من أجل فضاء عمل بالمغرب خال من العنف والتحرش

ما هي الأهمية التي تكتسيها المصادقة على اتفاقية 190 لمنظمة العمل الدولية للقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل والتوصية 206 التابعة لها في الوقت الراهن؟ كيف هي الطريق لتحقيق فضاء عمل خال من العنف والتحرش؟ ما هي مسؤوليات وأدوار الفاعلين (حكومة وبرلمان وهيئات سياسية ونقابية ومجتمع مدني) للقضاء على العنف والتحرش في أماكن العمل والآليات المعتمدة في الترافع للمصادقة على الاتفاقية في أقرب وقت؟
إنها مجرد أسئلة من ضمن أخرى، قاربتها بالدرس والتحليل، الندوة الرقمية في موضوع “اتفاقية 190 لمنظمة العمل الدولية للقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل والتوصية 206 التابعة لها، بين الواقع وضرورة المصادقة” التي نظمها مؤخرا عن بعد “ائتلاف 190.. من أجل عالم شغل خال من العنف والتحرش’ الذى كان قد أسس بمبادرة من منتدى مساهمات المغرب ومركز التضامن، ويضم جمعيات حقوقية ونسائية ونقابية ومنظمات مهنية.
المصادقة على الاتفاقية 190 إضافة نوعية في مسار الانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان
المشاركات والمشاركون في هذه الندوة، أجمعوا على أن من شأن مصادقة المغرب على هذه الاتفاقية والتوصية التابعة لها، أن يشكل “إضافة نوعية ومرحلة متقدمة” في مسلسل انخراط المملكة في المنظومة الدولية لحقوق الانسان، وهو ما سيساهم في خلق بيئة مواتية في أماكن العمل ويوفر الحماية الضرورية للعاملات والعمال والأشخاص الآخرين في عالم الشغل، لتحقيق الأهداف المرجوة.
وطالب المتدخلات والمتدخلون، في هذا الصدد، الحكومة والبرلمان، بالإسراع بالمصادقة على الاتفاقية 190 والتوصية رقم 206 التابعة لها، مسجلين في ذات الوقت، أن ظاهرة العنف والتحرش في عالم العمل، تنعكس سلبا على المبادرات الرامية الى تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتثبيت أسس الاستقرار والسلم الاجتماعي.
وفي هذا الشأن تدعو منظمة العمل الدولية، في الاتفاقية، كافة الدول، إلى تقوية تدابير الوقاية في عالم العمل، وتعزيز قاعدة المعرفة بشأن العنف والتحرش في عالم العمل، وضمان وصول المتعرضين والمتعرضات إلى العنف والتحرش إلى العدالة والإنصاف والتعويض بأمن وسهولة.

19 في المائة من العاملات بالعالم العربي يتعرضن للتحرش والعنف

وأشارت التونسية هند شروق عن مركز التضامن، في تدخلها في الندوة، التي تولت تنسيق فقراتها ليلى مجدولي الأمينة العامة لمركز التضامن النسوي، إلى أن 19 في المائة من العاملات والعمال بالعالم العربي يتعرضن للتحرش والعنف في عالم الشغل، داعية النقابات والمجتمع المدني إلى مناهضة كافة أشكال العنف والتحرش بأماكن العمل وضمان احترام كرامة كل الأشخاص داخل فضاء الشغل.
ومن أجل الوقوف على أشكال العنف والتحرش في عالم العمل وتأثيراته وكيفية معالجته، أشارت المتدخلة إلى أن مركز التضامن، أنجز دراستين حول “العنف المبني على النوع الاجتماعي في العالم العربي في عالم العمل” بكل من المغرب بتعاون مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وتونس مع الاتحاد العام للشغل، فضلا عن تنظيم، في مرحلة أولى، دورات وورشات تدريبية مع اتخاذ مبادرات من أجل تشخيص واقع العنف والتحرش في المنطقة العربية.

