مدينة ناربون الفرنسية تحتفي بالفنان المغربي أندريه الباز

تحتفي مدينة ناربون، جنوب فرنسا، بالفنان أندريه الباز،أحد رواد الفن التشكيلي المعاصر،تكريما لعطائه الفني ومساره الإبداعي الطويل الذي امتد قرابة ستين سنة.
وسيتم، يوم الجمعة المقبل، افتتاح «معرض استيعادي» الذي ستحتضنه قاعة القناصلة،بقصر الأساقفة، وتشرف على تنظيمه مديرية الشؤون الثقافية ويستمر إلى غاية 15من شهر شتنبر،المقبل.
فمنذ سنوات خلت، اختار الفنان المغربي أندريه الباز الإقامة الدائمة بمدينة ناربون الفرنسية بعد أن جال، متنقلا بين المعارض، في دول المعمور غربا وشرقا…
ويؤكد أندريه الباز على أن أجمل مدينة في العالم، في نظره الخاص، هي الجديدة، التي رأى بها النور سنة 1934، ويحلو له أن يقدم نفسه أنه مغربي ذو أصول يهودية ذات الانتماء العربي.
ويعتبر أندريه الباز،المولع بالمسرح والسينما، أول فنان مغربي من أصل يهودي يحترف الفن التشكيلي وأول أستاذ مغربي في معهد الفنون الجميلة، بمدينة الدار البيضاء، باقتراح من مديره فريد بلكاهية، سنة1963، قبل أن يقرر التحليق مرة أخرى بحثا عن ذائقة فنية لا حدود لها..
كما يجسد نموذجا لفنان تم اختياره من طرف دور العرض العالمية كسفير فني لبلده المغرب منذ انطلاقته المبكرة في عالم الفن..

نبوءة أندريه مالرو

في مطلع الستينات من القرن الماضي، وأثناء حضوره ل«معرض2000 سنة من الفن بالمغرب» والذي أقيم ب«غاليري شاربونتيي »بباريس، صرح أندريه مالرو، وزير الثقافة الفرنسي حينها، للأميرة مليكة، عمة جلالة الملك، فيما يشبه التأكيد “”في غضون عشر سنوات أو عشرين عاما، يمكن أن تكون صاحبة السمو متأكدة من أن المغرب سيحتل مكانة بارزة في التشكيل العالمي”.
..وكان الفنان أندريه الباز من بين المشاركين إلى جانب المحجوبي أحرضان، ابتعد عن عالم الفن بعدما شغلته السياسة والسلطة، والفنانين الراحلين أحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية
حلق الباز عاليا في سماء الفن بعد أن تمكن من نحت أسلوبه الخاص عندما قام باستخدام الألياف النباتية ومساهمته في خلق نظرية العلاج بالفن التي غزت العالم الأكاديمي والطب ..النفسي الحديث.
كما أسس الفنان أسلوب التدمير/البناء في الفن حيث قام بإبداع مضاعف بعد أن قام بتمزيق لوحاته ثم عمل على إعادة تشكيلها وتقديمها في حلة جديدة…
سكنت هواجس الفن أندريه الباز منذ فترة الطفولة، حيث نشأ في بيت يعتمد فيه معيله على الفن كمصدر للرزق… والده، إيلي الباز، أول مصور فوتوغرافي ورئيس فرقة موسيقية للطرب الأندلسي…

سترى كل الألوان

ويتذكر وعيد والدته، عند قيامه بما يستوجب العقاب، بأنه سيرى كل الألوان من شدة الضرب..وسيتحول ذلك الوعيد الجميل إلى عنوان لمؤلف يروي سيرة الفنان الإبداعية وقعته فرانسواز الباز،شريكته في الحياة والكتابة،تحت اسم«ستراها بكل الألوان»:مسار أحد رواد الفن التشكيلي المعاصر في المغرب، الصادرعن «ملتقى الطرق» سنة 2010، يعرف بالسيرة الأولى للفنان أندريه الباز ويرصد مساره الفني منذ البدايات الأولى لمعارضه بالمغرب قبل أن يهاجر بحثا عن أفقه الخاص.. ويراكم تجربة فرضت نفسها في سائر المعارض الدولية بفرنسا و كندا وانجلترا وأمريكا واليابان واليونان وتونس ..
كما يعرج على صداقاته الفنية التي جمعته مع تشكيليين تقاسم معهم أرق السؤال الفني من أمثال أحمد الشرقاوي، فريد بلكاهية والجيلالي الغرباوي..
كما يحكي الكتاب عن علاقته مع الفنانة العصامية الشعيبية طلال التي ساهم في اكتشاف موهبتها وتقديمها إلى الوسط الفني إثر زيارة لمرسم ابنها حسين طلال..
ولا يزال أندريه الباز،العارف بأعمال رفاقه الفنية، وفيا لذكراهم التي لا يمكن أن تمحى من مخيلته رغم مرور سنين على رحيلهم.
وتأثرالفنان أندريه الباز بأحداث تاريخية، كانت بمثابة صدمات متتالية، ستزيد من شدة وعيه الشقي..فبعد ثلاث سنوات من ميلاده سيعرف العالم مجزرة غورنيكا ثم بعد ذلك الحرب العالمية الثانية..
وعلق بذاكرة الباز حدثان طبعا فترة شبابه ببلده المغرب حيث سيتأثر بزلزال مدينة أكادير1960 وبعدها وفاة سلطان المغرب حينها محمد الخامس سنة1961 والذي سيهديه فيما بعد باكورة أفلامه فيلم ليلة لم تكتمل، المتوج ببينالي الخامس بباريس 1976، امتنانا له عن دوره في حماية اليهود المغاربة وبعد صدمته الشديدة لمعرفته بمأساة الهولوكوست

