محطة أولاد زيان تستعيد حيويتها ببطء بعد سنة من الركود

عادت الحياة من جديد لتدب في أروقة محطة أولاد زيان بعد سنة طويلة من الركود بسبب جائحة فيروس كورونا والإجراءات الوقائية التي أقرتها السلطات للحد من مخاطر انتشار الوباء في قطاع النقل الطرقي.  
» الرباط … الجديدة ، مراكش، أكادير، طنجة … فين غادي يا خويا … الكار خارج دابا«…
ما أن تطأ قدمك أرجاء المحطة، حتى تسمع أصوات “الكورتية” تتعالى بأسماء المدن، مكسرة الهدوء المعتاد أثناء فترة الإغلاق، ومستقبلة أفواج المسافرين على بعد عشرات الأمتار من بوابة المحطة وشبابيكها .
بمجرد الولوج إلى مدخل المحطة، تجد عاملين، أحدهما مكلف بقياس درجة الحرارة، والآخر بمراقبة تذاكر السفر التي بات مشروطا الآن أخذها من الشبابيك المخصصة لذلك، مع شرط جديد آخر هو الإدلاء بجواز التلقيح أو ما يحل محله كرخصة التنقل .
ويقف عناصر الأمن الخاص في بوابة المدخل للسهر على حسن سير حركة المسافرين بداخلها. وفي إطار تطبيق الإجراءات الاحترازية يطالبون كل شخص وافد من المسافرين بجواز التلقيح ورخصة التنقل، لكنهم أكدوا في تصريحات لبيان اليوم أن نسبة قليلة من المواطنين من يحترمون الإجراءات، حيث يتم تطبيق مسطرة قانونية في حق المخالفين المطالبين بأداء غرامة مالية أو تحرير محضر. وأشار أحد عناصر الأمن على أنه تم تسجيل حوالي 70 محضرا منذ إعادة افتتاح المحطة في 5 يوليوز الجاري وإلى حدود كتابة هذه السطور.
لكن بالمقابل، صرح بعض المسافرين الذين استجوبتهم بيان اليوم بعين المكان أنهم لم يطالبوا بأي وثيقة للسماح لهم بالسفر.
بداخل فضاء المحطة، وأينما وليت وجهك، تلاحظ لافتات معلقة في جميع الأركان، تدعو المواطنين إلى الالتزام بالإجراءات الاحترازية: “تجنبوا التقارب”، “وضع الكمامة ضروري”، “المرجو احترام المسافة”. كما تلفت انتباهك التعزيزات الأمنية المشددة حرصا على التقيد بالبروتوكول الصحي.

رواد المحطة.. ارتياح بعد طول انتظار

تعتبر “محطة أولاد زيان” أكبر محطة للنقل الطرقي بالمغرب، وتستقطب أعدادا كبيرة من المسافرين من مختلف الشرائح الاجتماعية والمهنية. وتعد المحطة شريانا حيويا في النقل العمومي بين المدن على المستوى الوطني، حيث تربط العاصمة الاقتصادية بجميع ربوع المملكة، ويرتادها يوميا الآلاف من المرتفقين يصل عددهم إلى حوالي 3000 مسافر. وتعتبر المحطة نقطة انطلاق حوالي 700 حافلة تابعة لشركات النقل الطرقي، كما تمر منها يوميا أزيد من 1000 حافلة كنقطة عبور، ويتزايد العدد خلال المناسبات والأعياد الدينية.
تقول خديجة المسافرة إلى طنجة، في تصريح لبيان اليوم، إن فتح المحطة أمر جيد جدا وقرار في محله، خصوصا وأن كثيرين يرغبون خلال هذه العطلة في السفر لزيارة أقاربهم وقضاء عيد الأضحى.
وفي نفس السياق يقول محمد الذي صادفته بيان اليوم بمدخل المحطة يستعد للسفر متجها نحو مدينة فاس، إن ظروف السفر جد ملائمة، مع عدم وجود للازدحام أحسن من قبل، معبرا عن أمله أن تستمر المحطة على هذه الوتيرة وأن يتطور هذا النظام للأفضل.
كما صرحت أمينة، إحدى المواطنات، أنها تضررت بشكل كبير أثناء إغلاق المحطة لكون هذه الأخيرة مصدر قوتهم اليومي، بحكم اشتغال زوجها وأبنائها بها. وأعربت كذلك عن فرحتها بهذا الافتتاح وبالخصوص في هذه الظروف الجيدة، آملة أن تبقى الأوضاع بهذا الفضاء كما هي عليه الآن.

