موسم الهجرة من الداخلة إلى جزر الكناري

تشهد الأقاليم الجنوبية للمغرب موجة غير مسبوقة من الهجرة غير النظامية لاسيما من مدينة الداخلة صوب جزر الكناري غير البعيدة عن التراب المغربي، والتي تقطع مسافتها شبكات تنظيم الهجرة على متن قوارب الصيد البحري التقليدي، المسروقة أو المصنوعة بدون رخصة قانونية من قبل السلطات المختصة.
وبحسب مصادر جريدة بيان اليوم فإن كل شخص مرشح للهجرة غير النظامية مطالب بدفع ما بين 5000 و50 ألف درهم للشبكة، وبعد استيفاء العدد المحدد يتم تحديد زمكان الانطلاق، بعد تزويد القارب بمحركين؛ الأول يتم تشغيله أثناء الرحلة، والآخر يوضع كاحتياطي.
وتعتبر قرية الصيد التقليدي “لاساركا” نقطة انطلاق رحلات الهجرة غير النظامية، باعتبارها القريبة من مسار الطريق نحو جزر الكناري المتاخمة لجنوب المغرب، والتي لا تبعد (لاساركا) عن وسط مدينة الداخلة إلا بحوالي 10 كلم (كما تبعد “امطلان” بـ 111 كلم شمال شبه جزيرة الداخلة، و”لبويردة” بـ 130 كلم جنوب الداخلة، و”نتيرفت” بـ 65 كلم شمال الداخلة).
وتتحدد جزر الكناري في؛ “غران كناري”، و”تنريف”، و”لانزاروت”، و”فويرتيفنتورا”، و”لاس بالماس”، و”لاجوميرا”، و”الإيرو”، والتي تبعد عن المغرب بما يقارب 483 كلم يتم قطعها فوق أمواج المحيط الأطلسي في أزيد من 51 ساعة.
وتشكل هذه الموجة الجديدة من الهجرة غير النظامية بين الداخلة وجزر الكناري -إلى جانب ملفات؛ إغلاق معبري سبتة ومليلية السليبتين، وترسيم الحدود البحرية، والصحراء المغربية- أزمة دبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، تتجلى في التأجيل غير المسمى لاجتماع اللجنة العليا المشتركة للبلدين، بعدما كان مقررا تنظيمه في 17 دجنبر 2020، ثم فبراير 2021.
وأثارت هذه الموجة من الهجرة غير النظامية للأطفال والمراهقين والشباب والنساء، حنق الإسبان الذين وصل بعناصر حرسهم الأمني إلى الاعتداء على المهاجرين غير النظاميين القاصرين، دفعت بوزارة الخارجية المغربية إلى استدعاء السفير الإسباني بالرباط لاستفساره حول الواقعة التي استنكرتها جمعيات المجتمع المدني بالمغرب وإسبانيا.
وفي هذا الصدد، تطرح العديد من الأسئلة حول سبب عودة الهجرة غير النظامية من جنوب المغرب إلى جزر الكناري ومن ثم إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي بعدما كانت قد انقطعت منذ سنة 2006؟ وهل بالفعل توظف الرباط أجندة الهجرة غير النظامية للضغط سياسيا على مدريد وبروكسيل؟

الشباب المغربي.. بين انسداد الأفق والحلم الأوروبي

لا حديث بين ساكنة الداخلة المهتمة بالشأن المحلي إلا عن ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة على مستوى المحيط الأطلسي.
ويكثر النقاش حول الظاهرة في صفوف المهنيين في الصيد البحري، على اعتبارهم أكثر احتكاكا بالظاهرة، طالما أن شبكات الهجرة تستخدم قوارب الصيد البحري التي يتم سرقتها بقريات الصيد بهذا الخليج المغربي، أو تلك التي تتم صناعتها بشكل غير قانوني.
وبحسب مجموعة من مصادر بيان اليوم في قطاع الصيد البحري فإن الظاهرة انخفضت نسبيا بداية السنة الجارية، بفعل تقلب أحوال الطقس، حيث يعرف المحيط الأطلسي بأمواجه العالية خلال فترتي الخريف والشتاء، وهو ما يؤدي إلى توقف حركة قوارب الصيد، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، تعرف الداخلة مؤخرا، تشديدا أمنيا من خلال مراقبة التحركات المشبوهة بالقرب من قريات الصيد البحري التقليدي، فضلا عن إطلاق الولاية الأمنية لحملة واسعة بشوارع ومقاهي المدينة للتحقق من هويات المواطنين، بحسب ما أصرت به مصادر بيان اليوم.
وفي سياق متصل، وقفت الجريدة خلال زيارتها الميدانية للمدينة، على تشديد المراقبة على مدخل المدينة من خلال السدود الأمنية، إلى جانب إضافة سد أمني جديد بعدما كانت ثلاثة نقط تفتيش فقط (40 كلم، 25 كلم، 10 كلم)، حيث يستمر الاشتغال بهم 24H/24.
وكشفت مصادرنا بأن تحركات شبكات الهجرة غير النظامية تكون بالمدينة أثناء فترة الفجر والصباح الباكر قبيل شروق الشمس، حيث يتم نقل المرشحين للهجرة على متن سيارات خاصة، نحو نقط انطلاق القوارب بقرية الصيد “لاساركا” بالأساس، وذلك للخروج مع الفوج الأول من قوارب الصيد البحري التقليدي، تخفيا من مراقبة القوات البحرية الملكية المغربية، قبل أن يؤمنوا عبورهم بالوصول إلى المياه الدولية منفلتين من المراقبة.
وارتفع عدد المرشحين للهجرة بالمدينة، حيث يشد العديد من الشباب الرحال إلى الداخلة برا أو جوا، أملا في تأمين مكان بقارب بحري للعبور نحو جزر الكناري.
وبحسب العديد من المرشحين للهجرة في صفوف الإناث والذكور، فإن سبب الهجرة واحد، وهو انسداد الأفق بالمغرب، ليبقى الحلم الأوروبي الرهان الواحد لتأمين المستقبل، خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية لجائحة كوفيد 19 التي أرخت بظلالها على الوضع الاجتماعي بالمغرب.
واستنادا إلى آخر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط حول معدل البطالة بالمغرب، فإن الرقم قد قفز إلى 11.9 في المائة خلال 2020، بعدما سجل 9.2 في المائة برسم سنة 2019.
مكرهة على الهجرة

ووراء كل شاب وشابة مرشحين للهجرة قصة بطعم المعاناة والعلقم، كانت السبب في دفعهم لاختيار المغامرة المميتة فوق أمواج يم الأطلسي، والشابة فاطمة الزهراء (27 سنة) من مواليد الدار البيضاء، واحدة من الباحثات عن فرصة للعبور نحو أوروبا لتغيير وضعها الاجتماعي والاقتصادي الذي فشلت في تحسينه بالمغرب لعدة اعتبارات.
وقالت فاطمة الزهراء، إنها تتواجد بالداخلة منذ 15 يوما، أتت باحثة عن الهجرة إلى جزر الكناري، وهذه محاولتها الثالثة بعد الأولى والثانية، مشيرة إلى أنها تفكر في الذهاب إلى أوروبا “لأن لا شيء يتوفر في هذه البلاد”.
وكشفت فاطمة في حديثها مع جريدة بيان اليوم، غياب فرص العمل بالمغرب “لدي 3 ديبلومات ولكن لم أجد بهم عملا قارا، فأينما ذهبت يقولون لي اتركي لنا رقم هاتفك وسنتصل بك، ولكنهم لا يتصلون”.
وذكرت بأنها أصبحت تبحث عن وظيفة عاملة نظافة (Femme de ménage) لكنها لم تجدها في المغرب، “لهذا يجب أن أهاجر، يجب أن أذهب إلى أوروبا لأنها تستقبل جميع من يرغب في العمل، على الأقل أي شيء متوفر بأوروبا على عكس المغرب”.
وأشارت فاطمة الزهراء إلى أنه بالرغم من علمها بخطر الهجرة من الداخلة إلى جزر الكناري، التي قد تكون نتيجتها الموت، إلا أنها تفكر في الهجرة من المغرب، وأصبحت مؤمنة بهذه الفكرة، بحثا منها عن مستقبلها في الأراضي الأوروبية.
وشدت فاطمة الزهراء الرحال إلى الداخلة، بعدما سمعت بأن الجميع يهاجر من هذه المدينة، و”أتيت أنا أيضا لأجرب حظي بالرغم من أن أبي وأمي رفضا الفكرة، ولدي ابنتين متطلقة بهما، فأرى أنني أضيع وقتي وأضيع مستقبل طفلتاي معي، لهذا قلت في قرارة نفسي إنني في حاجة إلى الهجرة، حتى لا يراني أحد وأنا أتعذب هنا”، تقول المتحدثة.
وختمت الشابة البيضاوية تصريحها لبيان اليوم بالقول إنها “مكرهة على خيار الهجرة، وتتمنى لو تبقى بالقرب من ابنتيها ومن والديها ولكن لا يوجد من يساعدها على تحسين وضعها الاجتماعي”، موضحة أن المهرب طلب منها 5 ملايين سنتيم، “إذ من الممكن أن يكون نصابا، أو مهربا بالفعل سيبعثك في زورق يتوقف بك في منتصف الطريق، مع تيسير الله وصافي”.
إصرار على العبور

من جهته، عبر هشام (24 سنة) ابن عين حرودة، عن معاناته وهو يعيش بالمغرب، مشيرا إلى أنه يتواجد بالداخلة حوالي شهر و15 يوما، قدم إليها من أجل البحث عن الهجرة نحو جزر الكناري، بالرغم من الظروف المزرية التي يتواجد بها حاليا من حيث انتشار وباء كورونا، إلى جانب الحراسة المشددة بالمدينة من قبل عناصر الأمن، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ثمن الهجرة على متن القوارب والزوارق البحرية.
وأوضح هشام لبيان اليوم، أن لا أحد يختار طريق المعاناة، ولكن للوصول إلى هدفك فأنت في حاجة إلى أن تؤدي الثمن، ولا شيء يأتي بالمجان. وحول مفاوضاته مع المهرب، قال إنه عرض عليه 5 آلاف درهم من أجل تأمين عبوره نحو الضفة الأخرى، غير أنه لا زال يدعوه إلى الانتظار قليلا.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أنه يكتري إلى جانب شباب آخرين محلا بالداخلة، حيث لا زالوا صابرين ومكافحين إلى حين الوقت المعلوم، مشددا “سنهاجر سنهاجر مهما كان الثمن، خلاصة القول سنموت أو سيأكلنا الحوت”.
من جانبه، قال محمد (27 سنة) ابن عين حرودة، إن رحمة الله واسعة، لتحقيق الحلم الأوروبي، مؤكدا أن الله لن يخيبه في الوصول إلى جزر الكناري والاشتغال على الهدف الذي يصبو إليه، معتبرا العيب هو الذهاب إلى أوروبا لإداية نفسه والآخرين “كون راجل تعيش راجل تالموت”.
وأوضح محمد للجريدة، بأن الذي يدفعه إلى الهجرة، هو الوضع الذي يعيش فيه “الله غالب، المواطن مضرور” بحسب وصفه، مردفا بأن “الجميع يراقب بعينيه الذي يحدث، ونحن لا نبحث عن أي شيء”.
وشدد محمد بأن الذي يريده الشاب المغربي، هو توفير “ظروف مواتية للتعليم، وخدمات صحية جيدة، وراتب عمل محترم لضمان الحد الأدنى من العيش إذا فكرت في الزواج وإنجاب الأولاد”.
واستطرد المتحدث قائلا: “نحن الآن في بلدنا لا إله إلا الله، نعيش على قدر المستطاع، ونرى الكثير من الناس يعيشون في مآسي كبيرة، ولهذا، أصبحنا نفكر في الهجرة لأن هذا هو الحل من أجل تحقيق أشياء جميلة”.
وأبرز بأن هدفه من الهجرة هو النظر إلى وجه والديه وهما في حالة جيدة، للافتخار بإنجازه بالبحث عن وضع لم يستطع المغرب أن يحققه له، متسائلا: “لماذا بلادي تتركني للذهاب إلى أماكن أخرى –حشومة !”.
وأوضح بأنه إذا كانت ظروف الحياة متوفرة بشكل جيد في المغرب، لن يفكر في الهجرة ولظل بجانب أفراد عائلته، “ولكن الله غالب، فإذا كنت ستعيش في بلادك ما بين 15 و20 سنة من أجل العمل وتحقيق التوازن ليس إلا، فمن الأفضل أن تهاجر وتصبر 10 سنوات على الأكثر لتحقيق مشروعك، المهم أن تضعه نصب أعينك، فالأكيد أنك ستصل إليه”.
وأشار محمد إلى أنه مغربي إلى أبد “ولن أقول إنني لست مغربيا، بل نحن مغاربة أينما وجدنا، مغربي إلى الموت ولكن الله غالب، نرغب نحن أيضا في العيش، وتحسين وضعيتنا”.
وبما أنه يفكر في الزواج، فإنه يطمح لأن يحقق لأبنائه وضعية اجتماعية جيدة، إذ يرفض أن يبعث ابنه إلى المدرسة ويأتيه “مطمس” (غير متعلم)، “فأين هو الأستاذ الذي سيدرسه، وأين هو الطبيب إذا مرض ليعالج ابنك، فأنت في حاجة إلى سيولة مادية. فإذا أردت أن تعلم ابنك يجب أن تؤدي، وإذا أردت التطبيب يجب أن تدفع (المال). الله غالب وربي كبير الحمد لله !”.
وختم محمد حديثه مع بيان اليوم بـ “الحمد لله على كل شيء، ونحن راضين عما هو موجود بالبلاد ولكن الهجرة هي كل شيء، فلو كان وضعنا الاجتماعي مريحا، ونرى والدينا فرحين ومرتاحين، ما أقدمنا على هذه الخطوة”.

