«مؤتمر وارسو».. بين استعداء إيران و«صفقة القرن»! *

عقد في العاصمة البولندية وارسو على مدى يومين (13و14/2)، المؤتمر الذي دعت إليه الولايات المتحدة، تحت عنوان مناقشة «السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط». والذي شكل في الواقع استمراراً للحملة الأميركية والخطوات التي قامت بها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد إيران، إذ أنها انسحبت من الاتفاق النووي أولاً، ثم فرضت حزمتين من العقوبات عليها. وهي تسعى الآن إلى حشد الحلفاء في الإقليم وأوروبا لتكثيف مزيد من الضغط على طهران، وصوغ تحالف جديد للوقوف بوجه ما تسميه «أنشطتها المزعزعة للاستقرار وسياساتها التخريبية في المنطقة».
وتعود فكرة المؤتمر إلى بضعة أشهر خلت، عندما اقترحت إدارة ترامب الدعوة إلى اجتماع موسع بهدف تشكيل «تحالف ضد إيران يوازي التحالف الدولي ضد داعش». لكن دولاً أوروبية لديها مقاربات مختلفة من الملف الإيراني، عملت على إجراء تغييرات في هيكلية وأجندة وعنوان الاجتماع، ليتناول «السلام والأمن في الشرق الأوسط»، بدلاً من التركيز المباشر على دور إيران، وإن كانت النقاشات التي جرت تناولت بشكل رئيسي سلوك طهران في منطقة الشرق الأوسط!.
وشاركت في المؤتمر نحو 60 دولة. لكن ألمانيا وفرنسا حضرتا بمستوى تمثيلي متدنٍ ورفضتا إرسال وزيرَي خارجيتيهما، كما تغيّبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، فضلاً عن تغيّب روسيا والصين، فيما لم تُدعَ إيران إلى اللقاء، وشاركت تركيا على مستوى موظف في سفارتها.

«المقايضة» والهدف المزدوج!     

وفي تقييم أولي لنتائج المؤتمر، رأى أغلب المراقبين أنه «لم يرقَ إلى مستوى التوقعات التي كانت واشنطن تعقدها عليه»، ومردّ ذلك يعود إلى أسباب عدة منها؛ فشل تحقيق «المقايضة» المرجوّة، والهدف الأميركي المزدوج من وراء عقد المؤتمر وهو؛ الحشد الدولي والإقليمي ضد إيران، وتمرير ذلك من خلال تحقيق هدف آخر موازٍ، وهو التطبيع العربي مع إسرائيل، وإظهار أنّ «إسرائيل والدول العربية يدٌ واحدة ضد التهديد الإيراني»!.
ولعلّ هذا ما يفسّر اللقاءات المكثفة التي عقدها صهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، ومعه مسؤول ملف السلام الإسرائيلي – العربي، جايسون غرينبلات، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي شارك شخصياً في المؤتمر، ومع رؤساء الوفود العربية المشاركة في المؤتمر أيضاً.
ونقلت وسائل إعلامية عدة، أنّ كوشنر حاول بكل ما أوتي من وسائل ترغيب وترهيب، اقناع بعض الحكومات العربية التي لا علاقات لها مع تل أبيب، بضرورة استغلال فرصة انعقاد المؤتمر للبدء في فتح علاقات من هذا النوع، على الأقل عن طريق مصافحات بين نتنياهو ووزراء عرب.
بيد أنّ الحكومات العربية المعنية رفضت طلبه، وردّت بالقول أنه «إذا كانت واشنطن ترغب في عقد لقاءات دولية من أجل التوصل إلى تسوية بين العرب وإسرائيل، فعليها أن تخصّص مؤتمراً لذلك، لا أن تقحم عملية السلام في موضوع إيران»!.
وكانت السلطة الفلسطينية، أعلنت مقاطعتها للمؤتمر بسبب ما تسرّب عن نية الإدارة الأميركية، الكشف عن بعض بنود ما يعرف بـ«صفقة القرن»، وطرح نوع من «المقايضة»، على الأطراف العربية المعنية؛ وهي «إقامة علاقات عادية مع إسرائيل، مقابل كفّ يد إيران وتحجيمها في المنطقة»، وليس هذا فحسب، بل دفع تلك الأطراف إلى «عدم الربط بين حلّ القضية الفلسطينية، وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل»، وسبب ذلك، حسب المسؤولين الأميركيين، هو «الضغط على الفلسطينيين وحثّهم على تليين مواقفهم»؟!.
وكأن القيادة الفلسطينية مطالبة أن توافق وتقبل بـ«صفقة» تقوم على: شطب القدس ـ الاعتراف بشرعية مستوطنات أقيمت على أراضيهم المغتصبة ـ اسقاط قضية اللاجئين وحقوقهم ـ العبث بحدودهم وطمس هويتهم العربية – الفلسطينية وتخريب اقتصادهم ـ إبقاء الضفة والقطاع، وكذلك الشعب الفلسطيني، من دون تواصل جغرافي ـ الاحتيال على القوانين الدولية لـ«شرعنة» الاحتلال الدائم للأراضي الفلسطينية.

