كورونا تصيب السياحة المغربية بالسكتة القلبية

وضع صندوق النقد العربي المغرب ضمن البلدان العربية الأولى المتضررة من تداعيات فيروس كورونا على القطاع السياحي بسبب توقف هذا النشاط منذ مارس الماضي، وذلك إلى جانب دولة السعودية والإمارات ومصر وتونس وفلسطين والأردن والكويت.
ويتوقع الصندوق في تقريره له حول: “أثر قطاع السياحة على النمو الاقتصادي في الدول العربية” أن تمتد فترة تعافي قطاع السياحة والسفر وعودته إلى المستويات المسجلة قبل الأزمة لفترة تتراوح ما بين ثلاث إلى ست سنوات، وهو أيضا ما تؤكده تقديرات المنظمة العربية للسياحة والاتحاد العربي للنقل الجوي.
وكشف التقرير الصادر بداية أكتوبر الجاري، أن توقع طول فترة التعافي يعتمد على عدد من العوامل من أهمها سرعة تعافي الاقتصاد العالمي، ومدى التنسيق ما بين دول العالم فيما يتعلق بتبني إجراءات صحية متناغمة، والفترة المتوقعة للوصول إلى لقاح للحماية من الفيروس، ومستويات عودة ثقة المسافرين.
وأفادت الدراسة أنه من المتوقع وفق فرضية “التعافي السريع” عودة نشاط قطاع السياحة والسفر في الدول العربية إلى المستويات المسجلة في عام 2019 خلال عام 2023، فيما يتوقع وفق فرضيتي “التعافي الوسطي”، و”التعافي البطيء” امتداد الفترة اللازمة لتعافي القطاع إلى ما بين 2024 و2026.
وكشف صندوق النقد العربي أن المغرب من بين الدول العربية التي تبنت مجموعة من الإجراءات التي ستساهم في تشجيع السياحية الداخلية والخارجية بالبلاد، فعلى المستوى المحلي عمل المغرب على وضع مجموعة من التدابير بغية رفع نسبة مساهمة السياح الداخليين في ليالي المبيت بتوفير عروض ومنتجات سياحية ملائمة للعادات والتقاليد وشرائح فئات الدخل المختلفة وأنماط الاستهلاك.
ومن بين هذه التدابير وقف الصندوق عند برنامج “بلادي” الذي يهدف إلى خلق مجموعة من المحطات السياحية المتجانسة من حيث المنتجات السياحية التي تستجيب لتطلعات السياح المحليين وتوجد بالمناطق الأكثر ترددا من قبلهم.
وعلى مستوى السياحة الخارجية أشار التقرير المعنون بـ: “أثر قطاع السياحة على النمو الاقتصادي في الدول العربية” إلى أن المغرب يعمل على تكثيف عمليات الترويج والتسويق لتحسين السياحة، خاصة من خلال الترويج السياحي باستخدام المنصات الرقمية، وتطوير تنافسية الخدمات الجوية عبر تعزيز التعاون في مجال الطيران المدني مع البلدان المصدرة للسائحين، إلى جانب عقد شراكات استراتيجية مع شركات الطيران لتعزيز الربط الجوي الداخلي والخارجي.
وذكرت الدراسة أن المسؤولين المغاربة اتخذوا حزمة من الإجراءات والسياسات لتهيئة البنية الأساسية للمشروعات السياحية خلال السنوات الأخيرة، حيث تم إيلاء اهتمام خاص بتحسين مناخ الأعمال، وهو ما مكن المغرب من تحسين مرتبته العالمية في مؤشر بيئة الأعمال ليحتل بذلك المرتبة 53 عام 2020.
ومن بين هذه المبادرات، وقف المصدر عند وضع المغرب آليات لتسهيل التمويل البنكي عن طريق القروض لتمويل المشاريع السياحية، علاوة على التحفيزات الضريبية تشمل الإعفاء الكلي من الضريبة على القيمة المضافة على الممتلكات التجهيزية المقتنية بالمغرب أو بالخارج لمدة 36 شهرا، ثم الإعفاء من الضريبة على الشركات خلال السنوات الخمس الأولى من الاستغلال، وتخفيض نسبة الضريبة على الشركات إلى 17.5 في المائة من قيمة المعاملات بالعملة الأجنبية بعد مضي خمس سنوات من بداية الاستغلال، وتخفيض نسبة الضريبة على القيمة المضافة إلى 10 في المائة على عائدات الإيواء بالفنادق.
ويفرض طول فترة التعافي المتوقع لقطاع السياحة بحسب التقرير بعض الانعكاسات على صعيد السياسات بالنسبة لصناع القرار، ومن ثم يدعو إلى أن تتمحور التدخلات الحكومية حول صياغة خطط عاجلة لدعم تعافي المنشآت العاملة في القطاع وتمكينها من تجاوز آثار الأزمة ومعاودة النشاط والمحافظة على فرص الشغل.
ومن ضمن الخطط التي اقترحها الصندوق، أولا؛ تقييم الأثر الكمي لأزمة فيروس كورونا على قطاع السياحة كنقطة انطلاق من شأنها مساعدة الحكومة على بلورة تدخلات موجهة بالأساس إلى الأنشطة والشركات الأكثر حاجة للدعم.
إلى جانب دعم الأجور والنفقات التشغيلية، حيث تعتبر صعوبات الوفاء بالأجور وغيرها من النفقات التشغيلية الأخرى أهم تحدي يواجه المنشآت السياحية، علاوة على تشجيع نفاذ القطاع إلى التمويل الميسر وتبني برامج لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي تمثل 80 في المائة من منشآت القطاع.
وشدد على الحاجة إلى تبني تدابير صحية لإعادة تشغيل المنشآت السياحية، فمع اتجاه الحكومة تدريجيا إلى التخفيف الكلي أو الجزئي لحالات الإغلاق للأنشطة الاقتصادية، أصبح من الضروري التوجه إلى عودة النشاط التدريجي الآمن لقطاع السياحة وفقا لترتيبات صحية ووقائية مناسبة.

