في لقاء حزب التقدم والاشتراكية حول موضوع “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنموذج تنموي جديد”

قال عبد الغني بوعياد، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، “إن الحديث عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أصبح من بين المواضيع المثارة بشكل كبير في الوقت الراهن، نظرا لأهميته في المجتمع المغربي، وانعكاساته على مدخول المواطنين في المجالين؛ الحضري والقروي”.
وأكد عبد الغني بوعياد في مداخلته: “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؛ ما هي الفرص المتاحة للاقتصاد المغربي ؟”، أول أمس السبت، خلال حديثه في اللقاء المنظم بمدينة مكناس، في إطار منتديات النقاش الموضوعاتي “أي نموذج تنموي للمغرب ؟”، الذي أطلقه حزب التقدم والاشتراكية، (أكد) على ضرورة إيجاد حلول لبعض الاختلالات التي يعرفها الاقتصاد الاجتماعي التضامني بالمغرب، بالرغم من نجاحه في خلق فرص شغل تبقى غير كافية بالمقارنة مع الأرقام الكبيرة بخصوص البطالة.
ودعا بوعياد، في اللقاء الذي ناقش موضوع: “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنموذج تنموي جديد”، والذي أدارته نادية التهامي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ونائبة رئيس مجلس جهة الرباط سلا القنيطرة، إلى ضرورة إيجاد حلول جديدة خاصة بالاقتصاد الاجتماعي التضامني، من أجل إحداث أكبر عدد ممكن من فرص الشغل لفائدة الشباب العاطل عن العمل.
ونبه عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، إلى الوضع الهش الذي تعاني منه بعض العائلات المغربية، والتي توجد في حاجة إلى مدخول قار لمحاربة الفقر والإقصاء والتهميش الذي تعيش فيه، نتيجة ضعف وفعالية الاقتصاد الوطني الحالي.
ويراهن المتحدث على الاقتصاد الاجتماعي التضامني، الذي من شأنه أن ينهض بأوضاع الأسر المغربية في المدينة والقرية، مشددا على وجوب تتبع ومواكبة الجمعيات والتعاونيات التي تنشط في هذا المجال، من أجل تكريس ذلك، في المجتمع، وجعله ركيزة أساسية في الجهات المغربية، وعلى المستوى الوطني ككل، لاسيما وأن هذا الاقتصاد له مؤهلات ومرتكزات تجعله قادرا على إحداث مناصب شغل كافية في حال تم بذل جهد في هذا المضمار.
وبسط عبد الغني بوعياد في عرضه، أهم التحديات التي يعرفها الاقتصاد الاجتماعي التضامني، والمشاكل التي تعتري الجمعيات والتعاونيات، من أبرزها، عدم وجود فضاءات عرض المنتجات على المستوى المحلي، والجهوي، والوطني، بل والدولي، حيث يتم الاقتصار على بعض المعارض الموسمية التي لا تستثمر بشكل جيد، ولا تسمح باستمرار عرض منتجات المنخرطين في هذه الجمعيات..
وانتقل بوعياد للحديث عن دور الدولة والشركات في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، محملا إياهما وزر الواقع المعيشي للأسر المغربية، التي تسعى إلى تحسين أوضاعها الاجتماعية، من خلال مدخول شهري قار، يضمن كرامتها، محيلا في هذا الصدد على أرقام مناصب الشغل المحدثة بين سنتين 2014 و2016، حيث تم الانتقال من 116.000 منصب، إلى 130.000 منصب، منتقدا هذا الرقم بالرغم من تطوره بين سنتين، حيث الحاجة إلى بذل المزيد من المجهودات في هذا الشأن.
وختم المتحدث مداخلته بالإشارة إلى أن النموذج التنموي الحالي، سجل أرقاما إيجابية، ولكن رغم ذلك، هناك بعض النواقص لا زالت تعتريه، لهذا يؤكد المتحدث على ضرورة تقوية هذا الاقتصاد، وإيجاد أسس أخرى من أجل اقتصاد فعال ومندمج.