الحلم الأوروبي

والحلم الأوروبي، يراود سعيد أيضا، الذي يمني النفس بالهجرة نحو أوروبا، حيث قدم من فاس إلى الداخلة، بحثا عن قارب يبحر به فوق أمواج المحيط الأطلسي، موضحا بأن المغرب “لا يوجد به المستقبل”.
وكشف سعيد لبيان اليوم، أنه حاول الهجرة من طنجة “غير أن التشديدات الأمنية للشرطة والدرك الملكي لا تترك مجالا لتحرك القوارب فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، والآن أتيت للداخلة على أساس أن أجد فرصة مع مهرب ما للذهاب نحو أوروبا، من أجل بناء حياة جديدة”.
واستطرد سعيد قائلا: “لمدة 33 سنة وأنا في المغرب، لا يوجد شيء، لا وجود للعمل والتعليم، إنني عشت حياة ضنكة، وظروفا صعبة جدا، ولقد تعذبت في حياتي، لأنني أولا لم ألج حجرات الدراسة وهذا يطرح لي مشكلا كبيرا اليوم”.
واعتبر المتحدث ذاته والمرشح للهجرة غير النظامية، التعليم مسألة ضرورية في الحياة، لكن هذا الشرط لا يتوفر بالمغرب، ومن ثم “لا يمكن لأبنائي أن يكونوا مثلي، لهذا أفكر في الهجرة، كما أنني أسعى إلى إعادة بناء مستقبل مغاير لما أعيشه حاليا، لاسيما وأنه لا يوجد من يتدبر شأنك، حيث تظل لوحدك تقاتل في الحياة”.

***

الكناري تستقبل أزيد من 20 ألف مهاجر خلال2020

كشفت وزارة الداخلية الإسبانية، في تقريرها لسنة 2020 (من 1 يناير إلى 31 دجنبر)، أن عدد المهاجرين الذين حلوا بجزر الكناري، بلغ 23.023 مهاجرا غير نظاميا، بزيادة 20.336 مهاجرا غير نظاميا (+756.8%)، بالمقارنة مع سنة 2019 التي لم يتعد فيها عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى هذه الجزر 2.687 مهاجرا غير نظاميا.
ودفع تفاقم الهجرة غير النظامية بجزر الكناري السلطات الإسبانية إلى بناء خيام بمحاذاة شواطئ الجزر السبعة، لاسيما جزيرة لاس بالماس، نظرا لغياب مراكز استقبال المهاجرين الذين يخاطرون بأرواحهم فوق أمواج المحيط الأطلسي على متن قوارب الصيد التقليدي.
وتذكر هذه الموجة الحالية من الهجرة، بأزمة سنة 2006 عندما وصل نحو 30 ألف مهاجر إلى جزر الكناري ما دفع بإسبانيا وقتها إلى تكثيف الدوريات وتوقيع اتفاقيات لإعادة المهاجرين، وهو ما تشتغل عليه حاليا وزارتا الخارجية والداخلية الإسبانية بشكل دبلوماسي، لإقناع دول الجوار بإعادة مهاجريها، وتشديد المراقبة على حدودها.
وكشفت تقارير صحافية إسبانية، أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة، بعثتا إلى أرخبيل الخالدات مجموعة من عناصرهما لتقديم المساعدة الإنسانية للمهاجرين غير النظاميين، من خلال توفير الغذاء، والمستلزمات الطبية.

لقاء مؤجل

ويمثل انفجار الهجرة غير النظامية بجزر الكناري، باعتبارها بوابة جديدة لولوج دول الاتحاد الأوروبي، مصدر إزعاج للحكومة الإسبانية التي كان قد قرر رئيسها بيدرو سانشيز زيارة الرباط في إطار القمة الثنائية 12 بين المغرب وإسبانيا، غير أن الخلافات الدبلوماسية حول مجموعة من الملفات حالت دون ذلك (ملف غلق معبري سبتة ومليلية السليبتين، وترسيم الحدود البحرية، وتطورات قضية الصحراء المغربية).
وكانت قد أعلنت وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” (EFE) أن المغرب وإسبانيا كان قد قررا عقد هذه القمة في 17 دجنبر 2020، قبل أن يتم تأجيلها إلى فبراير الماضي 2021، غير أنه لم يتم الالتزام بهذا التاريخ، للدواعي الصحية لأزمة كوفيد 19 بحسب ما يتم التصريح به من قبل وزارتا الخارجية المغربية والإسبانية.
ووفق تقارير وسائل الإعلام الجارة الشمالية للمغرب، فإن موضوع الهجرة غير النظامية لجزر الكناري يشكل أزمة داخلية بإسبانيا، حيث يحمل حزبا “بوديموس” و”فوكس” حكومة مدريد مسؤولية الفشل في تدبير هذا الملف مع المغرب.
وذهبت بعض الأصوات السياسية والإعلامية الإسبانية إلى اتهام الرباط بابتزاز مدريد بأجندة الهجرة غير النظامية من جنوب المغرب، حيث يعتبر هذا الملف موضوعا حارقا ومستعجلا للنقاش في الحقيبة الدبلوماسية لإسبانيا.
وسبق لوزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا أن حلق للمغرب بتاريخ 20 نونبر 2020، لمناقشة الملف مع وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، داعيا الأخير إلى ضرورة التعاون المشترك للحد من الهجرة غير النظامية قبالة جزر الكناري، علاوة على استئناف عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين بعدما توقفت منذ بداية 2020 بسبب تفشي وباء كورونا.
وقال مارلاسكا عقب لقائه مع لفتيت إن مباحثاته مع وزير الداخلية المغربي تركزت حول قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، خصوصا من الداخلة نحو جزر الكناري.
واستنادا إلى مصادر جريدة بيان اليوم، فإن مطاري الداخلة والعيون استقبلا مجموعة من الرحلات الجوية للطائرات الإسبانية التي حملت المهاجرين من جزر الكناري، في إطار عملية الترحيل والإرجاع المنظمة بين إسبانيا والمغرب.
من جانبه، اتهم رئيس جزر الكناري أنطونيو موراليس المغرب بابتزاز إسبانيا، والضغط عليها من خلال السماح لقوارب الهجرة غير النظامية بالانطلاق من الأقاليم الجنوبية، مطالبا دول الاتحاد الأوروبي بترحيل جميع المهاجرين في إطار مبدأ التضامن.
وذهب أنطونيو موراليس إلى القول بأن المغرب يتساهل مع شبكات الهجرة من أجل إغراق جزر الكناري بالمهاجرين غير النظاميين، في إطار الضغط على إسبانيا من أجل التسريع بإجراءات ترسيم الحدود البحرية، للاستفادة من الموارد المعدنية الموجودة بالمنطقة من قبيل التيريليوم والكوبالت.
واعتبر موراليس في مقال له بعنوان “الهجرة وابتزز المغرب” (Inmigración y chantaje marroquí) نشره خلال 22 نونبر 2020، أن الحكومة الإسبانية تتعامل بشكل سلبي مع الملف، حاثا إياها على ضرورة مناقشة تفاقم الهجرة غير النظامية مع المغرب.

لا للعب دور الدركي

وتفاعلا مع الجدل الدائر حول الموضوع، قال ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إن “المغرب يتحمل مسؤولياته في ملف الهجرة، لكنه لن يلعب أبدا دور “الدركي”، لأن ذلك ليس وظيفته ولا من صميم قناعته”.
وأوضح ناصر بوريطة، في حوار صحافي له مع وكالة “أوروبا” نهاية شهر فبراير الماضي أن المغرب “يعتبر ظاهرة الهجرة مبالغ فيها لأسباب “سياسوية” بدلا من أن تكون موضوعية”، مبرزا أن “الأرقام تظهر بأن الهجرة الإفريقية نحو أوروبا تندرج في نطاق الأقلية”.
ووصف بوريطة السعي إلى العثور على الجناة عوض الحلول بالنهج السيئ”، مشيرا إلى أن “الهجرة هي ظاهرة طبيعية بين الضفتين، ومن ثم فالمقاربة المعتمدة يتعين أن تكون منسقة من أجل إيجاد حل لتحدي مشترك، وليس لإلقاء اللوم”.
وذكر وزير الخارجية المغربي أن “الحل السهل هو الإلقاء بكل شيء على ظهر بلدان العبور، لأن تسوية منبع المشكل يبدو صعبا، ولأن هناك ضغطا سياسيا في بلدان الاستقبال، حتى أن لا أحد يريد خوض نقاش رصين وشفاف حول ظاهرة الهجرة، إذن، فإن اللوم المفرط لدول العبور هو مسار سيء”.
وكشف أنه بتنسيق مع إسبانيا خصوصا، ينفذ المغرب عمليات لمكافحة شبكات التهريب، مؤكدا أن عدد الشبكات المفككة كبير، والجهد الأمني والمادي المبذول من طرف المغرب يتوخى أن تكون الطريق الغربية للهجرة هي الأقل استخداما، حتى لو كانت تعد أهم طريق مقارنة بالطريقين الوسطى والشرقية.
وبعث ناصر بوريطة، رسائل إلى بروكسيل، مفادها أنه يتعين على أوروبا، في علاقتها مع الجوار الجنوبي للحوض المتوسطي، الخروج من منطق الأستاذ والتلميذ، والدخول في منطق التشاور حيث يستوعب كل واحد انشغالات الآخر، قصد التوصل إلى حلول بوسعها تلبية مصالح أوروبا دون الإضرار بمصالح المغرب.
وفي السياق ذاته، أجرى ناصر بوريطة، يوم الثلاثاء 23 فبراير الماضي عبر تقنية التناظر المرئي، مباحثات مع وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية، أرانشا غونزاليز لايا.
وتناولت المباحثات بين الوزيرين القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك في المغرب الكبير والساحل والمنطقة الأورومتوسطية، لاسيما ملف الهجرة غير النظامية بين جنوب المغرب وجزر الكناري.

