ندوة تفاعلية لحزب التقدم والاشتراكية: أي عرض للعلاجات في أفق تعميم الحماية الاجتماعية؟

أحمد زكي:  موضوع الحماية الاجتماعية بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية مشروع مجتمعي يتطلب اختيارات سياسية واضحة

الحسين الوردي: مسؤولية النهوض بالشأن الصحي يتقاسمها الحكومة والمهنيون

عبد الحفيظ ولعلو: يجب التفكيرفي سياسة دوائية وطنية مندمجة وشمولية

خالد لحلو: المغرب استطاع القفز من 61 بالمائة في نسبة التغطية الصحية سنة 4002 إلى أزيد من 86 بالمائة حاليا

سعيد المتوكل: المنظومة الصحية بالمغرب عرفت مجموعة من التحولات وكل المؤشرات تدل على وجود تحديات كبرى يتعين رفعها

أكد أحمد زكي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن موضوع الحماية الاجتماعية بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية هو مشروع مجتمعي يتطلب اختيارات سياسية واضحة، لأن التغطية الصحية كما هو الشأن بالنسبة للتغطية الاجتماعية “عنصر أساسي يساهم في تطور ونمو المجتمع”.
وأوضح أحمد زكي، خلال ندوة حول” الحماية الاجتماعية وعرض العلاجات”، نظمها حزب التقدم والاشتراكية، في إطار تحضير البرنامج الانتخابي، أن موضوع التغطية الصحية ليس بالموضوع الجديد على اعتبار أن العديد من الشعوب والمجتمعات، تمكنت بفضل نضالها عبر التاريخ من بلورة منظومة للحماية الصحية تساعد على ضمان العيش الكريم لمختلف أفراد المجتمع، مشيرا إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على أن “أي شخص له الحق في مستوى عيش كاف يضمن صحته، وعيشه السعيد له ولعائلته، خاصة من خلال التغذية والملبس والسكن والعلاجات الطبية بالإضافة إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية”.
وبالنسبة للقيادي في حزب التقدم والاشتراكية فإن إقرار هذا المشروع المجتمعي سيمكن المغرب من الولوج إلى مرحلة جديدة تتطلب من مختلف القوى الأساسية العمل على إنجاحها وعلى جعل المغرب ضمن الدول المتقدمة، مشيرا إلى أن هذا المشروع المجتمعي الذي يستعد المغرب لإطلاقه هو مشروع سيمتد لسنوات من أجل تحقيق الأهداف المسطرة، مؤكدا على أن الخطر الأول الذي يمكن أن يهدد نجاح هذا المشروع هو الاعتماد على سياسية تؤدي إلى تضخم المصاريف والتي قد تدفع إلى التراجع عن المكتسبات الممكن تحقيقها من خلال النموذج الصحي، مستدلا في ذلك بمجموعة من الدول الأوروبية التي كانت تتوفر على تغطية صحية في المستوى لكنها كانت تركز في سياستها الصحية على العلاجات مما أدى إلى تراكم المصاريف وتضخمها، وبالتالي إلى عجز هذه الدول.