بناء تحالفات مجتمعية تساهم في الإسراع بالمصادقة على الاتفاقية

بيد أن بناء تحالفات بين منظمات المجتمع المدني، عامل يساهم في “الضغط” من أجل المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية والتوصية الملحقة بها، وهذا ما يتقاطع مع رأي الحقوقية الأردنية هند عمار الطراونة التي شددت من جانبها على ضرورة تظافر جهود كافة الفعاليات خاصة المنظمات الأهلية والعمالية من أجل مناهضة العنف والتحرش، والعمل على توجيه “رسالة موحدة” وإعداد استراتيجيات إعلامية وتواصلية واضحة المعالم للوصول إلى أكبر عدد من أماكن المعامل وممارسة الضغط الفعال لمصادقة البلدان العربية على الاتفاقية والتوصية في أقرب وقت.
وعلى الرغم من مرور أزيد من سنة على إقرار الاتفاقية 190 والتوصية رقم 206، فإن من الملاحظ أن أيا من الحكومات أو البرلمانات العربية، لم تبادر لحد الآن إلى المصادقة على هذه الاتفاقية التي تدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد المصادقة عليها من قبل دولتين.
غير أن الطراونة عبرت مع ذلك عن الأمل في أن يكون العام المقبل، فرصة جديدة لكي تصادق ولو دولة واحدة على هذه الاتفاقية، وهو ما يتطلب من الحركة النقابية والمدنية – في نظرها – “جهدا كبيرا ومضاعفا” من طرف كافة الفاعلين لتحقيق ذلك.

في الحاجة إلى استراتيجية جنائية
موحدة لمقاربة العنف والتحرش

وعلى المستوى الرسمي، أشار رشيد مزيان، عن وزارة العدل، إلى أن مضامين الاتفاقية “مدرجة في التشريع الوطني، وفي مقدمته القانون الجنائي” الذي ينص على جريمة التحرش الجنسي وعرفها وحدد عقوبتها، مبرزا أهمية التوعية والتحسيس بحقوق المرأة وتبسيط إجراءات التبليغ عن التحرش والعنف وحماية الشهود والمبلغين والارتقاء بالتدابير الوقائية، وهو ما يتطلب – في رأيه – اعتماد استراتيجية جنائية توحد مقاربة العنف والتحرش ضد النساء ومنها داخل أماكن العمل عوض أن يظل موضوع هذه الجريمة متفرقة ومشتتة في نصوص قانونية متعددة.
وإذا كانت الحركة النقابية ومنظمات المجتمع المدني، قد راكمت عدة تجارب فضلى، خاصة ما يتعلق بالترافع والنهوض بحقوق المرأة، فإن المسؤول بوزارة العدل، شدد على ضرورة إدراج خلاصات كل المبادرات ضمن سياسات عمومية، تكفل حقوق العاملات والعمال داخل أماكن العمل مع إدماج مقاربة النوع في كل القطاعات لتعزيز الحقوق النساء.
أما السعدية وضاح رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء سطات للمجلس الوطني لحقوق الانسان، فعبرت عن اعتقادها الراسخ بأن المصادقة على الاتفاقية “ستشكل فرصة كبيرة لوضع حد للانتهاكات الجارية في أماكن العمل”. وقالت إن اتفاقية 190 “تقدم حلولا ناجعة لمعالجة ظاهرة العنف والتحرش في فضاء العمل فضلا عن توفير سبل الحماية والإنصاف والوقائية”.

تأثيرات متبادلة بين العنف المنزلي والعنف بأماكن العمل والحاجة لتعريف قانوني للتحرش

وبعدما استفاضت في الحديث عن مضامين الاتفاقية وانعكاساتها الإيجابية، على ضوء التزامات الدول والحكومات وأرباب العمل وما توفره من وسائل الإثبات والتحقيق والدعم لفائدة ضحايا العنف والتحرش، قالت السعدية وضاح، إن “هناك تقاطعا بين العنف المنزلي والعنف بالعمل” الذي فاقمت جائحة كوفيد 19 من حدته سواء في وحدات الإنتاج أو بأماكن السكن.
من جهته أثار الفاعل الحقوقي المحامي علي عمار، الانتباه إلى أهمية تعريف التحرش الذي يبنى في غالب الأحيان على النوع وينصب مدلوله على الجانب الجنسي ملاحظا النقص الذي يعاني منه التشريع الجنائي المغربي في هذا المجال منه تغييب المفاهيم والتعاريف المتعلقة بالتحرش، مما يترك الباب مشرعا للاجتهاد والتأويل.
وأكد على أنه من الصعوبة بما كان حصر كافة الأفعال التي يمكن أن تشكل تحرشا. وساق في هذا الصدد مثالا ربطه بظرفية وتداعيات كوفيد 19 والأزمة الاقتصادية المرتبطة به التي أبانت – الدراسات والتقارير الدولية والوطنية أن حدة ومخاطر العنف والتحرش تزيد في عالم الشغل في ظل هذه الجائحة.
ويرى المتدخل ذاته، أن عدم تقيد صاحب المعمل بتدابير الحجر الصحي، والتقيد بتدابير السلامة بأماكن العمل والتوقف عن أداء أجور العمال، أو تأخير صرفها “يعد تحرشا، وعنفا وتهيجا” للعاملات والعمال بفضاءات الشغل.

