مقتل فلويد يلهم أوروبا لتقاوم التمييز

تسببت وفاة رجل أعزل من أصول أفريقية بينما كان يحتجزه شرطي أبيض وضغط بركبته على عنقه لنحو تسع دقائق في الولايات المتحدة، في إلقاء الضوء على حالات مماثلة من الذاكرة الحديثة في أوروبا.
وفي قارة لكل دولة فيها تركيبتها الخاصة من المجتمعات وتاريخ الهجرة وإرث استعماري في كثير من الحالات، كانت حركة العدالة من أجل جورج فلويد، نقطة البداية أيضا لمناقشات أوسع نطاقا.
ففي فرنسا، حيث يشكو سكان الضواحي الفقيرة ومتعددة الأعراق منذ فترة طويلة من ممارسات شرطية عنيفة وتمييزية، أدت وفاة فلويد إلى جعل البلاد تتحدث عن موقفها تجاه الأمن العام.
كما أثيرت انتقادات كذلك ضد ممارسات الشرطة القاسية تجاه الاحتجاجات من جانب حركة “السترات الصفراء”، على أيدي عناصر شرطية أغلبيتها الساحقة من البيض في الأيام الأولى للحركة الاحتجاجية، وضد إصلاحات المعاشات المقررة.
 وأظهرت مقاطع فيديو من الاحتجاجات مرارا الشرطة وهي تستخدم الهراوات بشكل حر، وأصيب العديد من الأشخاص بجروح خطيرة، وفقد البعض أعينهم، من رصاص الشرطة المطاطي.
 وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دافع بشدة في السابق عن قوات الأمن، إنه يرغب في مراجعة القواعد بشأن أخلاقيات الشرطة.
 وخلال فترة الإغلاق مؤخرا في البلاد بسبب فايروس كورونا، كانت هناك عدة أحداث بارزة لعنف تردد أنه تم من جانب الشرطة ضد شبان من أسر مهاجرة.
ولعبت أسرة أداما تراوري، وهو شاب من أصول أفريقية توفي في ظروف محل نزاع، بعد اعتقاله عام 2016، دورا رئيسيا في خروج الشباب إلى الشوارع. وتعقدت قضية عنف الشرطة في الضواحي جراء الجدل طويل الأمد حول كيفية تعامل فرنسا مع الأقليات.
وكان النهج التقليدي للبلاد هو التعامل مع جميع المواطنين على قدم المساواة. ويعتبر جمع البيانات على أساس العرق، على سبيل المثال، أمرا محظورا بالقانون على أساس أنه يتسم بالتمييز.
وحسب الناشطة كارين تايلور رئيسة الشبكة الأوروبية ضد العنصرية، فهذه ليست مجرد ظاهرة فرنسية.
وقالت تايلور لوكالة الأنباء الألمانية “معظم الدول الأوروبية لا تجمع بيانات عن أحداث عنصرية وعن عنف الشرطة، وخاصة البيانات المجمعة عن العرق حول عنف الشرطة”، وذكرت بلدها ألمانيا كمثال. وأضافت “لذلك لا نملك صورة واضحة حول ما يحدث بالفعل في أوروبا”.

الأوروبيون ينددون بتاريخ طويل من العنصرية

وفي بلجيكا، اصطدم الغضب إزاء وفاة شاب مؤخرا (19 عاما) يدعى عادل خلال ملاحقته من قبل الشرطة مع مناقشة أخرى، هي كيف تتعامل الدولة الصغيرة مع ماضيها الاستعماري الوحشي.
وتم في الأيام الأخيرة طمس عدد من تماثيل لليوبولد الثاني، الملك البلجيكي الذي أشرف على حملة ضخمة لاستغلال المطاط الكونغولي، مما تسبب في وفاة الملايين. وكان حضور الملك الذي يعود للقرن التاسع عشر في شوارع بروكسل، مثار شكاوى طويلة الأمد من النشطاء، ولكن في الأسبوع الماضي، حظي التماس عبر الإنترنت يطالب بإسقاط كل تمثال لليوبولد الثاني بعشرات الآلاف من التوقيعات.
وجاء في الالتماس “في غضون 23 عاما، قتل هذا الرجل أكثر من 10 ملايين كونغولي دون أن تطأ قدماه الكونغو”.
 وقالت جايل، وهي امرأة من أصول أفريقية (20 عاما) من بلدة أفليجم الفلمنكية “الهدف من التماثيل هو الاحتفاء بالأشخاص. والجميع يعلم أنه قتل عددا كبيرا من الكونغوليين، ويتم نصب التمثال في كل مكان ويتم الاحتفاء به”.
إنها تؤيد إسقاط تماثيل ليوبولد الثاني وتعتقد أنه يجب أن يتم وضعها في متاحف بدلا من ذلك.
وتقول صديقتها مارجريت، وهي من أصول أفريقية أيضا (20 عاما) ولكنها من بلدة دندرليو “هذه هي المشكلة في الأساس. يجد البلجيكيون أنه من الطبيعي أن تكون لديهم تماثيل لشخص مثل هذا …إنه مثل تاريخنا، نضالنا لا يهم، لكن المهم هو نحن”.
 أما في بريطانيا، فقد نمت الحركة بسرعة منذ الاحتجاجات الأولى في أواخر مايو. وأسقط متظاهرون في مدينة بريستول الإنجليزية تمثالا لتاجر الرقيق الذي يعود للقرن الثامن عشر، إدوارد كولستون، ودفعوه إلى الميناء الأحد. ووقّع نحو 20 ألف شخص عريضة إلكترونية لاستبدال التمثال بآخر يعود إلى بول ستيفنسون، ناشط الحقوق المدنية من أصول أفريقية خلال الستينات، في بريستول.
وأثارت احتجاجات نهاية الأسبوع اتهامات بـ”البلطجة” من جانب رئيس الوزراء بوريس جونسون، المتهم على نطاق واسع بالعنصرية، ووزراء بريطانيين آخرين. وتدير حملة “حياة السود مهمة في المملكة المتحدة” حملة تحت شعار “الصمت الأبيض” لتشجيع الأغلبية البيضاء في البلاد على نشر رسائل لإخبارهم كيف “يخرجون عن الصمت الأبيض أو سيخرجون عنه” تجاه العنصرية.
كما حث النشطاء البيض على عرض أسماء الأشخاص من ذوي الأصول الأفريقية الذين لقوا حتفهم خلال عمليات الشرطة في بريطانيا والولايات المتحدة، على نوافذهم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
 إن وفاة فلويد المأساوية أحدثت موجات صدمة عبر العالم. وبالنسبة للنشطاء في أوروبا، يمكن أن تكون الحادثة نقطة انطلاق للتغيير الدائم.
وخلصت تايلور بالقول “آمل ألا يتحول ما لدينا إلى لا شيء، سوف نستجمع هذه الحركة ونترجم ما يصرخ به الأشخاص في الشوارع إلى سياسات”.

Related posts

Top