من الشطط الثقافي إلى الانتقال الثقافي

لم تكن الثقافة، يوما، أولوية في الاختيارات الرسمية، بقدر ما كانت ومازالت جزءا ثانويا في المشهد العام، ماليا وموضوعيا. ورغم ذلك كانت هذه الثقافة، دوما، الوجه المضيئ لمغرب متعدد المداخل بفضل جهود ذاتية لمثقفين رسخوا أسماءهم عربيا ودوليا، فلا يذكرون إلا مقترنين بالمغرب (المفكر المغربي، الروائي المغربي، الشاعر المغربي، المؤرخ المغربي…) ليكون الوطن بذلك، ودون منة من أحد، اسما مدونا في الثقافة الكونية.
إيجابية ما سبق كانت تصاحبها انكسارات كثيرة للأفراد والهيئات بصورة تكشف عن غبن كبير، يصل درجة الشطط الذي مورس في حقهم بسياسة ثقافية كسيحة وعشوائية، ليس آخرها إلغاء جائزة المغرب، و(جرجرة) الفائزين بها في ردهات المحاكم، أو تهجير المعرض الدولي للكتاب من فضاء مهده الأصلي (الدار البيضاء) إلى الرباط بدون مسوغ موضوعي، وبتجاهل تام للمثقفين وآرائهم في عز الاحتفاء بمبادئ الديمقراطية التشاركية وآلياتها.
إنه شطط المواقف الذي يحتاج إلى جبر لضرر ما يفتأ يتنامى؛ إذ يعلم المهتمون أن مراحل الشطط والتعسف تنتهي، دوما، بانتقال يبحث عن أفق رحب يفتح باب التفاؤل الذي يخدم الأفراد والمجتمعات.
انطلاقا من هذه الرؤية الإيجابية لمسار الأمور، فإن المرصد المغربي للثقافة يؤمن بأن الثقافة ليست ترفا فكريا وإبداعيا، وأنها رأسمال الأمم التي بها تتمثلها الشعوب الأخرى، وبها يدون التاريح، وتفعل القيم، وتحل المشاكل، وتنتج السلوكات دلالاتها ومعانيها، وأنها غير مقيدة بالمواقف السياسية الظرفية والشخصية التي قد تعرقل وتؤجل، لكنها لن تستطيع الإلغاء التام للمثقف وأدواره. ونحن نعتقد أن الاختيارات الرسمية، اليوم، في المجال الثقافي تغلب عليها الأفعال ذاتها التي مورست سنوات وصفت في أدبيات الانتقال الديمقراطي بالقهر والضرر والشطط، وأنها قوبلت بجبهة واسعة رافعت ودافعت عن انتقال يحقق العدالة، ويفعل الإنصاف,
إن المغرب الثقافي في حاجة اليوم إلى انتقال ثقافي يصحح انزياحات كثيرة، ويستعير آليات الانتقال الديمقراطي كي لا تزداد حدة الانتكاسات، والكفر بالثقافة، لكن ذلك غير ممكن خارج تفاعل إرادتين: إرادة الفاعلين الثقافيين من كتاب ومبدعين وباحثين، وإرادة المسؤولين عن الشأن الثقافي الذين يبتعدون كل يوم عن التدبير العقلاني للقطاع، ويجعلون فرض الأمر الواقع قاعدة سلوكية، والمواقف الفردية جلبابا واسعا للاختيارات التي لا ترى إلا ذاتها، ومصالحها.
الإرادة الأولى مشروطة بالثانية، لكنها مقيدة ذاتيا بما ينبغي أن يعيد للمثقف أدواره الطبيعية المتشاكلة مع قيم الجرأة والإفصاح عن الموقف، وتجاوز الذوات القاتلة، والمصالح الفردية التافهة. -أما الإرادة الثانية فمشروطة بالنضج السياسي، والحسين الوطني والتاريحي كي يتجاوز المغرب عسرا مفروضا، ومعوقات غير مستساغة… فهل من عقلاء؟؟

بقلم: جمال بندحمان

Related posts

Top