محنة الخطاب “الإسلاموي”

في العلمانية كمرادف لـ “الزمانية” أو “العالمانية” لا غير؟

1/ عن عصمة العقل وتقديس فكرة التقدم:
1/في اجتهاد المفكر فؤاد زكريا (في كتابه: العلمانية ضرورة حضارية، سلسلة قضايا فكرية) فإن العلمانية لا تعني بالضرورة “المادية”، بل هي اصطلاح ليست إلا “الزمانية” أو “العالمانية”، بينما “العلمانوية” تقوم على تقديس العقل الذي امتاز بتقديس فكرة التقدم وعصمة العقل في اكتشاف القوانين التي تحكم الكون الاجتماعي والطبيعي أيضا، فكان التّفاؤل بانتصار العلم على كل ما يعترض الإنسانية من مشاكل وعقبات، يبهر العقول حتى في أوروبا نفسها، بسبب هذا اللبس وبسبب الاستقبال النهضوي العربي لـ “العلمانية” الوثيقة الصلة بعقل القرن التاسع عشر الأوروبي وتقديسه العلم، سادت في أدبيات الحركات الإسلاموية المشرقية (وهذا أساسي) ترسيمة مبسّطة وساذجة أيضا عن مفهوم “العلمانية” تختزله في “اللادينية” بمعنى “المادية والإلحادية”.
تتمثل هذه “العلمانوية” لدى مفكري النهضة بفرانسيس المراش وفرح أنطون وشبلي الشميل وسلامة موسى، حيث طرحهم لـ “العلمنة” لم يكن بواسطة الذاتية الحضارية، بل بواسطة تمامية النموذج الغربي، و”علمانوية” هؤلاء استجرت الخطاب الإسلاموي إلى مُشكلية خطابهم، فراح الخطاب الإصلاحي يثبت توافق النص المقدس مع الاكتشافات العلمية. وهكذا إذن نجد أن الخطاب الإسلاموي، دائما هو ضحية بريئة يفتش عن الأسباب والبواعث التي قادته إلى محنته، ليخلص إلى أن النظرية الإسلاموية الحركية “الثيوقراطية” بنمطيها: “الولاياتي” و”الحاكمي” هي نوع من “علمانوية” معكوسة، أنتجتها “علمانوية” الدولة المستبدة وتبسيطها لـ “العلمانية” إلى حدود الطقسية، وهتكها لذاتية الأمة، فليس هناك تفسير لهذه الثيوقراطية سوى العدوانية العلمانوية للدولة الحديثة، أي أنهم ضحية لآلية الأدلوجة “العلمانوية” لهذه الدولة ذاتها.
وإذن، فإن أطروحة بولانتزاس حول المعارضة، التي تكتسب الخصائص ذاتها للسلطة التي تحكمها، تتمتع بوجاهة مشروعة في الحديث عن الحركات “الجهادية” التي تبدو اليوم وكأنها التعبير الوحيد عن الحراك السياسي الأهلي في وجه السلطة العربية ومنها المغرب، ومن ثم من البداهة، تأسيسا على هذه الأطروحة الجدلية القول بـ: إن أنظمة على هذه الدرجة من التوتاليتارية الشاملة المطبقة على المجتمع، والفساد المعمم، والإلحاد القيمي الأخلاقي، ورعاعية الشرائح التي تشكل منها هذه الأنظمة ..الخ… كل ذلك (في اعتقادنا) لن يتيح إلا إنتاج معارضة تتسم بالخصائص ذاتها، وكما أشرنا سابقا إلى أن “أوتوقراطية السلطة” لن تنتج إلا “ثيوقراطية معارضة” ونظام قمعي متخلف لن ينتج إلا معارضة إرهابية (بدواع إسلاموية) أكثر تخلفا.

2/ في العقل الباحث الوطني الطليق:

بناء على ما سبق، وإذا كانت السلطة (في إطلاقيتها) هي الجلاد، فليس الإسلام (الإخواني أو الجهادي) هو الضحية، بل الضحية هي المجتمع، إسلام الجماهير الوطنية المؤمنة الطيبة التي تجد في (المسجد) ملاذها الروحي والوجداني، هذه الكتلة المليونية المستقلة إيديولوجيا، هي ضحية سلطة تهمشها وتُهشّمها، وضحية معارضة سياسوية تكفرها وتُجهلها. قد يكون من المفهوم والمبرر أن تلقى تبعات هذه الإنهيارات الكبرى على السلطة العربية، بما فيها تبعة العُنف المضاد، وظهور قوى عمياء تعبيرا عن عماء معمم وعن نكوص وارتداد عن العقل إلى الدرك الأسفل الذي يتيح لكل هذا الظلام أن يكتسح.
ليس للعقل الشاب التنويري الطليق سوى أن يبحث عن مسببات ضيقه من النظام العربي الذي قاد الكل إلى الكارثة، وخصومه ليسوا بالضرورة السلطة العربية فحسب، بل الفكر العربي التنويري (الذي انتمى إليه عن طواعية وقناعة) الذي لم يفكر بواسطة الذاتية الحضارية للأمة؟
إن عدم استقبال العلمانية، يعود لاختلاطها بـ “العلمانوية” ويعود إلى أن الفكر النهضوي كان “علمانويا”؟؟ وإلى آليات الأدلوجة “العلمانوية” للدولة العربية الحديثة!؟.

> بقلم: عبد الله راكز

Related posts

Top