لكي يكون معرض الكتاب مضاهيا لغيره من المعارض العالمية

على بعد أيام قليلة، تنطلق فعاليات دورة جديدة من دورات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، هذه التظاهرة الثقافية السنوية التي تعد بحق الدخول الأدبي الفعلي ببلادنا، وإن كان هذا التقليد لم يتكرس بعد بنجاح لدينا، كما هو حاصل في مجموعة من البلدان الأجنبية، الأوروبية على وجه الخصوص.

***

لقد باتت دور النشر المغربية تضبط بوصلتها مع هذا الموعد السنوي، حيث منها ما يسارع الزمن ليكون في موعد انطلاقة المعرض، ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى أنه يعتبر من أهم الفرص لترويج الكتاب، سيما وأن العديد من الناشرين يعجزون عن توزيع منشوراتهم داخل رقعتنا الجغرافية، أما خارج الحدود، فلا يزال هذا المطلب بعيد المنال، باستثناء مشاركات محدودة في معارض دولية، حيث تتاح الفرصة لإيصال منشوراتنا إلى القارئ الأجنبي.
كانت دورات سابقة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، قد أتاحت المجال للناشرين من دول مختلفة لكي يجتمعوا ويناقشوا مختلف المعيقات التي تعترض نشاطهم، ومن بين هذه المعيقات بطبيعة الحال، العجز عن التوزيع، غير أنه لحد اليوم لم يتم تجاوز هذا العائق؛ فالرسوم الجمركية المفروضة على تنقل المنشورات، مرتفعة ولا تشجع على الاستمرار في هذا النشاط، وبالتالي فإنه من الصعب التعريف بإنتاجنا الأدبي والفكري خارج الحدود في مثل هذه الظروف، صحيح أن التطور الذي لحق بمجال الاتصال الرقمي، بات يسهل مهمة الانتشار على نطاق أوسع، وبأيسر السبل، غير أن وتيرة النشر على هذا المستوى تظل جد محدودة، سيما وأنها تشكل تهديدا لمستقبل النشر الورقي، في حين أن الأغلبية الساحقة من الناشرين المغاربة لا تزال تعتمد على هذا الوسيط التقليدي في الطباعة والنشر.
ولا شك أنه سيأتي يوم، يصير فيه الاعتماد كليا على الصناعة الرقمية في نشر وتوزيع الكتب، بالنظر إلى أنه يعد صديقا للبيئة، وأكثر مرونة وسرعة في الانتشار، في وقت يتطلب إتلاف هكتارات من الأشجار من أجل طبع بضعة كتب ورقية، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الكتب تستحق في الأصل أن تنشر.
عندما نتأمل الرقم الذي وصل إليه المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، على مستوى عدد دوراته، وهو خمس وعشرون، نجد أن ذلك ينم بالفعل عن تراكم في التجربة، علما بأن هذه التظاهرة لا يقتصر نشاطها على عرض الكتب، بل تعنى كذلك بتنظيم لقاءات ثقافية متعددة: ندوات، محاضرات، قراءات، عروض، حوارات.. إلى غير ذلك من الأنشطة، غير أننا عند الرغبة في الرجوع إلى هذه الحصيلة المتحققة حتى اليوم، نكاد لا نجد شيئا، مجرد كلام النهار يمحوه الليل، هناك تقصير شديد في ما يخص التوثيق لحياتنا الثقافية، وهذا لا يقتصر فقط على الفكر والأدب، بل يمتد إلى مختلف المجالات الثقافية والفنية.
كنا نتمنى لو أن التلفزة المغربية تقوم بإحداث قناة خاصة لمواكبة البرنامج الثقافي للمعرض، من خلال التسجيل الكامل للأنشطة الجديرة بالاهتمام وبثها والاحتفاظ بها باعتبارها وثيقة تاريخية هامة، غير أنها في كل سنة كانت تخلف الموعد، مع شديد الأسف.

***

مع توسع دائرة الكتاب والناشرين، يبقى التساؤل: هل ما يزال الفضاء الحالي للمعرض كافيا لاستيعاب كمية ما ينشر وما يعرض، علما بأنه تم اقتطاع مساحة كبيرة منه وتخصيصها لموقف السيارات، ألا ينبغي التفكير مثلا في إضافة طوابق عليا وحتى سفلى إذا اقتضى الأمر؟ أو خلق ملحقة له؟
هذا إذا أردنا فعلا أن يستحق المعرض تسميته بالدولي، وأن يكون مضاهيا لغيره من المعارض العالمية.

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top