***

أوكسفام: المفاوضات بين أوروبا والدول المغاربية تطغى عليها أجندات الحد من الهجرة

ذكرت منظمة “أوكسفام” في ورقة بحثية لها خلال شهر أكتوبر 2020، المعنونة بـ “غياب الانسجام في العمق- سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالاقتصاد والهجرة في شمال إفريقيا”، أنه قبل انتشار جائحة كوفيد 19 ركزت سياسات الاتحاد الأوروبي في شمال إفريقيا على نمطين؛ تحرير التبادل التجاري، والحد من الهجرة النظامية وغير النظامية.
وكشفت “أوكسفام” أن هاتين السياستين كانتا غالبا غير متسقتين، كما أن ترافقهما مع صناعة السياسات على المستوى المحلي كانت له تداعيات سلبية إضافية على السكان الأكثر هشاشة في البلاد المغاربية لاسيما المغرب وتونس، حيث قوض، وحتى دمر سبل معيشتهم، قاطعا في الوقت نفسه الطريق أمام فرصهم بالسعي للحصول على وظائف في الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الإطار، دعت المنظمة في ورقتها البحثية إلى إعادة تقييم العلاقات السياسية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والبلدان المغاربية، مشيرة إلى أن المفاوضات المتعلقة باتفاقيات التبادل الحر الشامل والمعمق – المتوقفة حاليا نتيجة انتشار جائحة كوفيد 19- هي مسألة جوهرية لتحديد مستقبل هذه العلاقات.
وأفادت الدراسة بأن المفاوضات بين أوروبا والدول المغاربية حول الشؤون الاقتصادية والسياسية، تطغى عليها بشكل متزايد أجندات الحد من الهجرة، التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى وقفها من خلال الاستعانة بالعديد من الأدوات المختلفة.
واعتبر المصدر ذاته، أن الهجرة في معظم الأحوال هي ظاهرة مرتبطة بالاقتصاد ومتجذرة في بنى الاقتصادات السياسية للدول المرسلة والمستقبلة، وهو ما ينطبق على حالة بعض الدول الأعضاء الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي والبلدان المغاربية التي تجمعهما حدود مشتركة وتاريخ من الاستعمار وعدم تكافئ القوة الاقتصادية.
وترى منظمة “أوكسفام” أن المغرب وتونس يتشابهان على مستوى الاقتصاد السياسي للهجرة، حيث كانت الهجرة منذ سنوات بالبلدين وسيلة لتنظيم البطالة والبطالة الجزئية؟، منبهة إلى أن اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أثرت بشكل ملحوظ على الاقتصاد المحلي، وبشكل أكبر على أنماط العمل، مما أثر بدوره على ديناميكيات الهجرة نحو أوروبا.
وقالت المنظمة إنه ينبغي على كافة الجهات المعنية – الاتحاد الأوروبي والمغرب وتونس- بذل الكثير من الجهود لمعالجة أوجه عدم الاتساق وضمان تناسق سياسات الهجرة والاقتصاد المستقبلية، وتوافقها مع حقوق الإنسان، والعمل من أجل مصلحة جميع المواطنين، من ضمنهم الأشخاص الأكثر هشاشة.

***

” بيان اليوم” تقضي ليلة بيضاء بقرية الصيد التقليدي “لاساركا”

تحركات مشبوهة ومواجهات لتهريب البشر

ترسو جميع قوارب الصيد التقليدي خلال فصل الخريف والشتاء بقرية “لاساركا” بفعل حالة الطقس السيئة التي يمر بها المحيط الأطلسي، وهو ما يتم التأكد منه بالاطلاع على الموقع المخصص لذلك (old.windguru.cz)، إذ أن الأيام معدودة للتواجد بالبحر، لأن مهنيي الصيد لا يمكن أن يخاطروا بأرواحهم في ظل الأحوال الجوية المضطربة.
وفي حال هيجان البحر الذي يصل علو أمواجه إلى 5 و6 أمتار في بعض الأحيان، يصبح من المستحيل أن يغامر “الرايس” (قائد القارب) بنفسه في عرض البحر، وهو ما يعلق عملية الهجرة غير النظامية طيلة هذه الفترة أيضا، إذ لا تنطلق الرحلات إلا خلال الأيام التي تشير فيها مصالح وزارة الصيد البحري إلى إمكانية الإبحار من أجل الصيد.
وبحسب ما استقته بيان اليوم من معلومات بعين المكان، فإن الكثير من قوارب الهجرة غير النظامية غرقت خلال بداية سنة 2021 نتيجة علو أمواج المحيط الأطلسي، ويقدر عدد الضحايا بالعشرات، حيث لا تصرح سلطات مدينة الداخلة بهذه الحوادث المميتة لفائدة الرأي العام المحلي والوطني، لهذا يتريث بعض المهربين في الإعلان عن انطلاق الرحلات إلا بعد إعطاء الضوء الأخضر لخروج قوارب الصيد البحري التقليدي.
وبعد تعميم خبر إمكانية الصيد، تعمل شبكات التهريب على تحديد المجموعة المرشحة للهجرة، حيث يضرب الموعد بقرية الصيد التقليدي “لاساركا”، ومن بين هذه الأيام التي شهدت تنظيم رحلة نحو جزر الكناري، نجد يومي 13 و14 مارس الجاري، حيث انتقلت جريدة بيان اليوم إلى “لاساركا” وعاينت انطلاق رحلات الموت فوق أمواج بحر الظلمات (المحيط الأطلسي).
ومن أجل الوقوف عن كثب على ظروف وحيثيات الهجرة غير النظامية من هذه القرية، اهتدت الجريدة، إلى التنقل ليلا وقضاء ليلة بيضاء، للوقوف عند كواليس تنظيم الرحلات، وذلك خلال يوم السبت 13 مارس الجاري.
وعلى الساعة الواحدة و45 دقيقة من منتصف الليل شدت بيان اليوم الرحال نحو “لاساركا”، وعلى طول الطريق الساحلي للمحيط الأطلسي المظلم، لاحظنا تحركات خفيفة للسيارات إلى جانب تحركات على الأقدام للراجلين بجانب البحر، رجح مرافق الجريدة مصدرها “للصيادين بالقصبة، أو رجال القوات المساعدة والأمن الوطني الذين يقومون بخرجات تمشيطية خلال هذه الأيام، نظرا لتنقل الأشخاص المرشحين للهجرة عبر هذا الطريق، ناهيك عن انطلاق رحلات الهجرة على متن قوارب الصيد من هذا الشريط الساحلي”.

سد أمني جديد

قبل الوصول إلى قرية “لاساركا”، وعلى بعد 1 كلم، تم وضع سد أمني جديد لم يكن في السابق، أملته ظاهرة تهريب البشر والسلع، بحسب مرافقنا. أوقفنا رجل أمن وسأل عن وجهتنا، قبل أن نجيبه بزيارة “لاساركا”، حيث سمح لنا بالمرور..
وإلى جانب المستجد الذي عرفته “لاساركا” من حيث تواجد السد الأمني، تم إحداث محطة جديدة للجرارات بالقرب من رجال الأمن، على اعتبارها المتهم الرئيسي في دفع قوارب الهجرة نحو البحر، في حين أن مهمتها الأساسية تتمثل في دفع القوارب وجرها من البحر بعد الانتهاء من عملية الصيد لا غير.
ووجدت بيان اليوم بمدخل القرية العديدة من “البحارة” منهمكين في إعداد عدتهم قبيل صافرة بداية عملية “التعوام” التي تبدأ على الساعة الرابعة فجرا، وكانت بالقرية تحركات كثيفة تلك الليلة للسيارات رباعية الدفع التي تنقل محركات القوارب، والبنزين، ولوازم الصيد، وعزا مرافقنا هذه الدينامية إلى كون جميع البحارة كانوا متوقفين عن العمل لمدة طويلة، ومع ظهور بوادر الصيد الآمن، يقرر الجميع اغتنام الفرصة للخروج نحو الصيد لتوفير القليل من السيولة المالية تأمينا لأيام فصل الشتاء.
قضت بيان اليوم حوالي ساعة ونصف من الزمن وهي تنتظر عملية “التعوام”، حيث جلست القرفصاء بإحدى الزوايا تراقب حركة العديد من الأشخاص بالقرية المشرعة الأبواب في وجه جميع الزوار؛ الغرباء، والمهنيين، والمتلصصين، والمهربين، والمرشحين للهجرة.
حركة كثيفة تعرفها القرية المهمشة من الداخل، حيث لا تتوقف عجلات السيارات رباعية الدفع عن الدوران في الرمال البحرية، والمقرون تحركها بنقل البحارة، وأدوات العمل، غير أنه وفق ما عاينته الجريدة فإن هذا التحرك له ارتباط أيضا بالتهريب، حيث يتم نقل الأشخاص المرشحين للهجرة غير النظامية على شكل مجموعات لتفادي الشبهات، إلى جانب وجود سيارات أخرى لتهريب السجائر والممنوعات التي يتم نقلها من سواحل نواذيبو الموريتانية.
وفي الوقت الذي يتم فيه نقل بعض الأشخاص على متن سيارات رباعية الدفع، يتسلل البعض الآخر على الأقدام نحو القرية، وذلك بقيادة مرشد ينتمي لشبكة التهريب، إذ يتم اقتياد هؤلاء الأشخاص عبر مجموعات متفرقة تضم ما بين 4 و8 أشخاص.
ويتكلف المهربون بتقديم توضيحات لفائدة المرشحين للهجرة، عن مكان القرية، وخصوصيتها، وسبب الانطلاق منها، منبهين المهاجرين إلى التحرك بدقة، وخفض الصوت نظرا لوجود متلصصين مهمتهم الأساسية الوشاية بعمليات الهجرة “للمخزن” (عناصر الأمن)، وهو ما التقطته الجريدة من كلام أحد أفراد عصابة تهريب البشر.