من جهته، قال حجيب القاسمي، الأستاذ بالمدرسة الوطنية للزراعة بمكناس، “إن العالم القروي محتاج بشدة إلى الاقتصاد الاجتماعي التضامني”، معززا كلامه بالخطب الملكية التي تتحدث عن الموضوع، لاسيما وأنه منذ سنة 1958 ظهر القانون الخاص بالتعاونيات، حيث وعت الدولة بالدور المركزي للمجتمع المدني في إيجاد اقتصادات محلية، موازية للاقتصاد الوطني.
وأكد حجيب القاسمي، في مداخلته المعنونة بـ: “تنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالجماعات الترابية لعمالة مكناس: الرؤية الإستراتيجية”، على ضرورة إيجاد تصورات جديدة لبناء نموذج اقتصادي تنموي حديث قادر على مواكبة العولمة، ومتماشيا مع اقتصاد السوق، وذلك، بالاستناد إلى وضع أهداف واضحة بخصوص أهداف التنمية المستدامة، التي جاءت بها أجندة الأمم المتحدة 2030، تحت شعار: “لا نترك أحدا في الخلف”.
وتساءل القاسمي، عن ما هي الاستراتيجيات والبدائل المقترحة للتماشي مع أجندة الأمم المتحدة ؟ وكيف سيتم تكييف السياسات العمومية مع النموذج الاقتصادي المغربي ؟ وكيف سيتم تفعيل التنمية المستدامة في المستقبل ؟ وما هو دور الأحزاب السياسية في هذا الإطار ؟…
وكشف الأستاذ بالمدرسة الوطنية للزراعة بمكناس، أن الاقتصاد الاجتماعي التضامني، مناقض في أسسه لاقتصاد الشركات الذي يقوم على رأس المال؛ “الشكارة”، حيث يتسم الاقتصاد التضامني بالتعاون، والتضامن، والاتحاد، والتكتل، والاشتراكية في التسيير، والتدبير واتخاذ القرارات..
وأبرز المتحدث، في مداخلته، المشاكل التي تعتري تطبيق الاقتصاد التضامني والاجتماعي على أرض الواقع، لاسيما على المستوى الجهوي، والإقليمي، “حيث غياب الفاعلية، وعدم وجود تصورات واضحة للعمل الجماعي، من بينها؛ ضعف التواصل بين الحكومة والجمعيات، بل وغياب أطر متخصصة من المجتمع المدني في الميدان !”.
واستحضر حجيب القاسمي الإكراهات التي تواجه هذا النموذج الاقتصادي، أبرزها، الإكراه القانوني، ثم ضرورة تحديد المؤسسات المهتمة بموضوع التعاونيات والتعاضديات والعمل الاقتصادي الاجتماعي التضامني ككل، علاوة على مصير رأس مال التعاونية في حال حلها بعد 20 سنة.. مشددا على ضرورة وضع خدمات اجتماعية مناسبة في وجه المواطنين، ثم توفير التكوين والتأطير لفائدة الجمعيات، والاجتهاد في إخراج قانون ونصوص واضحة بخصوص هذا الشأن.
ودعا القاسمي، إلى العمل على تشخيص واقع سلسلة القيم الخاصة بالاقتصاد الاجتماعي التضامني، من خلال تقييم هذا الاقتصاد منذ إعطاء الضوء الأخضر له إلى اليوم، في إطار من الشفافية والوضوح، ومن أجل وضع الجمعيات النشيطات في هذا الاتجاه على السكة الصحيحة، وتماشيا كذلك، مع النموذج الاقتصادي الوطني.
ولم يتوقف الأستاذ بالمدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس، عند هذا الحد، بل طالب بإحداث غرفة خاصة بالاقتصاد الاجتماعي التضامني، كباقي الغرف الأخرى، كالغرفة الفلاحية، والصناعة التقليدية.. علاوة على وضع مراصد جهوية مستقلة خاصة بالتتبع والتقييم.. مشيرا إلى أن الموعد قد حان للاعتراف بالاقتصاد الاجتماعي التضامني، والإقرار بدوره الريادي في النهوض بالأوضاع الاجتماعية للمواطنين.
وسجل المتحدث في الأخير، إلى أنه لا يمكن تحقيق كل هذه النقط دون تفاعل من طرف المجتمع المدني وجمعياته، وكذا أحزابه السياسية، بما فيها حزب التقدم والاشتراكية، المطالب وفقه، بالترافع من أجل إخراج القانون الخاص بهذا الاقتصاد إلى حيز الوجود.