الديبلوماسية الفنية

ظلت دور العرض المرموقة في العالم تقدم أندريه الباز على أساس أنه سفير المغرب الفني وخاصة عند تقديمه في«غاليري زفيمر» اللندنيه، التي كان يعرض فيها بابلو بيكاسو، سنة 1964 حيث لقيت عروضه نجاحا باهرا…
وبعد خمسين سنة، وفي حفل افتتاح معرضه بمتحف «أ.ب.س» بالعاصمة الإسبانية مدريد سنة 2013، والذي حمل اسم «التدمير أو العمل»،خاطب الفنان المغربي أندريه الباز وسائل الإعلام الدولية قائلا :«في حالة إحراق المكتبات يمكن أن أعيد بناء دون كيخوتي بواسطة أعمالي».
وأبرز أندريه الباز، في أول معرض له بإسبانيا، دور الفن التشكيلي في إنقاذ ما يفسده مناهضو الإبداع، على مر التاريخ، والذي يصل مستوى حقدهم حد إحراق المكتبات كتعبير على القتل الرمزي والمعنوي للكيان الإنساني تماما كما حدث على مر العصور في مختلف أنحاء المعمور من إحراق ممنهج لكل ما يبدعه الآخر المختلف أو ما يلاقيه الطرف المنهزم من العقاب تزداد وتيرته الانتقامية للقضاء على الأثر الفكري حتى يتم محو جزء من الذاكرة الإنسانية.
وتم اعتبار أن رسالة أندريه الباز للإسبان حينها كانت دعوة صريحة لمد جسور التعاون بين البلدين تتجاوز ما هو سياسي راهن محكوم بانفعالات لحظية لا تساهم إلا في تعقيد وتأخير قنوات التواصل الإنساني وبخاصة في شقه الفني والفكري..
وشكل كذلك رسالة للمثقفين والساسة الإسبان مفادها أنه كفنان مغربي يعنيه بالدرجة الأولى ما أبدعه الأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس وأن ما يجمع الجارين من تاريخ إنساني مشترك يمكن أن يساهم في بناء الحاضرعبر فتح المجال للمبدعين والمثقفين من أجل جعل جسورالتواصل ممدودة بين الشعبين.
لقد تمت قراءة الاستقبال الذي خصصته وسائل الإعلام الإسبانية للفنان المغربي أندريه الباز كبداية لإذابة الجليد الذي ميز العلاقات بين مدريد والرباط، حيث تم تخصيص إلى جانب عرضه بمتحف «أ.ب.س»، الذي يحظى بمكانة خاصة في ساحات العرض الفنية ببلاد غويا، معرضا آخر ب«البيت العربي» له رمزيته من خلال بعده الديبلوماسي باعتباره مكانا للحوار مع الفنانين والأدباء والمسؤولين العرب..وعرض ثالث حمل اسم «دون كيخوتي» بمدينة شيقوبية التي حل كضيف شرف…

الفن لا وطن ولا دين له

يؤمن أندريه الباز بأن الفن لا وطن ولا دين له، لذلك ظل ينتصر للقضايا الإنسانية العادلة والتي جسدها في كل أعماله الفنية…
ويدين الفنان كل الجرائم الإنسانية التي عرفها العالم على مر التاريخ حيث يشجب بحدة ما تعرض له يهود أوروبا من مآسي ولا يتردد كذلك في التنديد لما يقع للفلسطينيين والعراقيين والسوريين معتبرا أن المآسي الإنسانية تظل واحدة في عمقها رغم اختلاف منفذيها وضحاياها…
وينتصر الفنان المغربي لقيم الحب والجمال التي تجعل من السلام أحد ركائزها،لذا لا يتردد في البحث عن كل ما من شأنه أن يفتح قنوات الحوار مع كل محبي السلام …
وحين تناول موضوعة الحرب التي اشتغل عليها كثيرا فقد كان يبحث عن السلام الذي لا يتحقق إلا بعد أن البشاعة التي تخلفها همجية الإنسان
تعرض أندريه الباز لحصار داخل بلده من طرف من يستهويهم محاربة من يغرد خارج السرب حيث كان عنصر أصوله اليهودية ورقة، تشهر عند الاقتداء، تمويها عن قدرتهم على مجاراة فنان نحت اسمه في عالم الفن خارج بعمله الخلاق في وقت كانت فيه المنافسة الفنية بين فنانين ينتمون إلى دول كان لها باع طويل في الفن …
بعد ستين سنة من العطاء الفني يحق لأندريه الباز أن يقبل يديه عند كل صباح وكل مساء، وما بينهما، وأن يزين بنان أصابعه بما لذ من تيجان لما قدمه للفن المعاصر ومساهماته المتجددة في إشاعة قيم الحب والجمال وبناء صرح بلاده الفني رغم أنه يردد قائلا “لا تدعو ما كنت قد بنيت بأنه بناؤك”.

> خالد الكطابي

Related posts

Top