تحركات متسلسلة

ويتبين من خلال تحركات عناصر التهريب فوق رمال “لاساركا” تمكنهم الجيد من جغرافيا المكان، بالإضافة إلى معرفتهم المسبقة بحراس القوارب، الذين يتبادلون معهم الحديث، قبل التوغل داخل القرية، مبتعدين عن مراقبة الأمن، وتلصص الوشاة.
وبعد حوالي ربع ساعة فقط التحقت مجموعة أخرى تضم 6 أشخاص مرشحين للهجرة، رفقة مهرب جديد، الذي حثهم على السرعة في الحركة للوصول إلى نقطة الانطلاق المتعاقد بشأنها، حيث تبادل التحية مع الحارس الأول المتواجد بالقرب من قوارب الصيد التقليدي البعيدة عن باب القرية بأزيد من 5 آلاف متر، ومن ثم تابع مساره رفقة المجموعة بين مئات القوارب.
وإذا كان بعض الباحثين عن الهجرة يرتبون مع المهرب بوسط مدينة الداخلة للعملية، ويأتون من أجل الهجرة بشكل مباشر في زمن معين، فإن آخرين يختارون الذهاب نحو “لاساركا” للحديث مع المهرب بدون وسيط، رافضين أداء الرحلة قبل انطلاقها رسميا، وهو ما وقفت عليه الجريدة مع حوالي 3 أشخاص كانوا يتفاوضون مع المهرب على متن سيارته رباعية الدفع.
قبيل الساعة الرابعة فجرا بدقائق معدودات، بدأت الجرارات في التحرك من محطتها الجديدة نحو قرية الصيد “لاساركا”، لدفع قوارب الصيد التقليدي نحو مياه البحر، بالإضافة إلى جر قوارب أخرى كانت تصطاد ليلا بسواحل الداخلة.
ووسط هدير حركات الجرارات والسيارات رباعية الدفع، بدأ الأشخاص المرشحين للهجرة في التنقل من مكان إلى آخر رفقة المهربين الذين يبحثون عن فرصة لدفع القارب نحو البحر وبداية الرحلة المميتة، حيث يظهر القلق والتوتر على سيمات المهربين والمرشحين للهجرة معا.
وإذا كان “البحارة” منشغلين في إعداد شباكهم ومحركاتهم لبداية يوم جديد في العمل، فإن المهربين يراقبون حركة الغرباء في “لاساركا” ويتحينون الفرصة لسرقة قارب أو استخدام آخر غير قانوني (قارب معيشي) يقتنونه من عند مالكه الذي ليس له حق صناعته استنادا إلى القوانين المؤطرة لذلك.
ورصدت الجريدة التحركات الخطيرة لعصابة التهريب التي تستعمل العصي والأسلحة البيضاء (السيوف) لتأمين عملية الهجرة، مستعينين بسيارة رباعية الدفع، للتحرك على شاطئ “لاساراكا” وحماية قارب الهجرة السرية من الغرباء، الذين يحاولون انتهاز الفرصة والهجرة بدون أداء ثمن العبور نحو جزر الكناري.
وبعد نصف ساعة من الزمن، أمر أفراد عصابة تهجير البشر الذين يرتدون أغطية وأقنعة لإخفاء وجوههم، (أمروا) المرشحين للهجرة بالركوب فوق قارب صيد قدم من سواحل نواذيبو الموريتانية وعلى متنه سجائر مهربة، تم تفريغها في الحين، على أساس استغلال القارب من جديد في عملية الهجرة غير النظامية.

مواجهات بالأسلحة

لكن وبعد خلافات شديدة تطورت إلى عراك بين بعض العناصر وعصابة التهريب، استعملت فيها الأسلحة البيضاء والعصي، تم تعليق الرحلة. ولتفادي تدخل عناصر الأمن عمد المهربون إلى تفريق الأشخاص المرشحين للهجرة بنقلهم إلى أماكن متفرقة.
وعاد الوضع إلى الهدوء عقب تدخل أطراف بالقرية. وبعد حوالي نصف ساعة من الزمن رجع المرشحون للهجرة نحو مكان انطلاق قارب الصيد التقليدي غير القانوني، حيث بدى جاهزا للانطلاق، وهو ما تم بالفعل، ليكون بذلك أول قارب ينطلق فجر ذلك اليوم.
بيد أن العراكات لم تنته، إذ سرعان ما نشب خلاف جديد حول السمك بعد أن هجم بعض الأشخاص على قارب صيد، لسرقة سمك “الكوربين Courbine”، وهو ما دفع برجال الأمن إلى التدخل في حينه، لاسيما وأن أحد الأفراد أصيبت أذنه بجروح بليغة، حيث اعتقل 12 شرطيا بعض العناصر واقتادوهم على متن 3 سيارات تابعة لمديرية الأمن الوطني.
وما أن ذهب عناصر الأمن، حتى جرى التنسيق من جديد لعملية الهجرة غير النظامية، إذ عقب الانتهاء من الترتيبات الضرورية لقارب آخر، تم إعطاء الضوء الأخضر للصعود إلى قارب الموت، وتم دفعه نحو الماء، ليلعن بذلك عن نهاية المهمة، وبداية المغامرة فوق يم الأطلسي.
ومباشرة بعد انطلاق القارب، انفض عناصر تهريب البشر من المكان، حيث منهم من ذهب إلى الاشتغال في مجال الصيد البحري، فيما الباقي توجه نحو بوابة القرية حيث توجد مقاهي عشوائية (أعشاش وبراريك)، ظاهرة على وجوههم السعادة، خصوصا وأن العملية مرت في الأخير بسلام، مؤكدين أثناء أحاديثهم الثنائية أن المهمة كانت ستفشل في حال أشرقت الشمس، على اعتبار الأمر سيكون مفضوحا، وسوف لن تستثمر فرصة “التعوام” التي تعرف بالخروج الجماعي لقوارب الصيد البحري.

 

استنكار المهنيين

وتعليقا على ما يحدث بهذه القرية، قال مولاي الحسن الطالبي رئيس جمعية أرباب قوارب الصيد التقليدي، إن مدينة الداخلة و”لاساركا” بالتحديد سيطرت عليها عصابات تهريب البشر، داعيا السلطات المحلية إلى ضرورة التعاطي الجدي مع الظاهرة التي أصبح يعاني منها المهنيون.
وأوضح مولاي الحسن الطالبي في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن وتيرة التحويلات المالية من مدن الداخل نحو الداخلة ازدادت سيولتها، نظرا لتواجد العديد من الأشخاص بها، والذين ينسقون مع شبكات الهجرة غير النظامية للعبور نحو جزر الكناري الإسبانية.
وذكر الحسن الطالبي، أن فنادق الداخلة مملوءة اليوم بالأشخاص المرشحين للهجرة، بما فيهم النساء والأطفال الرضع، متسائلا عن تساهل السلطات الولائية في السماح لهم بالتنقل نحو نقط الصيد بكل حرية.
وشدد الطالبي أن العديد من المهنيين يطالبون رئاسة النيابة العامة بالدخول على الخط، والعمل على فتح تحقيق للبحث في الموضوع، مشددا بأن الوضع لم يعد مقبولا بشكل كلي، لاسيما وأن العديد من المهنيين نقلوا قواربهم من شاطئ “لاساركا” خوفا من سرقتها.
وقال رئيس جمعية أرباب قوارب الصيد التقليدي بالداخلة، إنه لا يمكن الاستمرار في تقاذف المسؤولية والتنصل من تحملها، مشيرا إلى وجود تحركات أمنية لضبط شبكات الهجرة غير النظامية على المستوى الوطني، خصوصا بقلعة السراغنة، وبني ملال، وخريبكة، وواد زم، وسطات، والدار البيضاء.
ومع استمرار غياب التشديد الأمني على القرية سيظل تهريب البشر والممنوعات متواصلا، لاسيما وأن الأمر يتعلق بعصابات منظمة لا يقوى المهنيون على مواجهتها، خصوصا وأنها تستعمل العنف بالمنطقة بحمل الأسلحة البيضاء في وجه كل من يعترض طريقها، ويرفض عبثها بالقرية التي من المفترض أن تكون خاصة بصيد السمك فقط !.

***

عبد الكريم بلكندوز الباحث في مجال الهجرة لـ” بيان اليوم”

الهجرة عبر المحيط الأطلسي تعتبر تحديا للجغرافيا

قال الباحث في مجال الهجرة عبد الكريم بلكندوز، إن موقف المغرب تغير فيما يخص قبوله بترحيل مهاجريه من أوروبا، بعدما كان يرفض العملية في البداية، مشيرا إلى الضبابية التي تعتريه في التنفيذ لدى الرأي العام المحلي.
وأوضح عبد الكريم بلكندوز في حواره مع جريدة بيان اليوم، أن المعلومات الخاصة بالترحيلات لا يستقيها المهتمون بمجال الهجرة إلا من الصحافة الأجنبية التي تتابع العملية عن كثب.
ووقف بلكندوز عند استمرار المغرب، في رفض ترحيل المهاجرين الأفارقة من أوروبا إلى أراضيه بحجة أنهم عبروا من حدوده، داعيا الرباط إلى مزيد من التشديد في رفض المقترح الأوروبي.
غير أنه بالرغم من رفض المغرب لتوقيع اتفاقية بهذا الشأن، سجل الباحث في مجال الهجرة، انضباط المغرب لإملاءات أوروبا فيما يخص سياسية الهجرة التي يشتغل بعقليتها، ويتجلى ذلك في الترحيلات التي تقوم بها السلطات المغربية للمواطنين الأفارقة من جنوب الصحراء سواء نحو بلدانهم، أو بإبعادهم عن الحدود المحاذية لأوروبا بشمال المملكة.
وفيما يلي نص الحوار:

< انتعشت مؤخرا ظاهرة الهجرة غير النظامية عبر المحيط الأطلسي وبالضبط من الداخلة والعيون إلى جزر الكناري، كيف تقرؤون هذا التحول في الهجرة من شمال المغرب إلى جنوبه؟
> الملاحظ بصفة عامة هو أن الطرق تتبدل، حيث تستعمل شبكات تهريب البشر الطرق السهلة، من حيث التشديد الأمني، كما أن الهجرة عبر المحيط الأطلسي لا تنطلق فقط من مدن جنوب المغرب؛ سيدي إفني، العيون، الداخلة، بل أيضا، دولا إفريقية أخرى كموريتانيا، والسنغال..
وتعتبر الهجرة عبر المحيط الأطلسي تحديا للجغرافيا من قبل المهاجرين، لأن الأمر جد صعب، بحكم المسافة الطويلة بين المغرب وسواحل جزر الكناري، من ثم تستغل شبكات الهجرة هذه الفئة بالكذب عليها، على اعتبار الأطلسي يختلف كليا عن البحر الأبيض المتوسط.
ويعود سبب الهجرة من هذه المناطق إلى تشديد الخناق على سواحل البحر الأبيض المتوسط، والأوضاع الأمنية المتوترة في ليبيا التي تعتبر بوابة للهجرة كذلك، ولقد زادت حدة الهجرة مؤخرا بفعل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثتها جائحة كوفيد 19.

< في الوقت الذي تستمر فيه الهجرة إلى جزر الكناري، تهتدي إسبانيا إلى ترحيل المهاجرين إلى المغرب، ما هي ملاحظاتكم حول العملية؟
> أعتقد أن هذه النقطة رئيسية ومهمة في الموضوع، لاسيما وأنها تتعلق بالتغيير الواضح في موقف المغرب الذي أصبح يقبل بترحيل مواطنيه، وكأنه يعطي البرهان والدليل على أنه يأخذ بعين الاعتبار حاجيات أوروبا ومشاكلها، وهذا الأمر مخيف جدا.
كان المغرب في البداية يرفض عملية الترحيل، ولو أن هذا الموضوع غير متداول كثيرا، لأنه لا يتم بشكل شفاف ليعرف الرأي العام ما هي المساطر التي يسلكونها لتنفيذ العملية، باستثناء ما تنشره الصحافة الإسبانية التي تتطرق له في متابعاتها، بعدما تخصص السلطات الإسبانية أثناء إقلاع كل طائرة إلى المغرب، عددا معينا من المقاعد خاصة بالمهاجرين المرحيلن.
وبعدما ظل المغرب يرفض تطبيق بنود اتفاقية الترحيل الموقعة سنة 1992 مع إسبانيا لسنوات، أصبح يشتغل بها اليوم، وذلك مقابل تلقيه للإعانات المادية في إطار ما يسمى بالمسؤولية المشتركة.
صحيح أن مشكل الهجرة مطروح بين المغرب وأوروبا، لكنني أرى بأنه يمس إسبانيا على وجه التحديد، باعتبارها الجار الأوروبي القريب منه جغرافيا، واستراتيجيا (سبتة ومليلية المحتلتين، وجزر الكناري).

