من دروس الرحيل…

شهدت أيام الشهر الفضيل هذه رحيل قامات إعلامية وطنية كانت لها مواقعها المتميزة في سجل مهنتنا، وتركت وفاتها أسى عميقا في مشهدنا الإعلامي والسياسي والمجتمعي.
المناضل السياسي التقدمي والحقوقي والسفير والوزير خالد الناصري، وهو أيضا كاتب صحفي ومحلل سياسي، خليل الهاشمي الإدريسي، الصحفي وكاتب الإفتتاحيات والناشر ومدير وكالة المغرب العربي للأنباء، عبد الله العمراني، الصحفي والكاتب والناشر، امحمد العزاوي، أحد رواد وكبار الإعلام الرياضي الإذاعي…
الرحيل كان رزءا وخسارة، وأجبرنا كلنا على التأمل في واقع مهنتنا والخشية على مستقبلها.
رحيل هؤلاء الكبار جعلنا أيضا نستحضر آخرين من قيمتهم رحلوا قبلهم، ونتذكر منجزهم المهني وسيرتهم الإنسانية والإعلامية، ثم نضع اليد على القلب خوفا على مهنتنا وبلادنا من المستقبل.
لم يكن الراحلون من تيار فكري واحد، ولم تكن لهم نفس المرجعيات وزوايا النظر، بل كانوا أحيانا يخوضون سجالات ساخنة فيما بينهم، ولكن في الاختلاف كانت تبرز كفاءتهم المهنية وجدارتهم الثقافية، ويستفيد مشهدنا السياسي والمجتمعي من حيوية هذا الحوار العمومي التعددي، وتحضر الجودة المهنية.
من المؤكد أن السياقات ليست نفسها، وأيضا الرهانات، ولكن رحيلهم اليوم يحثنا على الإمساك بتحدي الجودة في صحافتنا الوطنية، والسعي إلى صيانة المصداقية المهنية، والتمعن فيما يطرحه أمامنا درس هذا الفراق الأليم.
مهنتنا في حاجة اليوم إلى أن يمتلك ممارسوها التكوين الضروري، وأيضا المعرفة العامة، والحرص على القراءة والتعلم باستمرار، والأهم شغف ممارسة الصحافة.
مهنتنا اليوم في حاجة كذلك إلى ترسيخ التعددية داخلها، وتوضيح التمايز بين خطوط التحرير، وتمتين العمق.
مهنتنا اليوم، قبل كل هذا وبعده، في حاجة إلى تقديرها وتثمين دورها ومكانتها في المجتمع، والإبتعاد بها عن التتفيه والرداءة.
هذه أهم دروس الرحيل الفاجع لزملاء كبار شيعناهم تباعا في هذا الشهر الكريم.
عندما نستعرض ما يلف مهنتنا وشؤونها هذه الأيام، وما يحاك ضدها، والكثير من الجهل والبلادة وقصر النظر الذي يقترفه مسؤولون لهم صلة بقضاياها، وأيضا بعض المحسوبين على القبيلة، نتحسر فعلا على زمن آخر عاش فيه الكبار الذين رحلوا، ونقبض على قلوبنا خوفا أن تنقرض الصحافة، وأن تصحو بلادنا قريبا وهي بلا إعلام وطني مهني وجدي وذي مصداقية.
الرقي بالصحافة الوطنية وتمتين جودتها وأثرها لن يكون عبر الحسابات والأنانيات الصغيرة جدا، ولن يتحقق عن طريق الذين لا يرون أبعد من أنوفهم، ولكن يجب أن نسعى إليه بالجدية والرصانة وبعد النظر، وأساسا بالحرص على احترام القانون.
كل الراحلين هذا الشهر، وفضلا عن سيرتهم المهنية، كانت لهم أدوار في التفكير الجماعي لمستقبل المهنة، وتولوا مسؤوليات في الهيئات المهنية، ومنهم من تحمل مسؤوليات عمومية أو حكومية أو ديبلوماسية، وجميعهم أيضا عرفوا بتكوينهم السياسي وانشغالاتهم الثقافية والفكرية، علاوة على درايتهم وخبرتهم المهنية، ولذلك هم كانوا دائما حاضرين ومساهمين في تطوير القطاع وصياغة الاقتراحات والرؤى والتصورات، وهذا ما يجب الإمساك به اليوم أيضا، أي الإنصات لمثل هؤلاء، وتفعيل وتقوية الحوار والتعاون والشراكة بين السلطات العمومية والمنظمات المهنية الجادة، والتي تضم كفاءات مهنية صادقة تمتلك الرأي وبعد النظر.
ليس من مصلحة مهنتنا تجريدها من العارفين بشؤونها، وإبرازها خاوية وبلهاء وبلا أي أفق.
في تشييع الراحلين حضر العديدون، وقدمت كثير شهادات وحقائق، وكانت الجنائز فعلا معبرة عن مكانة الذين خسرناهم، وهذا أكبر درس للحاضر، أي لنحرص كلنا على أن تحافظ مهنتنا على كفاءاتها، وألا نقتل الشغف والتفاؤل والبذل داخلها وحواليها.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top