من جانبه، ركز منير الغزوي، نائب رئيس الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في بداية مداخلته على الخطب الملكية التي تعالج الجانب الاقتصادي والاجتماعي، والتي ركزها في نقط مختصرة: “التنمية المتوازنة والمنصفة، والكرامة للجميع، والدخل وفرص الشغل خاصة للشباب، والإبداع وابتكار طرق جديدة للتسيير، والمفهوم الشمولي للتنمية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والحاجيات الحقيقية للمواطنين، وضخ دينامية جديدة في السياسات العمومية”.
وانتقل منير بنعزوز، في كلمته المعنونة بـ”الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مدخل أساس لصياغة نموذج تنموي جديد”، إلى تعريف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي اعتبره اقتصاد مكمل للاقتصاد العمومي والخاص، ويمنح مجموعة من البدائل للقيام بتنمية منصفة وعادلة، علاوة على إحداثه لتوازن بين النجاح الاقتصادي والإنصاف والعدالة الاجتماعية، واحترام البيئة، واحترام حقوق الإنسان، وتطلعاته نحو حياة كريمة.
وأشار بنعزوز إلى أهداف هذا الاقتصاد التضامني الذي يرمي إلى تعزيز مشاركة المجتمع المدني، وإنعاش التفكير في البدائل الاقتصادية، وتعزيز خلق توازن جيد حول الاستثمار، ثم تذليل الفوارق الاجتماعية والمجالية، إلى جانب خلق دينامية وطنية للتضامن وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وأبرز المتحدث أن الاقتصاد التضامني والاجتماعي، يقوم على ثلاثة مرتكزات، أولاها الشفافية، ثم المحاسبة، وثالثا؛ الالتزام، مشيرا إلى أن هذا التسيير يجب أن يعتمد على الشمولية في السياسات العمومية، والتوازن بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي.
ونبه المتدخل إلى الوضعية الآنية التي عليها هذا الاقتصاد، الذي يعاني بحسبه، من نقص في مجال توحيد الرؤية والقوانين المدبرة لهذا النوع من الاقتصاد، إلى جانب غياب مناهج وبدائل الاقتصاد الاجتماعي في السياسات العمومية الأساسية والدائمة، وتركيز البرامج على التعاونيات وغياب الحلول الأخرى التي يوفرها هذا الاقتصاد، ناهيك عن صناديق التمويل الضعيفة بالمقارنة مع الدول الرائدة في هذا المجال، فضلا عن وجود ضعف في قيام الجهات والوزارة المعنية بمهامها في تنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
ودعا منير الغزوي في معرض حديثه، إلى ضرورة تجنب مجموعة من أخطاء الماضي، من قبيل؛ عدم تسييس هذا القطاع في خدمة المصالح الحزبية الضيقة والجماعات المتطرفة، ثم توظيفه في برامج التعاون الوطني والدولي للاسترزاق والاتكال على الغير…
وانتقد الغزوي التأخر في إخراج قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مسجلا التحديات التي ستواجه تنزيله بعد إخراجه إلى أرض الواقع، متسائلا عن من الذي يضمن التنزيل الصحيح لمراسيم تطبيقه ؟، وكيف سيتم تحديد مفهوم المقاولة ذات الغاية الاجتماعية ؟، وكيف سيتم تحديد مفهوم الجمعيات ذات منفعة اقتصادية واجتماعية ؟..
وفي سياق متصل، وقف المتحدث عن بعض التراجعات المسجلة في قانون التعاونيات، كتغييب التحفيزات، الخاصة بالإعفاء الضريبي، محيلا في هذا الصدد على القانون 112-12 في المادة 107 منه، والذي يلغي جميع الامتيازات الواردة فيه، بما في ذلك أيضا، الفصلين 87 و88 المتعلقين بالإعفاءات الضريبية، مشددا كذلك، على غياب تقوية القدرات، والتكوين والمرافقة، ودعم التسويق، والتمويل بالنسبة للجمعيات الناشطة في هذا المجال.