< وهل بهذه الترحيلات يكون المغرب قد لعب دور “الدركي” الذي صرح ناصر بوريطة برفضه؟
> هل يلعب دور الدركي؟، وما هو الاسم الذي سنطلقه عليه!، يطلق عليه هذا الاسم لأنه قبل بترحيل المغاربة، بل أيضا بعض الأجانب الذين مروا عبر ترابه، بالرغم من رفضه إلى اليوم توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لترحيل المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى أراضيه.
والمجتمع المدني والجمعيات الحقوقية غائبان نسبيا عن لعب دورهما في الاحتجاج على هذه الترحيلات، باستثناء البعض منهما، كما أن الصحافة لا تغطي الترحيلات بسبب التعتيم على المعلومة، إلى جانب عدم طرح أسئلة بالبرلمان للحديث حول الموضوع.
ويبقى مصدرنا الوحيد للوصول إلى خبر الترحيلات، هي وسائل الإعلام الأجنبية، أو بعض التصريحات التي تصدر عن بعض الفاعلين السياسيين الأوروبيين كالنواب، أو الجمعيات المهتمة بالموضوع.
ولا يمكن لأي بلد أن يرفض استقبال مواطنيه، ولكن السؤال هو؛ هل يتم الحفاظ على حقوقهم المكتسبة من لدن بلدان الترحيل؟، وهل يتم ذلك بدون الاعتداء عليهم؟، وهل مرت العملية تحت إشراف السلطات القضائية؟

< في نظركم هل سيتجه المغرب إلى القبول بترحيل المهاجرين الأفارقة (من جنوب الصحراء) من أوروبا إلى أراضيه؟
> لا يمكن للمغرب القبول بالطرح الأوروبي لترحيل المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء إلى أراضيه، لعدة اعتبارات، من بينها المصلحة الوطنية، والعلاقات الجيو-استراتيجية التي تربطه بالدول الإفريقية، إلى جانب ملف الصحراء المغربية باعتبارها القضية الأولى للمغرب، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، في حال قبول المغرب التوقيع على هذه الاتفاقية، ستتعرض صورته الحقوقية للخدش، ومن تم سيدمر كل ما بناه لسنوات، لهذا نجده متشددا في مناقشة هذا الطرح مع الجانب الأوروبي، ويجب أن يبقى كذلك ولا يرضخ لنهج أوروبا في ملف الهجرة، وجميعات المجتمع المدني مطالبة بدعم هذا الطرح المغربي.
وبالرغم من ذلك، لا زالت أوروبا تناور ليقبل المغرب بترحيل المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، في حال رغب في الاستفادة من الدعم المادي، إلى جانب ابتزازه بملف المنتوجات الزراعية التي يصدرها نحو دول الاتحاد، ثم موضوع التأشيرات لفائدة مواطنيه..
غير أنه بالرغم من رفض المغرب لهذا التوجه، نجده يشتغل بعقلية السياسة الأوروبية، وينفذ بعض الإجراءات، من قبيل ترحيل بعض المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى بلدانهم، وتنقيل البعض الآخر من شمال المغرب إلى جنوبه، وهذه الإجراءات تندرج في إطار المنطق الأمني لتدبير الملف ليس إلا.
ولقد سجلت مجموعة من التنقيلات داخل المغرب حتى خلال فترة الحجر الصحي بسبب كوفيد 19، بدعوى الحفاظ على أمن المهاجرين من المغامرة بخطوة الهجرة من المنطلق الإنساني.
ولقد زار بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي المغرب خلال نهاية سنة 2020، وعقدوا اجتماعات مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، وعادوا لطرح مسألة التوقيع على الاتفاقية الخاصة بإرجاع المهاجرين ككل بما فيهم المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء والمغاربيين إلى المغرب.
وإذا قبل المغرب بترحيلهم، فأكيد أنه سيصبح في حاجة إلى بناء مراكز استقبال، كما أنه مطالب بتوقيع اتفاقيات مع الدول الإفريقية والمغاربية لتنقيلهم مرة أخرى، وسيصبح في حاجة إلى إقناع هذه الدول بضرورة استقبال مهاجريها.
والأخطر من ذلك، هو اتجاه أوروبا نحو ترحيل المهاجرين القانونيين الذين قد يصبحوا غير قانونيين بسبب فقدانهم لعملهم أثناء الأزمات الاقتصادية أو الصحية، وهو ما سيصعب عليهم إيجاد طريقة قانونية لتجديد إقامتهم، ووقتها سيكونون عرضة للترحيل.
واستنادا إلى كل ما سبق، فإن تصريح ناصر بوريطة، يمكن إدراجه في هذا الإطار، باعتباره مطلعا على الملف بشكل جيد، لهذا فرده شمولي على أوروبا برفض المغرب لعب دور “الدركي”.
ولدى المغرب اتفاقيات مع دول إفريقية حول حرية التنقل كالسنغال، ومالي، وغينيا،و كوت ديفوار.. حيث لا يحتاج مواطنوها إلى التأشيرة، ولكن خلال السنوات الأخيرة، أصبحت مصالح وزارة الخارجية المغربية تطلب الإذن المسبق لهم، وهو ما يمكن اعتباره تأشيرة بشكل ضمني.
ويدخل هذا الإجراء، ضمن الحد من تنقل المواطنين من إفريقيا جنوب الصحراء نحو المغرب، لأن أوروبا تعتبر تحركاتهم بالقرب من حدودها تهديدا وخطرا عليها، وهذه السياسة تخدم أوروبا التي تسعى إلى جعل حدودها بجنوب القارة، إلى جانب عدم منح التأشيرة لفائدة المواطنين الأفارقة من جنوب الصحراء، فضلا عن وضع قوانين صارمة بدول العبور من أجل إبعادهم، والحد من تحركاتهم.
ونجد في هذا الإطار، القانون رقم 02.03 “المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة”، والذي لم يتغير بعد، حيث كان من المفترض أن يتم تعديله، ليتماشى والسياسة الجديدة للهجرة واللجوء التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك محمد السادس خلال شتنبر 2013، إلى جانب المواثيق الدولية المصادق عليها، للاعتراف بحقوق الأجانب وجعل تسوية أوضاعهم الإدارية بشكل دائم، من أجل أن يستفيدوا من الشغل، والتطبيب، والتعليم، والسكن.

< ولماذا لم يطرأ على القانون 02.03 أي تغيير؟
> في اعتقادي سبب التغاضي عن تغيير هذا القانون، يعود إلى الصلاحيات التي يمنحها لفائدة السلطات المغربية من أجل ممارسة عملية الترحيلات والتنقيلات، بحجة حماية المهاجرين من الخطر.
وفي سياق متصل، نسجل غياب قانون اللجوء، بالرغم من توقيع المغرب لاتفاقية جنيف منذ عهد الاستقلال، حيث لا نجد المسطرة الخاصة بمعايير الحصول على وضعية لاجئ، وهذه معطيات مهمة لفهم تدبير المغرب لملف الهجرة في علاقته مع الاتحاد الأوربي.
ولدى أوروبا أيضا، اتفاقيات مع بلدان الجنوب، خاصة بإرجاع مواطنيها، في إطار غلق الأبواب على نفسها، لهذا بتنا نجد الحدود الأوروبية في المغرب وغينيا والسنغال، فضلا عن خلق مديريات بهذه الدول لتشديد المراقبة على تحرك المهاجرين خارج الحدود (البرية والجوية..).
وتسعى جميع الدول الأوروبية إلى توقيع اتفاقيات مع المغرب، من أجل ترحيل القاصرين غير المصحوبين، ولقد تمكنت فرنسا من انتزاع موافقة المغرب، بعدما زار وزير الداخلية الفرنسي الرباط، وحل وزير العدل الفرنسي في دجنبر الماضي، ووقع اتفاقية بهذا الشأن مع نظيره المغربي، إذ لم يتم تقديم معطيات وافية حول الموضوع.
ونلاحظ بصفة عامة بأن البرلمان لا يهتم بالموضوع، ماعدا بعض البرلمانيين الذين لا تزودهم الحكومة بالوثائق المطلوبة للاطلاع على الملف، أثناء المناقشات التي تتم بلجن الداخلية والعدل والخارجية بمجلس النواب، ونحن من جهتنا لا نحصل على تفاصيل هذه الاتفاقيات إلا من الجانب الأوروبي كما سبق وأن ذكرت.
وللتوضيح أكثر، فإن مثل هذه الاتفاقيات لم يعد يوقع عليها بشكل معلن، كما أصبح يطلق عليها أسماء أخرى مثل؛ بروتوكول، مذكرة.. أو يتم التعاقد بشكل شفوي في بعض الأحيان لتجنب المتابعة والإحراج من قبل الرأي العام المحلي.
بخلاصة، الاتحاد الأوروبي همه الوحيد هو ترحيل المهاجرين كيفما كانت وضعيتهم بما فيهم المحميين بالمواثيق الدولية، مقابل فتحهم باب الهجرة بين الفينة والأخرى، لفئة قليلة للاشتغال في المجال الفلاحي أو السياحي (قبل كوفيد 19 على الخصوص).
واليوم، الأبواب الأوروبية مفتوحة في وجه الكفاءات فقط، أو ما يسمى بهجرة العقول بين مزدوجتين، أي الأطباء، والممرضين، والمهندسين، ومن هنا تحول المغرب إلى بلد يكون ويصدر هذه الطاقات لتستفيد منها أوروبا، بدون مقابل.
ومن أجل الحد من الهجرة وجعلها أكثر انتقائية، تهتدي أوروبا وبعض المسؤولين المغاربة (الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات, ومجلس الجالية المغربية بالخارج على الخصوص) إلى ترويج بعض المصطلحات والأسماء، من قبيل تغيير مفهوم “الهجرة” بـ “الحركية”، و”هجرة العقول” بـ “حركية الكفاءات”، وكل هذا بهدف أن يغلف ملف الهجرة بالغطاء الحداثي، ولكن مضمونه الصحيح هو تشديد الخناق على الهجرة.
ووضع الاتحاد الأوروبي مؤخرا ميثاقا للهجرة واللجوء في شتنبر 2020، من أجل مزيد من التشديد، أولا؛ لكي لا يستطيع المهاجرون الوصول إلى أوروبا وليظلوا جميعهم بدول الجنوب، وثانيا؛ لتنفيذ عملية الترحيل في حق المهاجرين الذين لا يرغبون فيهم لعدة أسباب.
ولقد أصبح موضوع الهجرة يستغل سياسيا أثناء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية من قبل جميع الأحزاب الأوروبية، مساهمين بذلك في انتشار الأفكار العنصرية المتطرفة في حق المهاجرين.

< أخيرا، ما هو تقييمكم لتدبير ملف الهجرة من قبل المغرب؟
> المغرب اليوم في حاجة إلى أن يحين قوانينه، من أجل منح الإقامة الدائمة للمهاجرين، وكذا السماح لهم بإنشاء جمعيات، فأكيد أن بعض الجمعيات تتوفر على رخصة من قبل وزارة الداخلية، لكن تحت أي غطاء قانوني؟
ولا أدري لماذا الحكومة، لا تتطرق إلى كل المشاكل الخاصة بشؤون الهجرة، حيث يغيب النقاش في المغرب عندما نجده في الدول الأوروبية، ففي الوقت الذي يكون النقاش بالاتحاد الأوروبي يجب أن يكون رد الفعل في المغرب، عوض ترك الأمور مفتوحة لباب التأويلات، لأننا لا نعرف من المكلف بملف الهجرة داخليا.
وحينما يقول البعض بأن وزارة الداخلية هي المسؤولة عن تدبير ملف الهجرة، تجيب بأنها مكلفة بالشق الأمني فقط، مما يجعل مسؤولية تدبير ملف الهجرة على مستوى الصحة، والتعليم، والاندماج غائبا لدى الحكومة.
ولحد الآن سياسة ملف الهجرة غير موجودة لدى الحكومة الحالية، إذ أن الاجتماعات التي كانت تعقد برئاسة رئيس الحكومة، لم تعد تجتمع، بالرغم من أنها كانت تخصص فقط إلى موضوع استقبال المغاربة المقيمين بالخارج، وهو ما يدل على أنها لا تتحدث عن المواضيع الأخرى كالترحيلات، وسياسة إدماج المهاجرين، وتغيير القوانين..
وللإشارة فإن الأوروبيين يعدون دراسات خاصة بهم حول الموضوع، انطلاقا من توجه معين يلبي حاجياتهم، في حين المرصد الوطني للهجرة بالمغرب غير مفعل تماما، لأنه لا يتوفر على مقر، وبرنامج عمل، وميزانية خاصة، وباحثين في المجال، ولا يحتضن النقابيين وهيئات المجتمع المدني المهتمة بالموضوع.
وإذا كان المغرب استطاع ترسيخ ريادته في ملف الهجرة بالاتحاد الإفريقي فإنه مطالب بالمزيد من الاشتغال على هذا الملف وجعله أكثر وضوحا، بدل تغييبه وتضييعه بين الوزارات، ذلك أننا لا نعرف من المسؤول عن هذا الملف بشكل فعلي.

