معرض يكشف جوانب خفية من تجرية أيقونة الفن المغربي الشعيبية طلال

 افتتح أخيرا في الرباط معرض “الشعيبية.. ساحرة الفنون”، الذي نظمته مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، والمخصص لذكرى الفنانة التشكيلية المغربية الشعيبية طلال، وذلك بحضور عدد من الفنانين والسياسيين ومحبي الفنانة الراحلة.
وخلال هذا المعرض، الذي تواصل تفعالياته إلى غاية 15 مارس 2021 في فضاء CDG Expression، اكتشف الجمهور الجوانب المختلفة لهذه الفنانة التي رحلت منذ ما يقرب من 17 سنة، وذلك من خلال ثلاث فترات من حياتها، من 1960 إلى 1972 “نداء.. الإرهاصات الأولى إلى تأكيد التفرد”، ومن 1972 إلى 1990 “سنوات النجاح.. من المعارض الأولى إلى الاعتراف الدولي”، وكذلك من 1990 إلى 2003 “السنوات الأخيرة”.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت المديرة العامة لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، دينا الناصري، إن المؤسسة حرصت كدأبها كل سنة على تكريم شخصية كبرى في عالم الفن سواء كانت على قيد الحياة أو متوفاة.
وأضافت أنه تم تسليط الأضواء هذا العام على الشعيبية باعتبارها “امرأة منفتحة على عصرها وكأيقونة للفن المغربي”، مشيرة إلى أن المؤسسة أعدت لأول مرة كتابا مخصصا للفنانة.
وأوضحت أن الأمر يتعلق بكتاب يتضمن قصيدة كتبتها الفنانة بنفسها، وسيرتها الذاتية، والأعمال المعروضة خلال المعرض التكريمي، ويستعيد كتابات عن الشعيبة، ولاسيما كتابات إبراهيم العلوي، مؤرخ الفن ومحافظ معارض بعنوان “الشعيبية لها عينان ويدان خصبتان”، فضلا عن مقتطف من كتاب “السندباد المغربي” لفاطمة المرنيسي.
وأكد حسين طلال، ابن الشعيبية، في تصريح مماثل أن “الشعيبية لها بعد دولي، وهي تشرف المرأة المغربية”.
وقال مهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، “إنه لشرف اللقاء من جديد بالشعيبية” التي يعرفها حق المعرفة، مضيفا “الرائع في الأمر هو أن لديكم جدران تغني وتفرحنا في فترة عصيبة”، مسجلا أن هذا المعرض يظهر أن “رسومات الشعيبية مهمة، ونحن بحاجة إلى فنانين مثلها”.
وحضر افتتاح معرض “الشعيبية.. ساحرة الفنون” كل من عبدالجليل الحجمري أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، وعبداللطيف زغنون رئيس مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، فضلا عن ثلة من شخصيات عالم الفن والثقافة، ولاسيما عبدالعزيز الإدريسي مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، والفنان التشكيلي جاكي بلحاج.
الشعيبية.. ساحرة الفنون
وغالبا ما كانت الشعيبية طلال موضوع سجال في الساحة الفنية المغربية، حيث كانت تشد إليها عيونا من خارج المغرب، بينما اعتبرت ظاهرة لم تخضع لأي تصنيف أو مدرسة فنية.
واقتحمت الشعيبية المشهد التشكيلي الفني دفعة واحدة بفضل صدقها في التعبير عن روحها الملونة بفن طافح بالضوء والألوان التي ظلت تهيم بها إلى آخر رمق.
وقد أقامت الراحلة أول معرض لها عام 1966 في الرباط، لتنطلق بعدها رحلة طويلة مع الألوان المتوهجة والعفوية التي تظهر الجمال طبقا لقانون الفنانة وعفويتها الخاصة بها. وتميزت لوحاتها بألوانها الحارة المتوهجة والطبيعية التي يغلب عليها الأحمر والأخضر والأصفر كأنها تفجر فيها ذلك المخزون البصري الذي تشكل في ذاكرتها منذ الصغر بعفوية ألوان الطبيعة التي كبرت الفنانة حولها، إلا أن ذلك الانسجام الرائق بين الألوان لم يكن يخفي القلق المعقد الذي يصعب فهمه لديها. لطختها اللونية على اللوحات هي نفسها لطخة الطفلة التي ما تزال تحيا بداخلها، تلك الطفلة التي نهلت من ينابيع طبيعة قريتها شتوكة.
لكن مسيرة الفنانة إلى العالمية لم تكن سهلة ولا ممهدة بالورود، فقد رُفضت الشعيبية طلال من طرف كثير من التشكيليين المغاربة، الذين كافؤوا لوحاتها بكثير من التقليل والحط من شأنها، ولكنها استطاعت أن تتجاوزهم إلى العالمية، إلى حد أن أغلبهم كان يتهرب من إقامة معارض مشتركة معها، بحجة أنها تبيع جل لوحاتها.
وعن الشعيبية طلال قال الفنان التشكيلي أحمد جريد إنها «تعتبر مدخلا أساسيا للفن التشكيلي المعاصر منذ منتصف القرن الماضي، حيث كانت من الرواد الأوائل الذين اقتحموا المتاحف الدولية وصالات العرض المرموقة في العالم. كما أن أعمالها توجد حاليا ضمن المجموعات الفنية لدى عدد كبير من المنظمات الدولية والمتاحف الشهيرة وكبار مقتني اللوحات في العالم. وتميزت الشعيبية كذلك بكونها الوحيدة التي أسالت الكثير من الحبر حول تجربتها وحول ما يسمى بالفن الفطري وظلت تطرح باستمرار إشكالا فنيا عميقا على مستوى التكوين وعلى مستوى اللون والمرجعية”.
وكتبت المفكرة المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي في شكل رسالة توديعية إلى الفنانة أنها “تمكنت، في مجتمع مبرمج لإهانة المرأة، من إحباط المخططات وتفكيك الآليات، دونما تعمد ومجردة من كل سلاح، لأن البحث عن الكرامة صار هو رد الفعل الأكثر تلقائية للبقاء وللحياة، بشهادات أو دونها”، معتبرة أنها “شعاع من الضوء يتموج ويومض ويسمى إنسانا حتى لو كنت امرأة يعتبرها بعضهم هنا وهناك تافهة وثانوية وعديمة الأهمية”.
نظير ما قدمته للفن التشكيلي، حصلت الشعيبية على العديد من التكريمات وقد أدرج اسمها في قاموس “لاروس الفن بالعالم” في طياته، كما خصص قاموس أكسفورد الدولي للأعلام مادة تعريفية بالشعيبية طلال عرفانا بفنها وتاريخه.

Related posts

Top