منتدى “حوارات الأطلسي” يقارب مواضيع الهجرة والثقافة وتمويل المناخ في دورته السابعة

تناولت الجلسات العامة التي عرفها منتدى حوارات أطلسية في دورته السابعة المنعقدة بمراكش ما بين 13 و 15 دجنبر الجاري والمنظم من طرف مركز السياسات من أجل جنوب جديد، العديد من المواضيع المتنوعة، خلال يومي الجمعة والسبت( 14 و15 دجنبر الجاري)، حيث ركزت على التغييرات المناخية وكيفية تمويل المناخ وتنفيذ التزامات الدول والأزمة المالية العالمية، ودور الثقافة في توطيد العلاقات بين دول الحوض الأطلسي، زيادة على الهجرة والبعد الإنساني في معالجتها ثم حلف “الناتو” في ظل رغبة الاتحاد الأروربي في إنشاء نظام دفاع خاص به.

تمويل المناخ

وخلال الجلسة العامة الأولى ليوم السبت والتي تناولت موضوع “تمويل المناخ في الجنوب”، دعت جوزيفا ساكو، المفوضة الملكية بالاقتصاد القروي والفلاحة لدى لجنة الاتحاد الافريقي، دول الشمال إلى الوفاء تفي بالتزاماتها المعلن عنها خلال اتفاق باريس. فيما دعا أندرياس كرامر، مؤسس ورئيس المعهد الايكولوجي بألمانيا، إلى الانتباه إلى معضلة تمويل التأقلم المناخي سنة 2017، حيث وصلت الميزانية المرصودة حوالي 500 دولار، وهو مبلغ غير كاف، مشيرا إلى أن الاعتمادات المرصودة للمشاريع لا تساير الوتيرة المطلوبة، وعبر كرامر عن تفاؤله بمستقبل تمويل المناخ، وحل العديد من المشاكل المتعلقة بالآليات مؤسساتية، قانونية وسياسية.

الثقافة بوابة العلاقات الأطلسية

أما الجلسة العامة الثانية فتناولت أهمية ودور الثقافة في العلاقات الأطلسية، والتي شارك فيها شارك فيها محمد بنعيسى، وزير الخارجية المغربي السابق، وآسية بنصالح العلوي، سفيرة جلالة للملك محمد السادس، وفاسكو ألفيس كوديرو، رئيس الحكومة الجهوية للاصور (البرتغال)، وباولو باراناكوا، باحث جامعي مستقل من البرازيل. وخلال هذه الجلسة أكد محمد بنعيسى أن الثقافة لا تشكل الهاجس الأول بالنسبة لأغلب الحكومات، بالرغم من أنها يمكن أن تعطي دفعة قوية للنشاط الاقتصادي، وأوضح بنعيسى أن الثقافة تعني مؤسسات قوية ” مسارح، وصالات عرض وفضاءات للإبداع. وتأسف وزير الخارجية السابق عن عزوف المستثمرين الخواص بشأن المجال الثقافي وكذلك عن ندرة القياديين الذين أعطوا الكثير في هذا الباب، شأن الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران، أو وزير الثقافة السابق جاك لانغ، أو في المغرب مع المبادرات المتعددة التي يقودها الملك محمد السادس.
من جهة أخرى ذكرت آسية بنصالح العلوي، بالروابط التاريخية والثقافية في الفضاء الأطلسي، خلال القرون الماضية، بالرغم من أن الاستعمار والاستعباد أرخى بظلاله على هذا التبادل بالإضافة إلى جروح الماضي لا زالت حاضرة، بسبب الطغيان الثقافي والاقتصادي للغرب الذي لا يترك تقريبا أي مكان لدول الجنوب. وقالت آسية بنصالح العلوي بضرورة إعادة امتلاك الثقافة للانتقال من مرحلة الضغينة والحقد إلى المصالحة. ودعت إلى تسهيل تنقل الطلبة الباحثين والمختصين، وتقوية التبادل، واعتبرته السبيل لمقاومة هيمنة عمالقة الصناعة الثقافية. أما باولو باراناكوا، فأكد خلال تدخله أنه لن يكون هناك تقارب مستدام بين أوربا، إفريقيا، أمريكا اللاتينية، إلا من خلال الثقافة التي تعوض انعدام الثقة بين سياسي بلدان هاته القارات. وقال إن الثقافة هي التي ستعوض موت السياسة، مؤكدا أن السياسة تحتضر لذلك وجب وضع الثقافة في صلب الاهتمام.