***

جزر الكناري.. الوجهة الجديدة للمهاجرين في ظل أزمة كورونا

يبدو أن أزمة كورونا لم تكن عائقا أمام استمرار الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإسبانية عبر قوارب الموت، بل زادت حدتها أكثر بعدما تغيرت الوجهة التقليدية والمفضلة للمرشحين للهجرة من سواحل طريفة وألميريا إلى جزر الكناري الإسبانية، حيث الاختيار الصعب والطريق التي تعتبر الأكثر خطورة.
وفي هذا الصدد، تنطلق قوارب من المغرب وبالضبط من عمق الصحراء المغربية (طانطان، طرفاية، العيون، بوجدور والداخلة) بمسافة تبعد بحوالي 120 كلم عن أرخبيل “كنارياس”، فيما قوارب أخرى تنطلق من دول مجاورة كموريتانيا، السنغال أو من دول غرب إفريقيا بمسافة قد تبعد بأكثر من 1500 كلم عن الجزر، وهي مغامرة تستغرق أياما وحتى أسبوعا وسط بحر هائج ورياح عاتية قد تحول رحلة هؤلاء إلى جحيم.
لا يوجد سبب واحد يفسر هذا التغيير المفاجئ لوجهة المهاجرين غير النظاميين نحو جزر الكناري، إذ يمكن تلخيص السبب الأول في تداعي الأزمة الاقتصادية بهذه الدول الناتجة عن انتشار وباء كورونا، زيادة على عدم الاستقرار السياسي ببعض الدول مثل ليبيا ومنطقة دول الساحل. ثم ثانيا، تشديد المراقبة البحرية والبرية من طرف السلطات المغربية والإسبانية في مجال تعاونهما الأمني للحد من مشكل الهجرة والتهريب عبر البحر الأبيض المتوسط، وذلك باستعمال رادارات بتقنيات جد عالية، مما جعل محاولة عبور هؤلاء المهاجرين للضفة الأخرى صعبة جدا، بل شبه مستحيلة بعدما تقرر إغلاق الحدود بين البلدين منذ مارس 2020 بسبب جائحة كوفيد 19.
كل ذلك عجل بتحرك “مافيات” الهجرة لإيجاد حل ووجهة جديدة لإعادة تحريك نشاطها عبر قوارب الموت بعدما اختارت جزر الكناري كوجهة بديلة، بحكم قربها من مدن الصحراء المغربية، بالإضافة إلى أنها مناطق شاسعة جدا يصعب مراقبتها مقارنة مع الجزء الشمالي للبلاد. أضف إلى ذلك أن نقط المراقبة البحرية بجزر الكناري لا زالت ضعيفة بالمقارنة بجهة جنوب إسبانيا مما شجع كثيرا دخول مئات من القوارب من دول إفريقية عبر المحيط الأطلسي.
ما يهمنا في هذا المقال هو الحديث عن مشكل الهجرة بمنطقة الصحراء المغربية نحو جزر الكناري وتزايد نشاط “مافيات” الهجرة بهذه المنطقة، حيث يدفع المرشحين للهجرة هناك ضعف ما يدفعه الأفارقة جنوب الصحراء للعبور إلى الضفة الأخرى، باعتبار أنهم يستعملون قوارب أصغر وأكثر أمانا، كما يستغرقون وقتا قصيرا للوصول للأرخبيل.
وإلى حدود يناير 2021 وصل أكثر من 750 قارب لسواحل جزر الكناري، وحسب آخر الإحصاءات الرسمية لوزارة الداخلية الإسبانية تمكن أكثر من 24 ألف مهاجر غير نظامي الدخول لمدن الجزيرة، من بينهم 2600 قاصرا فيما توفي غرقا لحد الآن 800 مهاجرا في عرض المحيط الأطلسي.
وصول هذا العدد الكبير من المهاجرين غير النظاميين لجزر الكناري، وفي وقت وجيز حول المنطقة إلى نقطة ساخنة للهجرة في أوروبا، هذا الوضع الذي أربك السلطات الإسبانية، وفرض عليها التحرك من أجل إيجاد حلول آنية لإيواء المهاجرين الوافدين على أراضيها حيث استطاعت تأمين إيواء نسبة كبيرة منهم ببعض المراكز المخصصة، لإيواء المهاجرين، وكذلك بناء خيام لهذا الغرض بقدرة استيعابية تصل إلى ستة آلاف شخص.
التوافد المتزايد للمهاجرين يوميا على سواحل الجزيرة وأمام ضغط وسائل الإعلام، وتنديد المنظمات التي تعنى بحقوق المهاجرين، دفع بالسلطات إلى فتح أبواب الفنادق السياحية المتواجدة هناك لهؤلاء المهاجرين بعدما أضحت فارغة بسبب تداعيات كوفيد 19. ومع كل ذلك بقي المئات من هؤلاء يبيتون بشوارع المدن بما فيهم القاصرين.
وأصبح من المستحيل أن تواجه سلطات جزر الكناري أزمة الهجرة بمفردها، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة المحلية أنخيل فيكتور توريس يحتج على حكومة مدريد، ويطالبها بالتحرك لإيجاد حلول آنية لعشرات الآلاف من المهاجرين المتواجدين على أراضيها، محذرا من أن تصبح الجزيرة سجنا لمهاجري أوروبا، كما انتقد الصمت الأوروبي تجاه الوضع الراهن.
أمام هذا الشد والجذب بين حكومة “كانارياس” والحكومة المركزية بمدريد، ظهرت كالعادة أصوات الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للمهاجرين مستغلة أبواقها الإعلامية، ودعت الحكومة إلى طرد كل المهاجرين غير النظاميين المتواجدين فوق أراضي الجزيرة، وتحميل دول المنبع المسؤولية عن عملية ترحيلهم.
رسائل التقطتها مجموعات عنصرية كانت وراء عمليات التحريض ومهاجمة المهاجرين في كثير من المناسبات بتهمة أنهم وراء عمليات سرقة واغتصاب وتخريب المحلات.
بالإضافة لهذه النعرة العنصرية لحزب “فوكس” توجه نائب الحزب اليميني الإسباني خوسي رامون باوثا، باتهامات صريحة للمغرب بالوقوف وراء طوفان المهاجرين واتهمه باستغلال الضعف المؤسسي لحكومة بيدرو سانشيز الائتلافية.
أمام هذا الوضع وبعد تزايد الانتقادات حول عدم قدرة حكومة إقليم الكناري على مجاراة أزمة المهاجرين، واستجابة لمطلب المسؤول الحكومي لجزر الكناري، قامت حكومة مدريد بتقديم الدعم من خلال مساعدات مالية مباشرة، وإرسال المساعدات الصحية، والغداء، لتحسين ظروف الاستقبال، وذلك مباشرة بعد تلقيها لمنحة المفوضية الأوروبية المخصصة لتلبية احتياجات جزر الكناري، والتي وصلت إلى أكثر من 43 مليون أورو.
وفي ظل صعوبة ترحيل المهاجرين لدولهم بسبب أزمة كورونا، ورغم اتفاق وزيرا الداخلية المغربي والإسباني على ترحيل خمسين مهاجرا مغربيا في كل أسبوع، لكن لحد الآن العدد لم يتجاوز مئتين.
وفي سياق متصل، توصلت حكومة مدريد لاتفاق مع حكومة إقليم الكناري بهدف ترحيل عدد من المهاجرين من الجزر وتوزيعهم على مراكز الإيواء ببعض المدن الجنوبية، وهو ما حدث بالفعل، حيث تم تنظيم عدة رحلات ضمت عددا قليلا من المهاجرين، لأنه كان يشترط توفر المهاجر على جواز سفر أو وثيقة تثبت توفره على قرابة لشخص مقيم بصورة قانونية بإسبانيا كضمانة لمحل إقامته، بالإضافة إلى ذلك تم ترحيل المئات من المهاجرين المغاربة لبلدهم.
حقيقة، غير المغرب سياسته الخارجية والدبلوماسية مع دول الجوار، وخاصة فيما يتعلق بالأمور السيادية للمملكة، وأصبح يعلن مواقف صريحة، وبصورة رسمية بدون عامل نقص، وهذا ما تابعناه في عدة خرجات لمسؤولين مغاربة وأهمها تصريح وزير الخارجية ناصر بوريطة حول ملف الصحراء المغربية بعد حادث الكركرارات، بعدما دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى إبداء مواقف إيجابية وصريحة حول هذا الملف المفتعل والكف بمعاملة المغرب بمبدأ الأستاذ والتلميذ.
وفيما يخص ملف الهجرة أكد الوزير أن المغرب لم يكن ولن يصبح “الدركي” لحدود الاتحاد الأوروبي في مواجهة مشكل الهجرة، زد على ذلك قرار المغرب الأخير حول ترسيم حدود المياه الإقليمية، والقرار الأخير القاضي بإغلاق معبري سبتة ومليلية، وتصريح رئيس الحكومة حول موقف المغرب بالنسبة للمدينتين المحتلتين.
ورغم كل ذلك فالموقف الرسمي الإسباني لم يتغير بوصفه العلاقات المغربية الإسبانية بالجادة، والتي يسودها الاحترام وروح التعاون بين البلدين في عدة مجالات كما جاء على لسان ممثلي الحكومة في عدة مناسبات، وما يزيد التأكيد على ذلك هي الزيارات الأخيرة لوزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراند مارلاسكا للمغرب، والتي وصلت إلى سبعة زيارات، واجتماعه بنظيره المغربي، وعدة مسؤولين مغاربة في إطار التشاور والتعاون، من أجل إيجاد حل لمشكل الهجرة والتهريب، وخاصة التي تنطلق من مدن الصحراء المغربية، وهو على دراية بأن هذا ملف له أهمية كبرى بالنسبة للمغرب في علاقته مع أوروبا.
كما أن موضوع التأجيل المتكرر للقمة الإسبانية المغربية التي من كان المقرر انعقادها في شهر فبراير المنصرم، يؤكد على أن هناك أزمة بين البلدين وهو موقف أحرج كثيرا حكومة سانشيز، وجعلها محل انتقاد من بعض السياسيين من داخل الحكومة والمعارضة، حيث يتهمون المغرب بابتزاز إسبانيا، ويربطون أزمة الهجرة غير النظامية التي ضربت جزر الكناري بقرار المغرب إتمام ترسيم حدوده البحرية بما يشمل الأقاليم الصحراوية، لأن هذا الوضع الجديد سيجعل المغرب شريكا للمنطقة الإسبانية في العديد من الثروات الطبيعية، وأن رفع المغرب يده عن مراقبة السواحل الجنوبية يهدف إلى الضغط على إسبانيا للقبول بالترسيم.
رأيي أنه من حق المغرب أن يستعمل كل أوراق الضغط التي يراها مناسبة في علاقاته الخارجية مادامت تخدم مصلحة المملكة باعتبار الوضع الإقليمي والإستراتيجي الذي أصبح يلعبه بالمنطقة في إطار قطب التحالفات الجديد، لكن دائما مع مراعاة مبدأ التوازن في المواقف الحاسمة.
لهذا فالمغرب يواجه تحديا كبيرا أمام ملف الهجرة غير النظامية خاصة التي تنطلق من جنوب المغرب، لكن الوضع الحالي لا يسمح له أن يكرس مجهود أجهزته الأمنية لتأمين مجموع الشريط الحدودي البحري، لأن القوات منكبة على حفظ الأمن وتنظيم حالة الطوارئ كما في بقية دول العالم.

