مسؤولية البرلمان في الحوار الاجتماعي

يقوم البرلمان بالمهام الدستورية المخولة له وفق ما تنص عليه الفصول من 70 إلى 86 منه بمراقبة عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية.
وتعتبر مرحلة مناقشة القانون المالي محطة أساسية في مراقبة عمل الحكومة وتقييم ما قامت به خلال السنة التي مضت وتحديد ما يتم القيام به بالنسبة للسنة الموالية.
وتتميز هذه السنة بوضعية جد دقيقة نظرا لحجم الانتظارات والمطالب التي كانت محل احتجاجات خلال السنوات الماضية بما فيها ما قامت به النقابات أو التي تمت في بعض الجهات والأقاليم مما يقتضي من البرلمان أن يأخذها بعين الاعتبار وأن يجتهد من أجل إيجاد الحلول لها.
وفي ظل هذه الأوضاع تمت المصادقة على القانون المالي لسنة 2019 بمجلس النواب ثم أحيل على مجلس المستشارين لمناقشته خلال الفترة الممتدة من 20 نونبر إلى 10 دجنبر ليحال من جديد على الغرفة الأولى قصد المصادقة النهائية عليه.
ويعتبر الحوار الاجتماعي من القضايا الأساسية التي على البرلمان أن يعمل على إيجاد الحلول لها، فبعد أن ظل في وضعية الانحباس منذ بداية سنة 2012 إلى 2016 بسبب الموقف غير السليم للحكومة السابقة، وقد استمر هذا الوضع بسبب التأخير في تكوين الحكومة خلال سنة 2017 وإذا ما اعتبرنا القانون المالي لسنة 2018 قد مر في ظروف انتقالية حيث تم تهييئه من طرف الحكومة السابقة وتم تعديله بكيفية سريعة لم يتأت معها القيام بما كان يجب أن يتم القيام به حسب ما بررت به الحكومة موقفها آنذاك.
غير أنه من غير المقبول أن لا يتم تدارك هذا الاختلال الذي ظل على ما هو عليه مما يوجب على البرلمان أن يقوم بدوره للخروج من هذه الوضعية، خاصة وأن مجلس المستشارين بحكم تركيبته المتكونة من تمثيلية النقابات وأرباب العمل والغرف المهنية والجهات، أن يدفع الحكومة إلى تغيير موقفها، وبالرجوع إلى مرجعيات جل الهيآت المكونة للبرلمان بالغرفتين نجدها تتماشى مع مطالب الطبقة العاملة ، وفي هذه الحالة يمكن أن يتم تدارك الموقف عند إحالة القانون المالي من جديد على مجلس النواب بأن يتم إيجاد حل لهذه القضايا والتي سبق أن أشرنا إليها في عدة مقالات سابقة تتمثل في :

– تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011.
– احترام حق التنظيم وممارسة العمل النقابي.
– اعتماد الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية وفق ما جاء به التشريع الدولي والوطني.
– تطبيق تشريع الشغل بالقطاعين الخاص والعام.
– ملاءمة الأجور والأسعار.
– تعميم وتقوية الحماية الاجتماعية.
– حماية وتقوية رصيد الشغل.

إن هذه القضايا إذا ما تم التعامل معها بالجدية والموضوعية والانطلاق من مبدأ الحكم على الشيء يأتي من طبيعته وكنهه ومن هنا لا يمكن الاختلاف عليها من حيث المبدأ سواء من طرف الأغلبية أو المعارضة، وهو ما يتطلب أن يتم حمل الحكومة على أن تفتح الحوار من جديد مع المركزيات النقابية وفق ما يؤدي إلى إبرام اتفاق اجتماعي خامس قبل المصادقة النهائية على القانون المالي كخطوة أساسية اتجاه المستقبل خاصة وأن الظرفية الراهنة تفرض على الجميع أن يتجه إلى توسيع القواسم المشتركة وما يخدم الصالح العام، وإذا لم يتم ذلك فإن حالة الاحتقان والتوتر ستستمر خلال السنوات القادمة، بنفس ما صارت عليه منذ 2012 إلى الآن وهو أمر غير مقبول، ومن هنا فإن البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية عليه أن يتحمل مسؤوليته. وهو ما سيساهم في إزالة الصورة السلبية التي يسوق لها بأن البرلمان يعتبر غرفة فقط للتسجيل يقوم بالمصادقة على ما تأتي به الحكومة من قوانين وإجراءات وتدابير ومن الأفيد أن يكون النقاش حادا داخله بدل أن تتحول الاحتجاجات إلى الشوارع من طرف الطبقة العاملة و على مستوى الأقاليم والجهات.

> عبد الرحيم الرماح

Related posts

Top