مجرد رقم في فواتير المتعهد

حين تفصل بعض وكالات التواصل عروضها للظفر بتنظيم حدث أو تظاهرة، نادرا ما تستحضر ضرورة توفير ظروف الاشتغال للصحفيين الذين يقومون بتغطية الحدث. تضع في حسبانها مجموعة من الأرقام تملأ بها الفواتير، قبل أي شيء آخر. هو أمر منطقي طبعا من جانب تجاري محض. غير أن ذلك لا يخول لها أن تحول الصحفي إلى مجرد “رقم” في الفواتير التي تقدمها، وبطريقة أخرى لا يجب أن تعتبره مجرد “خماس” تم تكلفيه بتغطية الحدث. الصحفي قبل أن يكون “عاملا، موظفا، مستخدما، مشتغلا”. هو إنسان أولا، يحتاج إلى ظروف اشتغال مناسبة في حدودها الدنيا. 

ليس من المنطقي أن تكون ظروف الاشتغال مغيبة، فقط بسب حسابات الفواتير والاجتهاد في توفير نصيب من كعكة التنظيم على حساب راحة الصحفي وظروف اشتغاله وكرامته. 

ثم إن الرغبة في الاستحواذ على معظم الأحداث والتظاهرات والظفر بتنظيمها، لا يجب أن يعمي بصر الوكالة عن ضرورة توفير ظروف اشتغال مريحة للصحفي الذي يعتبر عاملا من عوامل نجاح الحدث أو التظاهرة.

منطق نحاج الاتصال والتواصل وإشعاعه، يقتضي بدرجة أولى استحضار أهمية العنصر البشري المنتج للخطاب التواصلي والمنتوج النهائي. غير أن بعض الوكالات تولي الأهمية الكبرى لزبونها الذي يضخ ميزانيات ضخمة في حساباتها، في حين تغيب أهمية عمل الصحفي وتعتبره عنصرا هامشيا و”عبدا مأمورا”. 

هناك نقط ضعف في هذه المسألة ترتبط بإكراه التكليفات، وتهميش إرادة الصحفي ورأيه في تنفيذ التكليف من غيره، زيادة على الإكراه المادي الذي يتعلق بضعف قدرة أغلب المقاولات الإعلامية على التغطية الذاتية لتحملات تنقلات الصحفي لتغطية أحداث وتظاهرات. إلى جانب ذلك، أغلب زبناء الوكالات (المؤسسات والشركات وغيرها) يجهلون هذا الجانب المرتبط بظروف اشتغال الصحفي ودوره في تجويد المنتوج، الزبون يكتفي بإسناد تنظيم التظاهرة إلى متعهد (الوكالة)، وهمه في نهاية المطاف ضمان تغطية واسعة وناجحة، بينما هم بعض المتعهدين “الجشعين” مع الأسف يقتصر فقط على توسيع هامش الربح. 

هذه الإكراهات تعرفها مثل هذه الوكالات، وتوظفها بشكل جيد، هي تعرف أن الصحفي مغلوب على أمره، في كثير من الأحيان، حين يصله أمر التكليف من المدير أو رئيس التحرير، وهي تعرف أن زبونها يهمه توفير تغطية واسعة بالشكل الذي يريده، وهي تعرف الإكراهات المالية لكثير من المقاولات الإعلامية.  لذلك لا تعير أي اهتمام للصحفي، بل تتعداه في بعض الأحيان، إلى الاحتقار وتعتبره رقما في فواتير التعهد. 

جملة من الوقائع، تؤكد هذه الأمور، وقائع يتحدث عنها صحفيون فيما بينهم، تبقى رهينة الكواليس، وقليلا ما يخرجها أحد إلى العلن، حتى يرد جزء من الكرامة على الأقل.  

ماذا يعني، على سبيل المثال، أن تجمع صحفيين في غرفة واحدة بدعوى عدم وجود غرف إضافية، وفي نفس الوقت تتعامل الوكالة بتفاضل فيما بين الصحفيين. مع العلم أن المشكل ليس في عدم وجود غرف إضافية. المشكل في أسباب أخرى، قد يكون جشعا لتوفير أموال إضافية، أو يكون احتقارا لصحفيين أو، أو … مثل هذه الوكالات تدرك ذلك جيدا.. و”تعرف كيف تتعامل مع الصحفيين”، هكذا تغري زبناءها حتى تضمن كعكة التنظيم، التي يتحول جزء منها إلى عقارات وأخطبوط شركات في المغرب وشقق في أوروبا وأمريكا. 

يؤكد زملاء أنهم لن يعيدوا الكرة، ويقسمون بأنهم لن يعودوا إلى تغطية مثل هذه الأحداث التي لا تتوفر فيها ظروف الاشتغال، ويتداولون فيها بغضب وحنق ظاهر. لكن تأتي تظاهرات أخرى، ويجد الكثير منهم، نفسه مكرها على تغطيتها خاضعا لإكراه التكليف، وإكراه متابعة المعلومة. 

تمعن بعض الوكالات في إذلال الصحفيين، بعضها يتعامل معهم كأنهم رهائن لديها، تفرض برنامجا ما أو بدونه، ويصبح الصحفي طيلة هذه التظاهرة أو تلك يتنظر إشارة من المكلفين بالتنظيم عن الخطوة المقبلة.

أغلب زبناء وكالات التواصل، قد يجهلون مثل هذه الأمور، لأن هم الزبون في نهاية المطاف، ضمان نجاح التظاهرة وتغطية واسعة، فيما لا يدري كل تلك الظروف المحيطة باشتغال الصحفيين، مع العلم أن قسطا مما يؤديه إلى الوكالة يكون موجها لضمان ظروف اشتغال مريحة للصحفي في الحد الأدنى.  

المسألة طبعا لا يمكن تعميمها، لكن مع الأسف أن بعض الوكالات، هكذا تتعامل مع الصحفي، وتبقى نقطة الضوء في تلك الوكالات التي تستحضر أهمية توفير ظروف اشتغال مناسبة. 

في النهاية هناك رسالة لابد منها. زبناء الوكالات، أنتم الذين تعلنون عن صفقات تنظيم الأحداث والتظاهرات، وتهتمون كثيرا لنجاحها وتغطياتها، وتؤدون أموالا مهمة، من المال العام أو الخاص. على الأقل استحضروا توفير ظروف اشتغال مواتية للصحفيين، وراجعوا قليلا هل فعلا يتم ذلك في الواقع أم أنه فقط على الأوراق والفواتير المضخمة. بعض الوكالات، عليها أن تعيد النظر في تعاملها مع الصحفي، وألا تعتبره مجرد رقم تملأ به فواتير التعهد. ثم على هيئات التحرير أن تستحضر مثل هذه الأمور، حتى لا يتحول الصحفي إلى مجرد “إنسان آلي” يشتغل مكرها دون “كرامة”. 

> بقلم: حسن أنفلوس

Related posts

Top