< بقلم: عبد العالي المرابطي

دكتور في القانون الدولي وخبير في شؤون الهجرة واللجوء

***

الحسن عماري ناشط بـ “هاتف الإنذار” الدولي لــ” بيان اليوم”

 تشديد الخناق بالمتوسط والترحيلات وراء الهجرة من جنوب المغرب إلى الكناري

وصف الحسن عماري الناشط بفريق “هاتف الإنذار” الدولي الخاص بالإنذار قصد إنقاذ المهاجرين على الحدود البحرية للمتوسط والأطلسي بين دول الجنوب والشمال، (وصف) الهجرة عبر المحيط الأطلسي بالمغامرة الكبيرة، على اعتبارها محفوفة بمجموعة من المخاطر، واصفا هذا البحر بالمقبرة الجديدة القديمة للمهاجرين.
وقال الحسن عماري في حوار مع جريدة بيان اليوم، إن سبب تحول الهجرة غير النظامية من شمال المغرب إلى جنوبه، يرجع بالأساس إلى عامل تشديد الخناق على البحر الأبيض المتوسط، ثم عامل ترحيل المهاجرين من شمال المغرب إلى مدن الجنوب.
وأكد عماري أن المهاجر وشبكات الهجرة يبحثان دائما عن بدائل جديدة للعبور نحو الضفة الأخرى كلما اشتد الخناق على منطقة ما، وبالتالي يتم إعادة تنشيط ممرات قديمة تتسم بخطورة أكبر، ويندرج ضمنها المحيط الأطلسي، الذي بات أكثر نشاطا من ذي قبل.
وتساءل الناشط بـ “هاتف الإنذار” عن سبب سعي أوروبا لتشديد الخناق على تنقل البشر ووضع شروط على المقاس في إشارة إلى تأشيرة “شنغن”، وتوسيع الحدود وعسكرتها، بيد أنها تسمح لتنقل الأموال والمواد الخام، وخيرات دول الجنوب بكل سلاسة وانسيابية؟
ونبه المتحدث ذاته، إلى خطورة ربط أوروبا اليوم للهجرة بالإرهاب، مشددا بأنه لم يسبق للهجرة أن ارتبطت بالإرهاب، وبالتالي تريد دول الشمال ربط الإرهاب بالهجرة، من أجل إقناعنا بأن الحد من الإرهاب لا يمكن أن يتم إلا من بوابة الحد من الهجرة، على حد تعبيره.
وفيما يلي نص الحوار:

< شهدت مدينة الداخلة في الآونة الأخيرة موجة من الهجرة غير النظامية نحو جزر الكناري، كيف تحلل انتقال الظاهرة من شمال المغرب إلى جنوبه؟
> بداية لا يمكن أن نتحدث فقط عن مدينة الداخلة كنقطة واحدة للهجرة نحو جزر الكناري عبر المحيط الأطلسي، بل هناك نقط انطلاق أخرى شهدتها سنة 2020 وإلى حدود اليوم، وذلك في ظل الوضع الصحي لجائحة كوفيد 19، من قبيل سيدي إفني والعيون وطرفاية وأكادير، وصولا إلى السواحل الموريتانية والسنغال (ضواحي سان لويس)، حيث أصبحت الزوارق تنطلق عبر هذا الشريط الساحلي بشكل مسترسل نحو الكناري.
وعلى هذا الأساس لا تنحصر الظاهرة في الداخلة فقط، بل على طول المحيط الأطلسي ككل، وهنا يمكن إدراج القوارب التي تنطلق من الجديدة وآسفي والدار البيضاء والتي تخلف من ورائها ضحايا كثر، حيث عدنا للحديث في زمننا عن بحر الظلمات الذي كان القدامى يطلقونه على المحيط الأطلسي، باعتباره أصبح مقبرة كبيرة للمهاجرين غير النظاميين.
وسبب هذه الموجة الجديدة من الهجرة عبر المحيط الأطلسي، يمكن إرجاعه إلى عاملين أساسيين ومهمين، أولا؛ تشديد الخناق على المهاجرين سواء المغاربة منهم أو المغاربيين (من الجزائر وتونس) والأفارقة جنوب الصحراء بالبحر الأبيض المتوسط (الناظور، الحسيمة، طنجة، تطوان)، وذلك في إطار دور “الدركي” الذي يلعبه المغرب لتأمين حدوده من المهاجرين مع إسبانيا.
أما بخصوص العامل الثاني، فهو الترحيلات التي انطلقت منذ سنة 2018 حيث يتم نقل المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراءمن شمال المغرب إلى جنوبه؛ تزنيت، الرشيدية، أكادير، الداخلة، العيون، وبالتالي دفع هذا الوضع المهاجرين وشبكات التهريب للبحث عن منافذ وممرات جديدة للهجرة نحو أوروبا.
والمهاجر وشبكات الهجرة غير النظامية يبحثان دائما عن بدائل للعبور نحو الضفة الأخرى، وبالتالي يتم إعادة تنشيط ممرات قديمة تتسم بخطورة أكبر ويندرج ضمنها المحيط الأطلسي، حيث أصبح أكثر نشاطا من ذي قبل.
وبعدما كان يتم الحديث عن 4 أو 5 رحلات للهجرة في الشهر عبر هذا المحيط، أصبحنا اليوم نتحدث عن 10 رحلات في الأسبوع على متن قوارب وزوارق مطاطية، وبالتالي زادت الكثافة بشكل مضاعف في الآونة الأخيرة، عقب تغيير الوجهة من الناضور ووجدة وطنجة ووزان والعرائش، صوب جنوب المغرب.

< أين تتجلى خطورة المحيط الأطلسي؟
> تتميز الهجرة إلى جزر الكناري عبر المحيط الأطلسي بخطورة كبيرة، بداية ببعد المسافة بينها وبين العيون والداخلة ودكار ونواكشوط، حيث يحتاج المهاجر إلى قضاء 6 أيام في عرض المحيط الأطلسي، بعدما كان يحتاج إلى معدل 3 أو 4 ساعات من طنجة إلى طريفة (البحر الأبيض المتوسط) و10 ساعات من الناضور نحو ألميريا ومالقا.
وتتميز وضعية المحيط الأطلسي بعلو الأمواج، خصوصا خلال فصل الخريف والشتاء وفترة الربيع، إذ يصل علو أمواجه إلى 5 أمتار ونصف، في الوقت الذي لا يتعدى فيه علو موجات البحر الأبيض المتوسط 3 ونصف أمتار، وبالتالي فالهجرة عبر الأطلسي مغامرة كبرى، يمكن وصف رحلة المهاجر بها بـ”المنطلق مفقود والناجي مولود”.

< من خلال اتصالاتكم بجمعيات المجتمع المدني بجزر الكناري، كيف هو وضع المهاجرين بهذه الجزر؟
> واقع المهاجرين في جزر الكناري، لايمكن أن نقول عنه إلا أنه أكثر مأساوية في ظل غياب مراكز الاستقبال والتوجيه التي توفر على الأقل ظروف عيش في حدودها الدنيا، ثانيا يسجل غياب جمعيات المجتمع المدني، حيث لا توجد إلا قلة قليلة في هذه الجزر، وثالثا غياب وسائل الإعلام التي تسلط الضوء على مدى وجود المعاملة الإنسانية مع المهاجرين.
وفي هذا الإطار، يندرج ذلك الفيديو الذي أثار ضجة كبيرة، حيث تعرض الأطفال المغاربة القاصرين للاعتداء من طرف عناصر الحرس الإسباني، الذين مارسوا عليهم مختلف أشكال التنكيل والإهانة، بل تم تجريدهم من إنسانيتهم.
وكان يجب على المغرب أن يستدعي سفير إسبانيا بالرباط للاحتجاج بشكل رسمي على هذه المعاملة المهينة والقاسية في حق المواطنين المغاربة، بيد أنه اكتفى بالإعراب عن أسفه وفقط ! والتأسف لا يعبر عن موقف صريح من الموضوع بقدر ما يمكن إدراجه في إطار ما هو دبلوماسي، لن يرد للقاصرين كرامتهم.
ومن هنا، نستنتج بأن المهاجرين يعيشون ظروفا إنسانية كارثية، ونحيي في هذا الصدد الدور الذي تلعبه خفر السواحل الإسبانية الإنسانية (المدنية وليست الرسمية)، والتي تضم متطوعين إسبان لنا اتصالات معهم على هذا المستوى، يخبروننا بوضع المغاربة في هذه الجزر، بالرغم من إمكانياتهم المحدودة جدا، ينضاف إليهم الهلال الأحمر وبعض الجمعيات القليلة، التي دفعت في اتجاه الاحتجاج على وضعية القاصرين المغاربة.
ولقد أصبحت اليوم تشيد إسبانيا في هذه الجزر المحتلة، مجموعة من المخيمات التي تنعدم فيها الظروف الإنسانية نظرا لغياب الحاجيات الأساسية بها.

< ما هو تعليقكم على ترحيل المهاجرين من جزر الكناري إلى المغرب؟
> لابد من أن نسجل الخرق السافر للحقوق والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان من كلا الجانبين، الإسباني والمغربي في الإرجاع المباشر للمهاجرين، إذ علمنا بوجود طائرات تحط بمطاري العيون والداخلة وعلى متنها مهاجرين.
واستنادا إلى المواثيق الدولية كان على إسبانيا أن تتحمل مسؤوليتها لا أن تقوم بلي ذراع المغرب في هذا الملف، كما نستنكر استقبال المغرب لهؤلاء الرعايا في الوقت الذي لم يستطع الاحتجاج عن وضع مواطنيه بجزر الكناري! بالرغم من التنكيل بهم.
وهذه الترحيلات تتناقض والمواثيق الدولية سواء اتفاقية جنيف، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية، والتي كان على إسبانيا احترامها بعدم إرجاع هؤلاء المهاجرين، وفي المقابل كان على المغرب عدم استقبالهم.

< يتم الحديث عن ابتزاز المغرب لإسبانيا بملف الهجرة من الجنوب، إلى أي حد تتفقون مع هذا التحليل؟
> لا يمكن القول بأن المغرب يبتز إسبانيا بملف الهجرة، فالأمر أكبر من ذلك، ولا يتعلق بإسبانيا وحدها بل بالاتحاد الأوروبي ككل في ظل السياسة القاتلة التي يتم ممارستها من خلال تأشيرة “شنغن” وصرف الملايير على الوكالة الأوربية لحراسة الحدود “فرونتكس” وسياسة الإبعاد وتوسيع الحدود.
وأوروبا تسعى إلى المحافظة على مصالحها، فكيف لها أن تسمح بانتقال الأموال، والمواد الخام، وخيرات دول الجنوب؟، وفي المقابل ترغب في هجرة منظمة وعلى المقاس كـ “هجرة الأدمغة”، إذن فالاتحاد الأوروبي هو من يبتز شعوب دول الجنوب وما قبول المساعدات والهبات المادية إلا دليلا على إرادة الطرفين في نهج السياسة المملاة من طرف أوروبا.