الحلف الأطلسي والنظام السياسي الجديد

خلال هذه الجلسة تطرق المتدخلون إلى وضعية حلف الناتو في ظل النظام الجيوسياسي الجديد، وقارب هذا الموضوع كل من ميشيل ندياي، مديرة برنامج السلم والأمن في إفريقيا التابع لمعهد الدراسات حول السلم والأمن، وأحمد ولد عبد الله، الممثل السابق للأمن العام للأمم المتحدة، ببوروندي، إفريقيا الغربية والصومال، ووزير الخارجية الموريتانية سابقا، إلى جانب ج.بيتر فام، المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية لمنطقة البحيرات الكبرى، وبرونو تيرتريس، المدير المساعد لمؤسسة الدراسات الإستراتيجية بفرنسا، وجواو فال ألميدا، السفير ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة.
وأجمع المتدخلون على حاجة العالم إلى الحلف الأطلسي (الناتو)، مع ضرورة إصلاح هذا الحلف. وقالت ميشيل ندياي، إنه بالنظر تعقيدات الساحة العالمية، فإن الحاجة إلى حلف “الناتو” لا تزال شرعية، ولكن عليه مواكبة النسق الجديد. وأوضحت أنه من الصعب اليوم أن نثق في تعددية الأطراف في وقت تنغلق فيه الأمم على نفسها. وأكدت على أن السلم العام مسؤولية الجميع والتحديات أصبحت تتعدى الحدود والدول. وشددت على أنه إن كان هناك من تهديد للناتو فإنه يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية التي تهدد بالانسحاب من الحلف لأسباب مالية.
ويرى أحمدو ولد عبد الله، رئيس الخارجية الموريتانية السابق، أن تراجع الديمقراطية في بعض البلدان المشكلة للناتو، يشكل تهديدا أخر قد يؤدي الناتو ثمنه. وقال إن الحلف أحدث بادئ الأمر لمواجهة الاتحاد السوفياتي، لكن اليوم تغيرت الأمور وعلى الناتو مواجهة التحديات الجديدة.
أما جواو فال ألميدا، فقال إن نوعية التهديدات تغيرت، وأصبحنا اليوم نتحدث عن الجريمة الالكترونية والإرهاب المتصل بعصابات التهريب، لهذا يجب على الناتو أن يتجدد وأن يتأقلم مع المعطيات الجديدة.
وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه ج. بيتر فام، الذي يرى كذلك أن الحلف في حاجة إلى التفاف شعبي، وقال على الناتو أن يتأقلم مع التطورات الأمنية والمناخ السياسي الجديد. مضيفا أن استمرار الحلف بات مصدر قلق للأوروبيين، لدرجة أصبح معها بعض الزعماء يفكرون في قوة أوروبية، لكن هل من شأن قوة من هذا القبيل أن تعوض الناتو، يتساءل المسؤول الأمريكي.
من جهته قال جواو فال، إن اتفاقية لشبونة تنص على أن الناتو هو من يتحمل مسؤولية الأمن الأوروبي، وهذا الأمر لن يتغير حاليا وليس هناك أي مخطط لقوة أوروبية، لكن في نفس الوقت هناك حاجة إلى أن تأخذ أوربا زمام الأمور وعلى أمريكا تشجيعها بهذا الشأن.

