مواقع التواصل الاجتماعي 

عاد الحديث في الأيام الأخيرة حول مواقع التواصل الاجتماعي وما تشهده من انزلاقات بشأن التشهير بأشخاص واستهداف حياتهم الخاصة والمس بكرامتهم.
وحتى لما تبين للكثيرين مثلا أن الشخص موضوع الحملة الأخيرة ليس هو مسؤول مؤسسة عمومية كبرى، كما روج لذلك على نطاق واسع، فقد واصل البعض التركيز عليه والتعليق على وقائع تبين أنه لا علاقة له بها.
نؤكد بداية أن التطور التكنولوجي وسهولة الولوج إلى تقنيات الاتصالات أتاحا للعديدين فرص التعبير عن آرائهم والتعريف بمشاكل وقضايا والترافع من أجلها والتعبئة لفائدتها، ومن ثم تلعب مواقع التواصل الاجتماعي، بمختلف منصاتها ومحركاتها العالمية، دور الداعم والمساند لنضالات عديد فئات، ولكن مع ذلك توجد مخاطر  وتهديدات تشمل ترويج الكراهية والعنف والتطرف، ومناهضة الحرية والاختلاف، وأيضا الاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد والمس بكرامتهم.
عندنا، كما في بلدان أخرى، يلاحظ الجميع تنامي عدد الصفحات والحسابات، خصوصا على الفايسبوك، والتي لا تنشغل سوى بالسب والقذف وتلفيق التهم لأشخاص محددين والمس بكرامتهم، وذلك، في الغالب، بلغة منحطة، ومن دون أي التزام بقواعد الكتابة أو مقومات احترام القانون.
ويجري تبادل هذه الكتابات بين آلاف الأشخاص وتناقلها وتحميلها، وأحيانا ينجم عنها ضرر كبير للمستهدفين بها، ويصل حد إصدار “حكم بالإعدام” في حقهم، من دون أي محاكمة أو منحهم حق الدفاع عن أنفسهم.
هناك حالات من هذه الشاكلة عرفت كقضايا وطنية، ولكن أيضا هناك صفحات وحسابات ذات طبيعة محلية يجري استخدامها ضد منتخبين أو مسؤولين محليين، أو لتصفية حسابات صغيرة أو لممارسة الابتزاز.
أغلب مقترفي هذه السلوكات، إن لم نقل كلهم، ليسوا صحفيين مهنيين، ومن ثم هم لا يخضعون لأدبيات المهنة وقواعدها، وأيضا لا تنطبق عليهم القوانين والإجراءات والمساطر المعمول بها تجاه الصحافة والصحفيين، وهذا يجعل الكثيرين منهم ضمن دوائر لوبيات الريع والفساد بالمناطق والأقاليم، أو أدوات لدى جهات أخرى تصفي عبرها منافسيها.
لن يكون المنع والزجر حلا للقضاء على تداعيات هذه الظاهرة، ولكن في نفس الوقت تطبيق القانون في حق بعض هؤلاء دون أن يشمل ذلك آخرين، والتعاطي مع الخروقات بانتقائية هو ما يتيح تفاقم الظاهرة وانتعاشها.
يعني أن السلطات الإدارية والقضائية، محليا ووطنيا، يبقى، مع ذلك، لها دور مهم في فرض احترام القانون على الجميع، وحماية الحياة الخاصة لكل الأشخاص وحفظ كرامتهم وحقوقهم.
من جهة ثانية، يجب دعم الصحافة المهنية والأخلاقية، ومساندة المؤسسات الإعلامية الوطنية ذات المصداقية، حتى يغلب الجيد المبتذل والأسوأ، والحرص على تحفيز القراءة وسط مجتمعنا وشبابنا، وانخراط الدولة في ذلك، إلى جانب المهنيين ومؤسساتهم التمثيلية، بما يتيح لبلادنا امتلاك إعلام وطني مهني وجاد ومسؤول.
وعلى صعيد المجتمع كذلك، لا بد أن تنخرط كل مؤسسات التنشئة والوساطة في الورش التربوي التأهيلي، وخصوصا المدرسة التي يجب أن تقود جهدا استراتيجيا للتربية على الإعلام، وتمكين التلاميذ والطلبة والمدرسين من وعي إعلامي وحقوقي يستطيع الارتقاء بقدراتهم، وفِي نفس الوقت تكوينهم بتربية حقوقية متشبعة بقيم الحرية والاختلاف والمساواة.
إن مواقع التواصل الاجتماعي بقدر ما تيسر التواصل بين الأفراد والشعوب، وتسهل تبادل الأخبار والمعارف، فإنها من دون مواكبة تثقيفية وتكوينية وتوعوية من شأنها أن تتحول إلى منصات للكراهية والابتزاز، وتروج للعنف والتطرف والانغلاق، وأيضا تهدد حرية التعبير نفسها.
صحيح أن الجدلية صعبة ومعقدة، لكن الواقع اليوم لا يخلو من مخاطر، ويجب تفعيل تفكير جماعي، بمساهمة المهنيين والحقوقيين وفعاليات علم الاجتماع والتربية، لصياغة مداخل مناسبة للتقليل من هذه المخاطر.

*محتات‭ ‬الرقاص

Related posts

Top