التباين الأميركي ـ الأوروبي

وإلى ذلك، فقد برز تباين واضح في «وارسو» بين الموقفين الأميركي والأوروبي حيال طهران. وقد تطرّق نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى «الآلية المالية» التي فعّلها الاتحاد الأوروبي لـ«الالتفاف على العقوبات الأميركية»، معتبراً أن «بعض شركائنا الأوروبيين البارزين يعملون على تقويض العقوبات الأميركية المتخذة ضد طهران»، داعياً إياهم إلى «الانسحاب من الاتفاق النووي والانضمام إلى واشنطن في فرض الضغط الاقتصادي والديبلوماسي اللازم على إيران»!.
واعتبر بنس أن التزام إيران «الاتفاق» ليس مهماً، إذ «تشوبه عيوب قاتلة، ولا يمنع طهران من امتلاك التكنولوجيا والمواد اللازمة لتطوير سلاح ذري»، على حد زعمه، واصفاً إيران بأنها «أبرز تهديد للسلام والأمن في الشرق الأوسط»، واتهمها بالتخطيط لارتكاب «محرقة جديدة» بحق اليهود!.
وفي الواقع، وعلى رغم إدانة الأوربيين لـ«البرنامج الصاروخي» الإيراني، وقصر «الآلية المالية» المقترحة على تبادل تجاري مع طهران في مجالَي الصحة والأغذية، مع اشتراطات عدم التعامل مع البنك المركزي الإيراني (المشمول بالعقوبات)، إلّا أنّ الأوروبيين (ولاسيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، كما يبدو، ماضون في مناوأة الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران، ولذلك كان موقفهم فاتراً إزاء عقد مؤتمر وارسو وأجندته، وإنْ لم يذهبوا إلى حدّ مقاطعته.

التنافس الدولي في الشرق الأوسط؟

ومع ذلك، فإن مجرد تمكن واشنطن من جمع هذا الحشد (الدولي) في وارسو، شكل نجاحاً جزئياً لها، في نظر بعض المراقبين، لأنه انطوى على رسائل أميركية في اتجاهات متعددة، منها ما هو موجّه إلى إيران، ومنها ما هو موجّه إلى روسيا أيضاً، تذكرها فيها بـ«حلف وارسو» الذي تهاوى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق؛ بمعنى أنها «تتضمن تحدٍ أميركي تجاه النهوض الروسي الواضح، ومحاولة للتأثير في التوترات الدولية الناشبة بينهما، والتي وصلت إلى القارة اللاتينية.
كما أنّ اختيار الولايات المتحدة لبولندا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، كي تكون شريكة في تنظيم القمة؛ ينطوي على هدف أميركي مضمر، لا يمانع في «تقسيم» الاتحاد الأوروبي بشأن الموقف من إيران عموماً، ومن الاتفاق النووي بشكل خاص؛ وهو ما يتأكد إذا لاحظنا الخلافات العميقة بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الرئيسة، مثل فرنسا وألمانيا، اللتان ذهبتا باتجاه التعاون لتجديد فكرة الجيش الأوروبي الموحد.
وهذا يؤشر إلى حجم ومدى الاختلافات التي قد تنجم عن القمة، بين الولايات المتحدة من جهة، وأطراف دولية عدة، أهمها روسيا إضافة إلى بعض دول أوروبا، وعلى وجه الخصوص فرنسا وألمانيا. فضلاً عن ترسيخ الاختلافات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وداخل الاتحاد بين دوله بعضها مع بعض، على خلفية تفعيل التنافس الاستراتيجي، القديم الجديد، بين القوى الدولية حول الشرق الأوسط!.
* محرر الشؤون الدولية في مجلة الحرية الفلسطينية

Related posts

Top