البعد الإنساني للهجرة

بالإضافة إلى العديد من الموضوعات قارب المشاركون في جلسات منتدى “حوارات الأطلسي” موضوع الهجرة، وتدخل في هذا الموضوع كل من لويد أكسورتي رئيس المجلس العالمي للمهاجرين، ومونية بوستة كاتبة الدولة في الخارجية المغربية، وعبد الله كوليبالي، رئيس منتدى مؤسسة باماكو (مال)، ثم بيرام ديوب رئيس الأركان العامة لرئيس الجمهورية السنغالية. وماريا تيريزا فيرنانديز دي لافيغا، رئيسة مؤسسة النساء لإفريقيا.
وبالنسبة لماريا تيريزا فيرنانديز دي لافيغا، رئيسة مؤسسة النساء لإفريقيا، فإن اتساع الفوارق في العالم هي السبب الرئيسي للهجرة. وقالت إن الوضع الذي يعيش فيه العالم يعرف اختلالا كبيرا حيث إن 10 في المائة من ساكنة العالم تستحوذ على 90 في المائة من خيراته، وهو وضع يعقد من إمكانية ضبط الهجرة والتحكم فيها.
من جهتها قالت مونية بوستة، إن المقاربة الجيدة يجب أن تكون شاملة والأمن كوحدة لا يمكن أن يحل المشكلة، وأوضحت أن المغرب يتوفر على ثلاث فرق أمنية لمراقبة الحدود لكن هذا لا يمنع استمرار تهريب البضائع مثلا. وأكدت على أن حل معضلة الهجرة يكمن في التنمية والحكامة.
أما عبد الله كوليبالي، فيرى أن هناك إشكاليات تنموية لم يتم حلها في إفريقيا، فالناس يهجرون بلدناهم بسبب انعدام العدل، وهناك في الأصل مشكل حكامة. ويضيف أنه منذ أربعين سنة مضت، كان الأشخاص يذهبون إلى أوربا ويعودون إلى بلدانهم دون تأشيرة، مشيرا إلى أن هناك سياسات تدفع المهاجرين إلى السرية وتشجع عمل مافيات الاتجار في البشر.
ودعا إلى فهم وضعية المهاجرين، من خلال مساعدة المهاجرين، وفهم الأسباب التي تدفعهم للهجرة قصد إيجاد الحلول الملائمة.
من جانبها قاربت ماريا تيريزا فيرناديز دي لافيغا، هذا الموضوع من زاوية أخرى، حيث قالت إن النساء هن المفتاح لفهم ظاهرة الهجرة وإيجاد الحلول، وشددت على ضرورة الحديث إلى النساء لفهم الهجرة. ودعت تيريزا فيرنانديز إلى تقوية التعاون مع بلدان الجنوب. وقالت ” من يمتلك خيرات إفريقيا ومواردها؟، إنهم الأوروبيون، ولذلك على أوربا أن تقوي التعاون الإنساني العادل في إطار الكرامة”.

النظام العالمي وأمريكا

تناولت هذه الجلسة موضوع العلاقات الدولية في ظل بروز أشكال جديدة لتدبير العلاقات بين الدول، وركز المتدخلون في الجلسة على النظام العالمي والنظام الامريكي هذا الأخير الذي يشهد تحولا منذ صعود دونالد ترامب.
وقارب هذا الموضوع، كل روبن بريجتي، عميد مدرسة إليوت للأعمال الدولية التابعة لجامعة جورج واشنطن والسفير السابق للولايات المتحدة الأمريكية لدى الاتحاد الافريقي، الى جانبه نجد نيلام ديو، مؤسسة ومديرة المجلس الهندي للعلاقات الشاملة، وجون ساروس، رئيس سابق لجهاز الاستخبارات البريطانية م إ 6، ووزير الخارجية الفرنسي السابق هوبيرت فيدرين. وأجمع المتدخلون خلال هذه الجلسة على أنه لا خوف على هذا النظام الامريكي العالمي خلال الثلاثين سنة القادمة، رغم المنافسة الشرسة، وتطرقوا إلى طريقة تدبير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعلاقات الخارجية الأمريكية، حيث اعتبر أغلبهم أن الرئيس الأمريكي يثير الحيرة لدى المنتدى الدولي، والذي يقف عاجزا عن فهم هذا الرئيس-الظاهرة، وما قد يترتب لاحقا عن تصريحاته وأفعاله، ويعتقد البعض أن تناقضات الرئيس ترامب تعكس تعلما صعبا لممارسة السلطة.
وتطرق المتدخلون إلى العلاقات الأمريكية الصينية حيث أكدوا أن العالم يحتاج إلى نظام يسوده التعاون يكون مريحا للجميع، لأوربا، وأمريكا اللاتينية، وافريقيا. ودعوا إلى التعاون من أجل إقامة نظام من هذا القبيل، ويرى روبن بريجتي أن مثل هذا الالتئام من شأنه خلق مركز للقيم ومنصة للتواصل في عالم تصبح فيه الولايات المتحدة، الصين وروسيا، دولا قومية. وقال روبن بريجتي، إن المقلق في الأمر ليس هو صعود الصين، بل التخلي التام عن قيمنا الأساسية خلال ممارسة السياسة الخارجية، ويحدث هذا في وقت تتقدم فيه العديد من البلدان وكأن الكل يريد أن ينتزع لقب الديمقراطية.أما جون ساورس، فقال إن السترات الصفر في باريس ومن صوتوا لصالح ترامب هم نفس الأشخاص الذين يساندون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ( بريكسيت)، وهؤلاء يعتقدون أن العولمة تهدد لقمة عيشهم وهم من يتواصلون على منصات التواصل الاجتماعي.