هل يؤدي التصديق على الاتفاقية
إلى وقف العنف والتحرش؟

أما الباحث في العلوم الإنسانية الحبيب قابو رئيس جمعية الأوراش المغربية للشباب فتساءل في بداية مداخلته هل يمكن أن يؤدي التصديق على اتفاقية 190 بمفرده إلى وقف العنف والتحرش؟ فأجاب بأن الترافع من أجل المصادقة على الاتفاقية هو “بداية لعمل بيداغوجي وثقافي طويل الأمد” والذي يتعين تعزيزه بالمطالبة بتوسيع الحماية الاجتماعية للعاملات والعمال والفئات الهشة، مع إعادة بناء التحالفات بين النقابات والمجتمع المدني وفق قواعد جديدة.
إلا أن مناهضة العنف والتحرش بفضاءات الشغل، الذي يعد شكلا من أشكال التمييز، يتطلب عملا متواصلا وقوانين شاملة، مقرونة بمقاربات متعددة المداخل، وهو ما توفره اتفاقية 190 التي تنص على ضرورة ضمان الحماية، على النحو المحدد في القوانين والممارسات الوطنية. وتشمل هذه الاتفاقية كل الذين يعملون بصفة عامة، بغض النظر عن أوضاعهم التعاقدية، والأشخاص تحت التدريب في العمل، من عمال وعاملات ممن انهيت خدماتهم، والمتطوعين والمتطوعات، والباحثين والباحثات عن عمل، والمتقدمين والمتقدمات إلى وظائف، والأفراد الذين يمارسون سلطة، واجبات، أو مسؤوليات صاحب وصاحبة العمل.

العمال بالقطاع غير المهيكل غالبيتهم نساء والأكثر تعرضا للعنف والتحرش

إذن هذه الاتفاقية “فرصة لا يمكن تضييعها” حاليا، كما لمحت إلى ذلك مريم بالحسين عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في تعقيبها على المداخلات والتي دعت خلاله الي تحيين المعطيات المتعلقة بالعنف والتحرش الذي يتعرضن إليه 16 في المائة من النساء وفق إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط. وفي نفس الإطار قالت أسماء لمراني عن الاتحاد التقدمي لنساء المغرب التابع للاتحاد المغربي للشغل، إن النساء يكن باستمرار أكثر عرضة للعنف والتحرش لعدة أسباب، منها انعدام المساواة والضغط الاجتماعي والاختلالات الحاصلة في علاقات الشغل.
وإذا كانت الإحصائيات تفيد بأن النساء يشكلن العدد الأكبر من العمال بالقطاع غير المهيكل، فإنهن يتعرضن أكثر ليس فقط للعنف والتحرش، وإنما أيضا لحوادث الشغل والأمراض المهنية، وللاستغلال في هزالة الأجور وضعف الحماية الاجتماعية.
وأعلنت البرلمانية ثريا لحرش منسقة الائتلاف رئيسة جمعية منتدى مساهمات المغرب في ختام هذه الندوة التي تندرج ضمن سلسلة اللقاءات والندوات المنظمة بمناسبة الاحتفال بمرور سنة على اتفاقية 190 والذكرى المئوية لتأسيس منظمة العمل الدولية، أن المذكرة الترافعية للائتلاف التي تحث على الإسراع بالمصادقة على الاتفاقية والتوصية الملحقة بها، سيشرع من الأسبوع المقبل في تقديمها إلى مختلف المؤسسات الحكومية والبرلمانية وهيئات الحكامة والقطاعات والمنظمات ذات الصلة.
وكان الائتلاف قد نظم في 30 يونيو الماضي الندوة الأولى حول ذات الموضوع المنظمة بمشاركة ممثلين عن كل من الأمم المتحدة للسكان والكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب ووزارة الشغل والإدماج المهني، وجمعيات ومنظمات نقابية وحقوقية ونسائية.

< بقلم: جمال المحافظ

Related posts

Top