تحديات وحلول

وأشارت الدراسة إلى أن قطاع السياحة العربي تواجهه تحديات جمة في حاجة إلى التغلب عليها، من خلال إقامة البنية التحتية المناسبة في مواقع الجذب السياحي، وزيادة الطاقة الاستيعابية في الإيواء، منبها إلى أن البنيات التحتية الحالية لكثير من الدول ليست مهيئة لاستقبال الزيادة المتوقعة في عدد السائحين من الأسواق الجديدة.
ودعا صندوق النقد العربي إلى نشر الثقافة السياحية في المجتمع العربي والترويج والتسويق لجذب السياح، والعمل على تخفيض ثمن الرسوم وتعدد الجبايات وازدواجيتها في بعض الدول العربية.
وحث الصندوق على توفير الموارد البشرية المؤهلة والمكونة للعمل في مجال الخدمات السياحية، ثم ضرورة تمكينها من التكوينات المستمرة لضمان مستوى جيد في الخدمة المقدمة للسياح.
وسجل ارتفاع مستوى أسعار النقل الجوي وهو ما يستدعي تخفيضه في وجه السياح الأجانب والعرب، فضلا عن ضعف مستوى الترويج السياحي في الخارج للدول المعنية من خلال مواكبة التطور الحاصل في متطلبات وسلوك السائحين.
ونبهت الورقة التحليلية لوضع السياحة في العالم العربي التي تهم المغرب أيضا، (نبهت) إلى أهمية التركيز على جذب السائحين من بعض الأسواق الجديدة الواعدة، خاصة منها الدول الأوروبية والبرازيل وروسيا والهند والصين، مبينة أن تزايد عدد السائحين من هذه المناطق يشكل فرصة لزيادة العائدات من السياحة للدول العربية، هذا على المستوى البعيد.
وبخصوص الإجراءات الحالية والمستقبلية التي يجب العمل عليها للتغلب على التحديات التي أسهب في ذكرها التقرير، قال إنه يجب دعم قطاع الطيران وتبني مفهوم الطيران منخفض التكاليف، بالإضافة إلى تقديم تحفيزات ضريبية وجمركية للمستثمرين الحاليين والمحتملين، لجذبهم للاستثمار في القطاع السياحي.
وذكر أيضا الحاجة إلى تطوير البنية التحتية في الدول العربية بشكل مستمر وخاصة فيما يتعلق بتحسين مستوى الطرق من خلال إنشاء الجسور، والطرق السريعة الممهدة، والتركيز على استمرار مبدأ الشراكة الفاعلة بين الأطراف المختلفة ذات العلاقة بعملية التنمية السياحية، في إشارة إلى الوزارات ومؤسسات التكوين والمستثمرين الخواص في القطاع.
ودعا إلى تطوير نمط الأنواع المختلفة من السياحة مثل سياحة المؤتمرات، فضلا عن تعزيز القدرة التنافسية للنقل الجوي، لاسيما من خلال إقامة شراكات استراتيجية مع الدول الرئيسية المصدرة للسياح، وكذلك الانفتاح على الأسواق الجديدة ذات الإمكانيات العالية.
ويجب بحسب صندوق النقد العربي، عقد المزيد من الاتفاقيات السياحية وبرامج الترويج السياحي في الأسواق الرئيسية والواعدة، علاوة على الاستمرار في الحفاظ على الآثار الثابتة والمنقولة وصيانتها وترميمها وتصنيفها باستخدام الوسائل العلمية الحديثة للاستفادة منها لأغراض العرض المتحفي والجذب السياحي.
إلى جانب هذه الإجراءات، أفاد الصندوق أن العمل في حاجة إلى أن يستكمل في المسح الخاص بالآثار في بعض الدول العربية قصد تحديد ملامح الخارطة الأثرية للبلاد، مع إنشاء المتحف الإلكتروني للآثار واستخدام آلية حديثة للترويج السياحي.
وشدد المصدر عينه، على ضرورة تطوير خدمات الأمن السياحي وربطها بالمناطق والمنشآت السياحية في كافة أرجاء الوطن، مع إدخال الرقابة الإلكترونية في المنشآت السياحية وتأمين مسار الرحلات السياحية، وربطها بنظام التموضع العالمي (GPS)، وأخيرا الاهتمام بجذب السائح العربي الذي يجد في الدولة وطنه الثاني.