العصر الرقمي والعقد الاجتماعي الجديد

أجمع المتدخلون في هذه الجلسة على الحاجة إلى تعاقد اجتماعي جديد تفرضه التقنيات الحديثة، مع ما يفرضه ذلك من ثقة متبادلة بين الدول والمقاولات والمواطنين، وإلا فلن ينجح هذا التعاقد. وأوضح المتدخلون، وهم سنوجاي جوسشي، رئيس “الاوبزورفر روزيش فونداشين”، وانريكي مانديز بال مؤسس ومدير “أون تينك ثانك”، وليكس أولسون، محامي وأستاذ العلوم السياسية بباريس، أن التهميش قد يطال شعوب افريقيا وعموما شعوب الدول السائدة في طريق النمو، بسبب عدم مواكبتها للتطور السريع للتقنيات الحديثة. واعتبروا أن الولوج الى الانترنيت لم يعد امتياز بل حقا من الحقوق الأساسية.
من جهة أخرى، أشاروا إلى أن التقدم التكنولوجي ساهم بدوره في انعدام الثقة بين الشعوب والحاكمين. وتطرقوا إلى التعاقد الاجتماعي، الذي يعني تقنيا، فرض التزامات على جميع الأطراف، هذا التعاقد يجب أن يكون بين المواطنين أنفسهم، في مرحلة أولى وليس بين المواطنين والماسكين بزمام القرار. وأكدوا أن المعركة الجديدة ستكون حول مراقبة واستغلال المعطيات. لذا يجب على الدول أن تضمن حماية احترام الحياة الفردية وخصوصياتها.

الأزمة المالية العالمية

طرح المتدخلون في هذه الجلسة إشكالية أزمة مالية عالمية مرتقبة وذلك بعد عشر سنوات، على الأزمة المالية العالمية السابقة، حيث كشف المتدخلون عن تخوفات من أزمة مالية عالمية جديدة، بسبب مستويات الاستدانة (الديون العمومية والخاصة) المرتفعة. وخلال الجلسة التي شارك فيها كل من ريم عيادي أستاذة بمدرسة أعمال، وعثمان الفردوس كاتب الدولة المكلفة بالاستثمار، وماريا أوجينا دي أفيلا وزيرة الخارجية السابقة للسلفدور، وأوتا فيانو كانوتو دوس سانطوس فيلهو من كبار الباحثين مركز، وإدوارد سكلونا وزير مالية مالطا، أشار المتدخلون أن زمن القوة الاقتصادية لامريكا قد تخبو بحلول سنة 2020. غير أنه بالنسبة لإدوارد سيكلوتا، فهذا السيناريو مبالغ فيه شيئا ما، وفضل الحديث عن أزمات محتملة لكنها صغيرة وستكون أزمات محلية. هذا فيما يرى عثمان الفردوس، أن أكبر تهديد اليوم للاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، هو شيخوخة الساكنة التي تثقل تمويل صناديق التقاعد. و مع دخول الروبوت إلى مجال الصناعة، ستقل فرص العمل وهو ما سينعكس على الموارد. أما أوتافيانو كانو تو، فقالت إذا حدثت أزمة في الصين، فإنها ستنعكس على العالم، وأضافت أنه إذا تفاقمت ديون المقاولات الصينية فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة يمكنها أن ترخي بظلالها على افريقيا بالنظر إلى أن اقتصادات العديد من دول القارة السمراء تعتمد على تصدير الموارد الأولية إلى الصين.

مبعوث بيان اليوم إلى مراكش: حسن أنفلوس

Related posts

Top