكد أن حزب الله يتمتّع بالنفوذ على المستويات كافّة وهناك مبادرة البطريريك، والجمهوريّة اللبنانيّة غير موجودة، رئيس الجمهوريّة ضعيف أمّا الرئيس المكلّف سعد الحريري فهو غير قادر على القيام بمهامه أمّا رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب فهو غير قادر على تسيير شؤون البلاد.

Related posts

Top