< هل أثرت جائحة كورونا على حركة الهجرة؟
> كان الكثير يتوقع أن يحد كوفيد 19 من حركة الهجرة والتنقل، لكن نلاحظ اليوم بأن موجات الهجرة كبرت واتسعت بـ 370 في المائة، وعدد الغرقى سواء في البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي ارتفع بشكل كبير ليبلغ 200 في المائة، وهو ما كان خارج كل توقعات الباحثين في المجال، وهذا بسبب الجائحة التي عرت عن أزمة الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي بدول الجنوب والتي تدفع بالشباب إلى المغامرة فوق أمواج مياه البحار.
وأشير هنا، إلى فاجعة وجدة التي حدثت بسواحل وهران “عين الترك”، فإلى حدود اللحظة لا زال البحث جاريا عن مجموعة من المفقودين المغاربة من تاوريرت ووجدة وفكيك وبوعرفة وتندرارة، بعدما غرقوا على متن القارب في عرض البحر الأبيض المتوسط ليلة 19 فبراير الماضي.

< ذكرت قبل قليل تأشيرة “شنغن” وربطتها بسياسة الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، ما الذي تقصده بالضبط؟
> منذ إحداث فضاء الاتحاد الأوروبي لتأشيرة “شنغن” أصبحنا نعيش المآسي الإنسانية، وأحيلكم على الحادث الأليم الذي عشناه خلال بداية التسعينات، إذ فقدنا 12 ألف شاب، وهي ثروة بشرية حقيقية للمغرب.
وفيما بعد، تطورت موجات الهجرة إلى أن أصبحت لدينا تجمعات كبيرة لمهاجرين بغابة بليونش وغوروغو ووهران وعنابة، وكذا مجموعة من المدن التونسية، والتي كانت تضم مهاجرين مغاربيين، لينضاف إليهم فيما بعد بعض المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء بداية القرن 21.
وخلال السنوات الأخيرة ظهرت الهجرة عن طريق ليبيا، بكل من زوارة وبنغازي وطرابلس، سواء حيث توجد حكومة حفتر أو حكومة السراج المعترف بها دوليا بطرابلس، ونتلقى اتصالات من مغاربة يخبروننا بأن الوضع أقل ما يقال عنه إنه “الجحيم بعينه”، حيث يباع الناس ويشتروا في أسواق النخاسة، بالخمس والزاوية وزوارة..
وبحسب ما نتوفر عليه من معطيات، فإن النساء الإفريقيات من جنوب الصحراء تبعن في المزاد العلني بمراكز الاحتجاز إلى جانب الشباب من أجل العمل في الحقول لكسب القوت اليومي وتوفير القليل من المال للهجرة نحو إيطاليا.
ولا زالت هذه الممارسات موجودة إلى اليوم، ولا أدري كيف للشباب المغربي الذهاب إلى هذه البلاد من قصبة تادلة وبني ملال ومراكش وآسفي والدار البيضاء والجديدة، حيث يغيب الأمن بها، ومن ثم يجدون أنفسهم في الأخير سلعة وبضاعة بين عصابات أصبحت متخصصة في الاتجار بالبشر، ونتوفر على تسجيلات صوتية بهذا الخصوص.
على العموم أصبحنا أمام وضع سببه الرئيسي سياسة أوروبا، لأنها وراء أوضاع التوتر في ليبيا، والنيجر، ومالي، وهذا تحصيل حاصل لأجندتها القاضية بتوسيع حدودها والتدخل العسكري والسياسي السافر في شؤون هذه البلدان، وخلق أزمات اجتماعية واقتصادية وصراعات اثنية للاستفادة من ثروات الدول، وبالتالي فهؤلاء المهاجرين سواء كانوا مغاربيين أو أفارقة من دول إفريقيا جنوب الصحراء، يتبعون ثرواتهم التي ذهبت منهم اغتصابا، إذن لا داعي للترويج للخطابات الفضفاضة، ومحاولة إقناع بلدان الجنوب بأنها بلدان استقبال.
ودعني أقول، بأن الهجرة هجرات؛ هجرة استكشافية وعلمية، وهجرة لتحسين الوضع، وهجرة للبحث عن الأمان، والإنسان بطبعه استكشافي ويحب أن يتنقل ويبحث عن ظروف تحفظ وتصون كرامته.
وما يقع في المغرب والجزائر وتونس وليبيا، نجده يحدث بباقي حدود الدول الأخرى، على سبيل المثال لا الحصر، نذكر الهجرة عبر بحر إيجة بين تركيا واليونان، ولقد تواصلنا مؤخرا مع عائلة مغربية من الدار البيضاء مكلومة بفقدان أحد أبنائها في سن 23 سنة، دهسه قطار في نفق يفصل البوسنة عن الاتحاد الأوروبي، وتأكدنا فيما بعد بأنه تم دفنه في مقبرة إسلامية بالبوسنة.
وفي الصدد ذاته، لابد من الإشارة إلى الفيديو الذي يوثق لتجريد 8 مهاجرين مغاربة من ملابسهم من قبل حرس الحدود “فرونتكس” وإجبار عناصر الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل لهم بقطع النهر الذي يفصل بين تركيا واليونان، وذلك في درجة حرارة ناقص الصفر.
وهذا الفعل وصمة عار على جبين أوروبا التي تدعي حماية حقوق الإنسان، لاسيما وأنه يتم ممارسته أيضا على السوريين، والعراقيين، والأفغانيين، الذين يعيشون في مخيم موريا الذي زرته ميدانيا، ويمكن نعته بمخيم العار على أبواب أوروبا.
ويجب التنديد بما يقدم عليه عناصر الحدود الأوروبية، وما مطالبة برلمانيين أوربيين بإقالة مديرها في الآونة الأخيرة إلا دليلا على تورطها في جرائم ضد الإنسانية، سواء في البحر الأبيض المتوسط، أو المحيط الأطلسي، أو ببحر إيجة، أو بالحدود البرية بين تركيا واليونان.

< ما هو توقعك لمستقبل حركات الهجرة في ظل الحديث عن وضع سياسات خاصة بالمجال أثناء عقد مؤتمرات دولية تتحدث عن تدبير الملف بشكل مشترك بين حكومات الدول؟
> تسخر أوروبا منا بهذه المؤتمرات، بحيث تحاول أن تحافظ بها على مصالحها سواء من خلال مؤتمر مراكش، أو المؤتمرات التي تنظم ببرشلونة، أو التي تنظمها المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين، أو المنظمة العالمية للهجرة، وهي سياسة لإخفاء الكثير من الحقائق، إخفاء سياسة الموت.
الواقع هو أن هذه المؤتمرات تحاول عن طريقها أوروبا تمرير سياسات تخدم أجندتها، بإرغام دول الجنوب على لعب دور “الدركي” لحراسة حدودها، وفرض خطتها على حكومات دول الجنوب.
وكما قلت سلفا، فأوروبا ترغب في هجرة منظمة ومختارة وفق حاجياتها، ففي الوقت الذي كانت تبحث عن تشييد بنيتها التحتية المهترئة بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية منهمكة ومدمرة، استقبلت اليد العاملة من دول الجنوب، حيث بنت سواعد هؤلاء المهاجرين جسور ومصانع وعمارات أوروبا، ليصبحوا اليوم غير مرغوب فيهم، وبدأت رحلتها في البحث عن مهاجرين يطورون تكنولوجيتها، من خلال تنقيح نوعية هجرة الأدمغة.
ولقد هاجر من المغرب حوالي 8000 إطار في ظل سنة واحدة، وهذه الأطر أنفق عليها المغرب ثروة مالية مهمة، وبالتالي ستستفيد منها أوروبا بشكل مجاني، وبدون أن تؤدي المقابل المطلوب.
وبالتالي فالمؤتمرات التي تنظمها أوروبا وتحضرها، تحاول من خلالها الحفاظ على مصالحها وتوسيع حدودها بالعسكرة، استنادا إلى توزيع المساعدات على دول الجنوب، وتزويدها بالوسائل اللوجيستيكية لحماية حدودها (السيارات، آلات التصوير، والتدريب العسكري..).
وهذا يدل على أن أوروبا تفوض ملف حراسة حدودها التي عجزت عن تدبيرها بشكل ذاتي إلى دول الجنوب، وهو ما يمكن الوقوف عنده بكل من موريتانيا والنيجر ومالي، حيث تم بناء قواعد عسكرية فرنسية بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف وتفيد بعض المعطيات بوجود عناصر ومعدات عسكرية لـ”فرونتكس” بكل من السنغال وموريتانيا.
والخطير في الأمر هو أن أوروبا أصبحت تربط الإرهاب بالهجرة، فلم يسبق للهجرة أن ارتبطت بالإرهاب، فكم من مهاجر كان إرهابيا، وحتى إن كان الأمر كذلك فإنه لن يتجاوز رؤوس الأصابع، وبالتالي يتم ربط الإرهاب بالهجرة، من أجل إقناعنا بأن الحد من الإرهاب لا يمكن أن يتم إلا من بوابة الحد من الهجرة.
ومن جانبي أقول بأن الإرهاب الكبير هو الذي تخلقه دول الشمال في حق شعوب دول الجنوب، من خلال التدخل في سياسة حكوماتها ودعم أنظمتها غير الديمقراطية والفاقدة للشرعية الشعبية، وهذا النموذج لم يقدم لنا إلا المآسي الإنسانية نطالعها اليوم بكل من اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، وأفغانستان.. حيث يتم تقسيم هذه البلدان إلى أجزاء متفرقة بين الدول الأجنبية؛ روسيا، وتركيا، والولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي.
وعلى هذا الأساس فإن موجات الهجرة الكثيفة سبب وجودها دول الشمال، لا أقل ولا أكثر، ولهذا لا داعي للوم المواطنين في البحث عن مكان آمن يحفظ حياتهم، فالعالم أصبح قرية صغيرة، ونحن مستمرين في نضالنا من أجل حرية التنقل وحرية الإنسان في البحث عن مكان يحفظ كرامته ويضمن له العيش الكريم.

< وكيف يمكن لدول الجنوب أن تدافع عن سياساتها في مجال الهجرة؟
> لا يمكن لأنظمة الدول الإفريقية أن تدافع عن سياسة مستقلة، لأنها غير مستقلة في الأصل، بمعنى أنها تنفذ السياسات الأوروبية في حدودها الدنيا على الأقل، والدليل على ذلك عدم توفرها على سياسات خاصة بها في الهجرة، إذ تحاول أدلجة سياساتها مع ما تطلبه دول أوروبا فقط.
ومن جانبها تحاول أوروبا إقناعنا بأننا دول استقبال، والحال أن أزيد من 90 في المائة من الأفارقة جنوب الصحراء لا يسعون إلى الاستقرار في المغرب أو تونس أو الجزائر، بل يبحثون عن الحلم الأوروبي، وبالتالي سياسات إفريقيا ترضخ للضغوط الأوروبية، لأن القرار السياسي ليس بيدها.
وأقدم لك نموذجا واحدا لأختم، وهو التدخل الفرنسي العسكري بمالي بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، وقس على ذلك تواجد قواعد عسكرية بالنيجر وإفريقيا الوسطى، ومن ثم فدول الجنوب لا تملك قرارا سياديا، يمكنها من وضع استراتيجية خاصة بها، لا أن تنسخ سياسات لها ارتباط بدول الشمال ومصالحها.

إنجاز : يوسف الخيدر

[email protected]

Related posts

Top