سنة من المعاناة

وكما هي العادة في كل سنة، فإن المحطة تشهد ذروة نشاطها في هذه الفترة المتزامنة مع العطلة الصيفية وحلول عيد الأضحى المبارك. لكن هذه السنة تتميز أيضا باستعادة المحطة لنشاطها بعد توقف طويل، إذ قررت السلطات إعادة فتحها في إطار “مخطط تخفيف تدابير الحجر الصحي”، وذلك للسماح للمواطنين بالتنقل بين المدن خلال العطلة الصيفية وعطلة عيد الأضحى. لكن السلطات ما فتئت أيضا تلح على مختلف المسؤولين القطاعيين وعموم المواطنين من أجل احترام التدابير الوقائية، وذلك تفاديا لإعادة تكرار سيناريو “ليلة الموت” التي عاشتها المحطة الطرقية السنة الماضية قبل أيام قليلة من عيد الأضحى، والتي كانت سببا مباشرا في إغلاق المحطة، حيث وجدت السلطات في ذلك الحين صعوبة كبيرة في تدبير الوضع المتفجر جراء تكدس آلاف المسافرين داخل المحطة وفي جنباتها، بعد عدم تمكنهم من السفر بسبب عدم احترامهم التدابير التي أقرتها السلطات من إدلاء برخص التنقل بين المدن وارتداء الكمامات وغيرها. وازداد الوضع سوءا بعد رفض هؤلاء المسافرون المغادرة وإصرارهم على السفر مما استدعى استخدام القوة من قبل السلطات من أجل إخلاء المحطة من روادها.
واستمرت تداعيات الحادث بعد انتهاء فترة العيد والعطلة، خاصة بعد ارتفاع معدلات انتشار الوباء في صفوف المواطنات والمواطنين. وهو ما جعل فترة إغلاق المحطة تطول على الرغم من احتجاجات المهنيين والمواطنين الذين تضرروا بقوة من ذلك. وكبد الإغلاق المهنيين خسائر مهمة وفتح المجال واسعا للوسطاء وسماسرة تذاكر السفر لرفع الأسعار التي اكتوت بها جيوب المواطنين في زمن كورونا. فضلا عن عشوائية العمل التي حولت عددا من شوارع وأحياء الدار البيضاء إلى محطات طرقية صغيرة، تعيش على وقع الفوضى والازدحام، في غياب تام للتدابير الوقائية التي كانت تقف خلف قرار إغلاق المحطة.
وأثار مشكل إغلاق المحطة طوال هذه الشهور جدلا كبيرا وصل إلى ردهات المحكمة الإدارية في شهر ماي المنصرم. فبعد ارتفاع سخط مهنيي النقل الطرقي وشكاوى المواطنين، وفي ظل وصول الحوار بين الأطراف المعنية إلى الباب المسدود، لجأ المهنيون إلى مساءلة عامل عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، عن طريق رئيس المحكمة الإدارية بالبيضاء، حول مبررات الاستمرار في إغلاق المحطة الطرقية أولاد زيان. وكان جواب العامل هو عدم إمكانية إعادة الفتح في ظل استمرار انتشار عدوى كوفيد 19 دون اتخاذ إجراءات تنظيمية صارمة، خاصة أن المحطة كانت وما تزال تعاني مشاكل حقيقية على مستوى عملية التسيير التي تتداخل فيها أطراف متعددة على رأسها مجلس المدينة وجماعة الدار البيضاء وممثلو قطاع النقل الطرقي.
وللإشارة فإن المهنيين والمواطنين لم يكونوا المتضررين الوحيدين من هذا الإغلاق الذي ضيع أيضا مداخيل جبائية مهمة على خزينة مجلس جماعة الدار البيضاء، قدرها يونس بولاق، رئيس الجامعة المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة للنقل الطرقي بالمغرب، في تصريح صحفي سابق، بحوالي 3 ملايير سنتيم للسنة الواحدة، مقابل استفحال ظاهرة النقل السري.

