معالم وحضارات اندثرت بسبب الحروب

هناك العديد من اثار الأمم الماضية محى معالمها الزمن بفعل العوامل الطبيعية، غير أن هناك العديد من الحضارات التي اندثرت بسبب الحروب، مثال على ذلك حضارة بغداد القديمة التي دمرتها حروب المغول في العهد القديم.
وتعبر الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية عن حضارات عديدة محتها الحروب تماما ولا يعرف عنها شيئا سوى من الكتب، مثل مكتبة الاسكندرية القديمة. في الحروب تسعى كل قوة لطمس معالم القوى الأخرى من تاريخ وكتابة ومعالم وثقافة شعب، أما عن طريق الحرق مثل ما حدث بالإسكندرية القديمة أو عن طريق رمي وحرق الكتب مثل ما حدث قديما ببغداد أو عن طريق هدم الأثار وبقايا تلك الشعوب وتراثها المعماري والحضاري أو عن طريق تهجير أهلها منها مثل ما حدث بالأندلس. فالحروب تبقى آثارها بعدما تسكن أصوات المدافع والرصاص. يدفن القتلى ويعالج الجرحى وتبقى المدن المدمرة ركام وبقايا حطام يعاد بناء بعضه ويبقى آخر شاهدا على تلك الصراعات.
بيان اليوم ترصد بعض الأماكن التاريخية التي دمرتها الحروب

هيروشيما.. مكاشفات التاريخ

هيروشيما مدينة يابانية، كانت منذ قرون أهم المراكز الاقتصادية والصناعية والعسكرية في البلاد وآسيا. قصفتها الولايات المتحدة بقنبلة ذرية 1945 مما عجل باستسلام اليابان، وأكسبها شهرة عالمية كأول مدينة تخضع للقصف بالسلاح النووي في التاريخ.
تقع هيروشيما جنوب غربي اليابان، وتحديدا عند جزر دلتا نهر “أوتا” التي تتوزع المدينة جغرافياً على ثلاث منها. وتشرف على البحر الداخلي المسمى “سيتو”.
يسود في منطقة هيروشيما مناخ شبه مداري رطب يتميز بتوسط معدلات الحرارة صيفا وشتاء، وببلوغ الرطوبة معدلات قصوى قد تناهز 100 درجة. وتشهد المنطقة تساقطات مطرية هامة.
يبلغ عدد سكان مدينة هيروشيما نحو مليون ومئتيي ألف نسمة (وفق إحصائيات 2003)، في حين لا تتجاوز مساحة المدينة 300 كيلومتر مربع. وهو ما يعني أن الكثافة السكانية فيها تفوق 3000 نسمة في كل كيلومتر مربع (من أعلى الكثافات السكانية عالميا)، وتتجاوز بعشرة أضعاف متوسط الكثافة السكانية في اليابان.
يعود تأسيس هيروشيما إلى أواخر القرن السادس عشر الميلادي حين أقام أحد زعماء الفيوداليين قلعة عسكرية في المنطقة عند مصب نهر “أوتا”، وفي العقود اللاحقة ظل التطور العمراني والديمغرافي للقلعة محدودا جدا، ولم تعرف نهضتها العمرانية الأولى إلا في العهد المينجي (1860-1912).
وفي هذه الحقبة نهجت السلطات الإمبراطورية اليابانية سياسات تحديث واسعة النطاق، واعتمدت الانفتاح الاقتصادي والسياسي أسلوبا في التعاطي مع الجوار، وأحدثت قطيعة مع سياسة الانغلاق التي سادت اليابان طوال عشرة قرون وعرفت بـ”سياسية ساكوكو”، رغم أنها مكنت من المحافظة على استقلال البلاد وإبقائها بعيدة عن الغزو الأجنبي.
ومع مطالع القرن العشرين، كانت هيروشيما أهم المراكز التجارية والاقتصادية والصناعية في اليابان وآسيا، وشكلت دعامة رئيسية في مخططات التحديث التي وضعتها السلطات الإمبراطورية لمنافسة القوى الاستعمارية الغربية، ومواجهة نفوذها المتسع في شرق آسيا.
وحين اندلعت الحرب العالمية الثانية، كان عدد سكان هيروشيما يُقدر بأكثر من 340 ألف نسمة، وكانت المدينة تعتبر أهم المراكز الصناعية والعسكرية في البلاد، وثانية الحواضر اليابانية الكبرى، وتوجد فيها أهم القواعد العسكرية والجزء الأهم من القاعدة الصناعية العسكرية للبلاد.
وإثر دخول اليابان الحرب، تمركزت قوات عسكرية كبيرة في المنطقة لتأمين الدفاع عن جنوبي البلاد، وحماية المجال الجوي من تقدم أساطيل الحلفاء القادمة من جنوبي المحيط الهادئ.
تقهقرت اليابان أمام قوات الحلفاء لا سيما بعد استسلام ألمانيا وهدوء الجبهة الأوروبية، فأصبحت هيروشيما قاعدة ارتكازها الأهم في دفاعها عن حوزتها الترابية أمام تقدم الحلفاء، فنقلت إليها قيادة الجيش وتم تركيز القوات الجوية وأنظمة الدفاع الصاروخي حولها، هذا فضلا عن كون المدينة هي القلب النابض للاقتصاد الياباني والصناعة الحربية آنذاك.
وفي ضوء هذه المعطيات ومعها اعتبارات أخرى استراتيجية وتكتيكية، وقع اختيار القيادة العسكرية الأميركية على هيروشيما لتكون هدف أول قنبلة ذرية تستخدمها الولايات المتحدة لحسم الحرب، وكسر عناد اليابان ودفعها إلى الاستسلام.
ففي غشت 1945 أُلقت طائرة حربية أميركية القنبلة الذرية “الطفل البدين” على المدينة، فأحدثت دمارا واسعا تمثل في سقوط 70 ألف قتيل على الفور، ودمار كلي في دائرة شعاعها 1.6 كيلومتر، كما دمر أكثر من 70% من مباني المدينة جراء الانفجار النووي.
خضعت المدينة لبرنامج شامل لإعادة الإعمار مكنها من استعادة مكانتها، لكنه لم ينجح في إزالة آثار التلوث النووي الذي لا تزال آثاره ماثلة في شكل تشوهات خلقية للمواليد، وتسمم إشعاعي للغطاء النباتي والمياه الجوفية.
تضمنت مخططات إعادة الإعمار إقامة نصب تذكارية تعد من أهم معالم المدينة وتخلد هذه المأساة التي ترفض واشنطن تقديم اعتذار رسمي عنها، وإن كان الرئيس الأميركي باراك أوباما زار المدينة ربيع 2016 في خطوة رمزية غير مسبوقة في علاقات البلدين.

> إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top