وأثارت نقطة تحويل التعاونية إلى شركة حنق المشارك في النقاش، الذي تحدث بإسهاب عن المادة 80 التي جاء فيها “يمكن للتعاونية أن تتحول إلى شركة كيفما كان شكلها القانوني”، مشيرا إلى أن القانون سهل مسطرة التحويل إلى أقصى حد، “بحيث لم يربط لا بموافقة الوزارة ولا حتى مكتب تنمية التعاون، يكفي الإخبار من بعد أسبوع على الأكثر بقرار الجمعية العامة غير العادية التي اختارت التحويل، كما أن الأعضاء غير الموافقين على التحويل ليس لهم إلا حق الانسحاب والمطالبة بالتعويض المادي”، يقول المتحدث باستغراب.
وعرج نائب رئيس الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، على بعض المراجعات المسجلة على مستوى مشروع مدونة التعاضد، من أبرزها “ضرب التسيير الديمقراطي للتعاضديات، ومنع التعاضديات من تدبير الوحدات صحية..”.
وحث منير الغزوي في الأخير، على وجوب “التعامل بجدية مع موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وذلك بالعمل على تبني كل جهة نموذجها الخاص بها، وكل هذا من أجل تقوية النموذج الاقتصادي الوطني”.
وشهد النقاش في الأخير، تفاعل الحاضرين مع المشاركين في اللقاء، من بينهم فاطمة الزهراء برصات، عن المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، التي أشارت في تفاعلها، إلى أن المجموعة النيابية لحزب الكتاب، ستأخذ هذه المداخلات بعين الاعتبار، وستتفاعل معها بإيجاب، أثناء اللقاءات التي تتم بقبة البرلمان، سواء اللجن، أو الجلسات الشفوية العلنية..
وقالت فاطمة الزهراء برصات، “إن الاقتصاد الاجتماعي التضامني يعاني من رؤية شمولية، وفي حاجة إلى معالجة جملة من الإشكاليات التي تواجهه، بالرغم من الأرقام التي يتم ترويجها بشكل إيجابي”.
وأكدت برصات، أن الجميع مسؤول عن تنزيل إستراتيجية الاقتصاد الاجتماعي التضامني، وذلك، بمشاركة جميع الفاعلين، من أجل ضمان تنزيل فعال، وكذا الاستدامة لهذا الورش الذي في حاجة إلى إنجاحه وتكييفه مع الجهوية المتقدمة التي اختارها المغرب لترابه الوطني، بصرف النظر عن الإشكالات القانونية التي سيحاول حزب المعقول التفاعل معها، من داخل البرلمان.
جدير بالإشارة، أن نادية التهامي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ونائبة رئيس مجلس جهة الرباط سلا القنيطرة، كانت قد أشارت في تقديمها، إلى أن اللقاء يندرج ضمن سلسلة النقاش الموضوعاتي المنطلق بمجموعة من المناطق المغربية، والهادف إلى خلق وتعميق النقاش، الذي كان قد دعا إليه جلالة الملك محمد السادس في خطابيه، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، أكتوبر 2017، و2018.
وسجلت نادية التهامي، أن حزب الكتاب، أطلق هذا النقاش العمومي، منذ مؤتمره الوطني الأخير، في تفاعل مع نداء جلالة الملك محمد السادس، الذي يستعد لتلقي جميع مقترحات الأحزاب السياسية المغربية، بما فيها لحزب المعقول، الذي يراهن على جودة مداخلات الخبراء، والباحثين الأكاديميين، والمناضلين والمناضلات..
وأكدت التهامي، أن لقاء مكناس يأتي بعد مجموعة من اللقاءات التي نظمت بمراكش، وأكادير، والقنيطرة، والرباط، والدار البيضاء، مشيرة إلى أهمية العمل في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بمختلف التراب الوطني، بما فيه إقليم مكناس، الذي يضم حوالي 1850 تعاونية وجمعية مهتمة بالفلاحة، والصناعة التقليدية، والسكن.. مشكلة نسبة 11.7 في المائة من عدد الجمعيات المتواجدة بالمغرب.

> مبعوث بيان اليوم إلى مكناس يوسف الخيدر

Related posts

Top