مسؤولية المواطن.. التزام ووعي

وبعد مخاض عسير، تمكنت مختلف الأطراف من الوصول إلى اتفاق بإعادة الفتح مع تشكيل لجنة تضم كافة القطاعات المعنية من أجل الوقوف على وضع كل الترتيبات الضرورية وتفعيل الإجراءات الصحية، في إطار إعادة فتح المحطة وفق شروط السلامة المعمول بها.
وفي نفس الوقت، تبقى هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق المواطنين الراغبين في السفر، من أجل المساهمة في جعل عملية إعادة الفتح تمر بالسلاسة المطلوبة، وتفادي شبح الإغلاق من جديد.
وفي هذا الصدد، أعرب يونس بولاق، في تصريح لبيان اليوم، أنه لن يكون هناك تخوف من إعادة إغلاق المحطة إذا التزم المواطنون بالإجراءات الاحترازية .
وفي نفس السياق، أعتبر عبد العالي الخافي الكاتب الوطني لسائقي النقل الطرقي (نقابة اللجان العمالية) أن مسؤولية ما وقع في عيد الأضحى للسنة الماضية، تتداخل فيه عدة عوامل خاصة أن تلك الفترة عرفت قدرا كبيرا من الارتباك في القرارات المتخذة من قبل السلطات في مواجهة الجائحة، مما أثر أيضا على قرارات المواطنين ومدى التزامهم بالإجراءات الاحترازية المطلوبة عند السفر.
من جانبهم عبر عدد من المهنيين الآخرين عن استيائهم من ضعف الإقبال من قبل الزبائن وذلك في ظل الحاجة الماسة في هذه الظروف المتزامنة مع استئناف عمل المحطة من أجل استكمال الطاقة الاستيعابية المسموح بها والتي لا تتجاوز نسبة 75% من الركاب في كل حافلة، علما أن الحد من الطاقة الاستيعابية لم يؤثر، حسب نفس المصدر، على أثمنة التذاكر التي تم تحديدها بمراعاة القدرة الشرائية للمواطنين في إطار تشجيع الإقبال على السفر.
وأشاروا أنه تم اتخاذ عدد من الإجراءات الوقائية في ظل الوضعية الوبائية الراهنة بالبلاد من قبيل الحرص على النظافة والتعقيم والتطهير المستمر. وفي السياق ذاته، تم منع الباعة المتجولين من الولوج داخل المحطة نظرا لما يسببه هؤلاء من مشاكل للركاب (سرقة، مضايقات..)، ويتم ذلك تحت مراقبة مشددة من المرشدين التابعين للمحطة.
وكما يقول عبد العالي الخافي، فإن ما أسماها بـ”جيوب الفساد” مازالت متواجدة وتحاول عرقلة العودة الطبيعية لعمل المحطة، وذلك في إشارة إلى عدد من الوسطاء والمتطفلين الذين مازالوا يحومون حول المحطة ويتحينون الفرصة لمضايقة المسافرين والتأثير على السير السليم لحركة النقل. لكن الخافي عبر أيضا عن يقينه بأنه بمساعدة دورية الشرطة، ودورية الأمن الخاص بالمحطة، وحرص المهنيين، ووعي المواطنين كذلك، سيتمكن الجميع من محاربة جميع مظاهر العشوائية والانتصار على جميع العراقيل التي تقف في وجه حرية وسلامة تنقلات المواطنين عبر التراب الوطني، من أجل قضاء عطلة العيد والعطلة الصيفية مع الأهل والأحباب، والتخفيف من حدة الضغوطات التي عاشها الجميع خلال سنة صعبة من الإغلاق بسبب جائحة كورونا.

< إعداد: أميمة لصاير، إيناس الدوا، كلثوم التازي (صحفيات متدربات) < تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top