قيود دولية

ويعتبر قطاع السياحة وفق صندوق النقد العربي من أكثر الأنشطة الاقتصادية تأثرا بجائحة فيروس كورونا نتيجة القيود المفروضة على وجهات السفر في العالم، إضافة إلى قيام عدد كبير من الدول بإلغاء رحلات الطيران للحد من تفشي فيروس كورونا كوفيد-19، وهو ما أدى إلى تراجع كبير لأنشطة السياحة والسفر.
ومن المتوقع وفق تقديرات منظمة السياحة العالمية التي تستند إلى ثلاث فرضيات محتملة لأثر الفيروس، تراجع ناتج قطاع السياحة بنسبة تتراوح ما بين 60 و80 في المائة خلال عام 2020.
وأوضح الصندوق أن هذا التراجع الكبير وغير المسبوق سيعرض الملايين من مناصب الشغل في قطاع السياحة للخطر، وسيمثل تحديا أمام قدرة الدول النامية على دعم الناتج والتشغيل، وفقدان محتمل كبير للعائدات من النقود الأجنبية، وارتفاع العجز في ميزانيات الدول، وهو ما سينعكس على قيمة عملات الدول التي تعتمد على قطاع السياحة مقابل العملات الدولية.
ويعتبر قطاع السياحة من أهم القطاعات التي توفر العديد من مناصب الشغل، حيث يساهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، حيث تشير الإحصائيات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية، إلى أن القطاع يوفر حوالي 330 مليون فرصة عمل على مستوى العالم بما يوازي عشر الوظائف العالمية.
وفي هذا السياق، تشير تقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة، إلى أن تفشي فيروس كورونا يهدد بفقدان ما يقارب من حوالي 50 مليون وظيفة في قطاع السياحة، أي ما يعادل حوالي 12 إلى 14 في المائة من إجمالي مناصب الشغل في الدول التي يسهم فيها قطاع السياحة بجانب مهم من النشاط الاقتصادي.
جدير بالذكر، أن القطاع السياحي يساهم بشكل مهم في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، حيث بلغت مساهمته بما يقارب 10 في المائة في الدول التي تعتبر وجهات سياحية عالمية، مثل المغرب والسعودية ومصر والإمارات، علاوة على تونس والجزائر وفلسطين ولبنان وموريتانيا.

< يوسف الخيدر < تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top