“كأني ذاهب إلى حرب” جديد الشاعر جمال أزراغيد

أقام “بيت الشعر في المغرب” حفلا شعريا وفنيا يوم الأربعاء 6 مارس الجاري بالمقهى الثقافي التابع لسينما النهضة بالرباط. خصصه لتقديم المنشورات الجديدة التي حظيت بالدعم برسم سنة 2023 ضمن برنامج دعم النشر والكتاب الذي ترعاه وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة)، استهلت فقرته الأولى بكلمة ألقاها الباحث خالد بلقاسم الكاتب العام للمؤسسة حيث قدم العدد 43 من مجلة “البيت” والكتابين الجماعيين: “محمود درويش قصيدة لا تنتهي” و”الشعر والتاريخ”. أما الفقرة الثانية التي أدارها الباحث حسن مخافي، عضو الهيئة التنفيذية لبيت الشعر، فقد خصصت لتقديم الدواوين الشعرية العشرة متعددة التجارب والحساسيات، والتعريف بأصحابها. ومن بينها ديوان “كأني ذاهب إلى حرب” للشاعر المغربي جمال أزراغيد، الذي حضر أشغال هذا اليوم رفقة عدد مهم من الشعراء والنقاد والمهتمين بالشأن الثقافي.. ومما ميز هذا اللقاء التواشج بين القراءات الشعرية والمقاطع الموسيقية بطريقة جمالية.
يقع ديوان “كأني ذاهب إلى حرب” للشاعر المغربي جمال أزراغيد في 96 صفحة من الحجم المتوسط، ويتضمن ست عشرة قصيدة متعددة التيمات والمناخات الشعرية، والتي جاءت على الشكل التالي: “مرايا يلفها سكون الكون”، “حين يتجرعني صوت الكون”، “ارتباك في فلوات الروح”، “صور بلكنة المجاز”، “نجوم تغزل وحدتي”، “زمن يتغبش خلف الباب”، “لا شيء لي”، “خيوط سُلت من نار”، “نتوءات على خاصرة الشروق”، “قصائد طارئة”، “حياة في خُصلة شعر”، “موسيقى الوجود”، “وشوشات عند باب القلق”، “جلجلة السكون”، “شارع يخنقه الفراغ”، “حناجر تتفقد روحها”.
يأتي هذا الديوان الذي وضع صورة غلافه الفنان الفوتوغرافي عادل أزماط، خامسا ضمن الريبيرتوار الشعري للشاعر، بعد دواوينه الأربعة: “أسماء بحجم الرؤى” (1998)، و”غنج المجاز” (2011)، ثم “حوريات بقدَمِ الكون” (2018)، و”سمائي خفيفة… أيها البياض” (2023).
وقد جاء ظهر غلاف الديوان مطرزا بمقطع شعري مقتطف من نص “حين يتجرعني صوت الكون”:

ليس مهمتي أن أعمّر بيت الزوجية
أو أكتشف شعيرات ذقني،
كل صباح، في المرآة
كل ما أتمناه
أن أعد أنفاسي التائهة
بين أشجار الغابة
حتى أستعيد بهاء القصيدة إلى مملكتي.

ويظل الهاجس الشعري عند الشاعر جمال أزراغيد هو البحث عن المجازات الجديدة والاستعارات المبتكرة، ولعل العنوان خير دليل، حيث جاء عبارة عن جملة مبنية على أسلوب التشبيه، مقتطف من قصيدة “ارتباك في فلوات الروح”، يقول:

أنا التائه
في ممرات الليل العنيد
أجر جسدي
كأني ذاهب إلى حرب

إن السياق الدلالي لهذه العبارة الشعرية يفتح التلقي على تأويلات عميقة، حيث تختلط خيوط طرفي التشبيه، وتظهر الذات الشاعرة متربعة على عرش المعنى، فإذا اعتبرنا أن المشبه هو الذات التي تجر جسدها تعبا وأرقا، فإن المشبه به هو الذاهب إلى الحرب، ويبقى السؤال المطروح هو: أي علاقة بين الصورتين؟ مادامت وضعية المشبه تحيل إلى التماطل والتعب، وأن صورة المشبه به تدل على الحركية والجهد والحماسة، وتبقى الذات هي محور القصائد ومركزها، باحثة عن جوهرها في وحدتها وعزلتها، رفقة غاوية تسعفه تارة في القول وتضن عليه تارة أخرى، يقول في قصيدة “قصائد طارئة”:

الكلمات
التي
تترجل خارج القصيدة
احذر لقياها
قد تقودك نحو اللامعنى.
يرسم جمال أزراغيد صور قصائده الشعرية بالألوان الفنية، حيث اتسمت بعض المقاطع بشدة التركيز اللفظي والتكثيف الدلالي، كقوله في المقطع الأول من قصيدة “وشوشات عند باب القلق”:

كلما حدقت في عينيك الكحيلتين
أدركت أني جميل.

وقد استمر الشاعر في الارتكاز على البناء المقطعي المرقم تارة كما في نص “صور بلكنة المجاز” والمعنون تارة أخرى، كما في نص “حياة في خصلة شعر”.
فهنيئا لبيت الشعر في المغرب وهنيئا للشاعر بهذا الإصدار الجديد الذي يساهم في تعزيز الريبيرتوار الإبداعي له وللخزانة المغربية.

Top