وحتى لا نصل إلى وضعية العجز، يقول أحمد زكي “علينا أن نفكر في أية سياسة صحية يجب أن ننخرط فيها، لضمان نجاح هذا المشروع المجتمعي الذي سينطلق عما قريب”. وأوضح في هذا السياق أن البحث الوطني حول الصحة العائلية يشير إلى أن المغرب يعرف ارتفاعا في الأمراض الغير معدية كالسرطان والسكري أمرض القلب والشرايين وأمراض الجهاز التنفسي، وهي أمراض، مع الأسف تتطور بشكل رهيب حيث أنها هي السبب في 75 في المائة من الوافيات، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي تمكن فيه المغرب من الحد من الأمراض المعدية من خلال سياسية التلقيح والتي نجح المغرب في اعتمادها، تبقى تلك الأمراض غير المعدية تشكل تحديا كبيرا بالنسبة للسياسة الصحية في المغرب، مما يفرض تبني سياسة صحية مغايرة ترتكز أساسا على الوقاية، وليس فقط على الجانب العلاجي.
وأكد أحمد زكي على أن السياسة الوقائية ليست حكرا على وزارة الصحة، فقط بل تتداخل فيها مجموعة من القطاعات الحكومية الأخرى وهي أيضا شأن الدولة والمجتمع وترتبط أساسا بتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء والسكن اللائق والبيئة النظيفة والتغذية الصحية والمتوازنة، منبها في هذا الصدد إلى ما تقوم به الصناعات الغذائية والتي يمكن أن تقوم بأس شيء إلا التفكير في صحة المستهلك، مشيرا إلى هذه الصناعة تستعمل مواد بإفراط وهي مضرة بالصحة ولا أحد يتدخل لمنع ذلك، خاصة الاستعمال المفرط لمادتي الملح والسكر وهي مواد تؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة والتي تثقل كاهل الدول والأسر ، مما يفرض على الدولة إعمال المراقبة الصارمة لهذه الصناعات، لضمان خلوها من هذه الأخطار.
ودعا أحمد زكي إلى إعطاء الأهمية للعلاجات الأولية، وجعلها هدفا رئيسيا، بالنظر إلى دورها الأساسي في تحسيس وتوعية المواطنين بالمخاطر الصحية، مشيرا إلى أن السياسية التي ينهجها المغرب في مجال العلاجات الأولية، تبقى بطيئة بالمقارنة مع ما تطور الأمراض المزمنة الغير معدية، بالإضافة إلى ضرورة العناية بالصحة المدرسية بالنظر إلى أهميتها ودورها في حث الأجيال القادمة على الانخراط في توجه الصحة الوقائية.
وشدد عضو المكتب السياسي على ضرورة العناية بالموارد البشرية من أطباء وممرضين من أجل سد الخصاص والحد من ظاهرة هجرة الأطباء المغاربة إلى الخارج، مشيرا إلى أن هناك حاجة لفتح نقاش وحوار مع الأطباء المغاربة لمعرفة ما هي ظروف الاشتغال الممكن توفيرها لهم.
من جهته، قال الدكتور عبد الحفيظ ولعلو صيدلاني وعضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، إن المغرب في حاجة ماسة إلى إقرار سياسية دوائية وطنية مندمجة وشمولية تغطي عن العجز الحاصل في هذا القطاع.
وسجل الدكتور ولعلو في كلمته التي تمحورت حول “السياسة الدوائية ودورها في الحماية الاجتماعية”، أن في مقدمة البحث عن حلول للإشكالات التي يعرفها القطاع الصحي والصيدلاني بالمغرب هو التفكير في سياسة دوائية مندمجة وشمولية تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل والإشكالات التي تعرفها السوق، معبرا عن أسفه عن كون المغرب لا يمتلك سياسة دوائية منذ الاستقلال، داعيا إلى إحداث هذه السياسة وإصلاح هذا القطاع بشكل شمولي.
وبعدما ذكر ولعلو بالدروس التي قدمتها جائحة كورونا للعالم عموما والمغرب خصوصا بشأن أولوية قطاع الصحة وضرورة النهوض به، شدد على ضرورة إصلاح المنظومة الصحية إصلاحا شاملا وهيكليا كما أكد على ذلك جلالة الملك في خطاباته الرسمية، مع ضرورة ضمان الأمن الدوائي للمغاربة، من خلال تزويد السوق والبلد بالأدوية الأساسية، كما حدث خلال جائحة كورونا التي اضطرت إلى خوض غمار الحرب الدولية حول الأدوية واللقاحات لمواجهة الوباء.
وسجل ولعلو أن الاستمرار في الاعتماد على النسبة الكبيرة من الأدوية المستوردة وعدم إقرار منظومة صناعة وطنية للأدوية وسياسة شاملة للتصنيع يضمن بها المغرب أمنه الدوائي على غرار الأمن الغذائي سيطرح له صعوبات كثيرة، كما يحدث في العالم خلال المرحلة الحالية حيال اللقاحات وغيرها من الأدوية الخاصة بمواجهة كورونا، كما أن الأمر يطرح إشكالية حول “الاستقلالية”.

وشدد الدكتور ولعلو على أن الدواء باعتباره منتوجا اجتماعيا واستراتيجيا ومن المواد الأساسية، ويعرف تداخل عدد من الوزارات والقطاعات في تدبيره، يحتاج إلى تفكير وتوسيع النقاش حياله، وحل المشاكل التي ما تزال مرتبطة به وعلى رأسها مشكل الأسعار.
وكمدخل لإصلاح قطاع الصحة بصفة عامة وقطاع الأدوية بصفة خاصة، يرى الدكتور ولعلو أنه من الواجب إعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة لهذا القطاع الحيوي، والتي اعتبرها بالية وقديمة، بحيث تعود معظم النصوص القانونية إلى القرن السابق وإلى حدود عهد الحماية وسنة 1922.
وقال ولعلو إن هذا القطاع يتميز بكونه يتطور بسرعة، فمهنة الطب والقطاعات المرتبطة بها تتطور بسرعة كبيرة في العالم عموما والمغرب خصوصا، مشيرا إلى أن الإشكال يكمن في الترسانة القانونية التي يجب أن يتم إعادة النظر بشأنها على أن تراعي التطور السريع الذي يعرفه القطاع الطبي والصيدلاني.
في هذا الصدد، سجل ولعلو بعد التطور الملحوظ بالمقارنة مع الفترة الماضية التي كانت فيها 87 بالمئة من السوق الدوائية بالمغرب بيد الشركات متعددة الجنسيات وكان الرأسمال الأجنبي يطغى على الرأسمال المغربي، مشيرا إلى أن المرحلة الحالية عرفت تطورا نسبيا، كما انتقلت شركات التوزيع في السابق من 6 شركات توزيع إلى 58 شركة بمختلف جهات المملكة وكلها رأسمال الصيادلة المغاربة.
من جانب آخر، كشف الدكتور الصيدلاني ولعلو أن استهلاك الأدوية في المغرب لا يزال ضعيفا، حيث تقدر نفقة المواطن الواحد في السنة 420 درهم، فيما تصل إلى 10 ملايير درهم في السنة، بينما في فرنسا تفوق 350 مليار درهم، أي أن السوق المغربي تعادل سوق مدينة مرسيليا فقط.
ورد ولعلو ضعف الاستهلاك هذا إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وكذا نسبة التغطية الصحية، ومشكل الأسعار الذي ما زال يثير الجدل، فضلا عن ميزانية شراء الأدوية التي تعتمدها وزارة الصحة والتي لا تتجاوز 2 مليار درهم سنويا، ونسبة التصدير التي لا تتعدى 10 بالمئة من الإنتاج الوطني والذي يتم أساسا إلى إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط.
وعاد ولعلو للحديث عن مشكل أسعار الأدوية والذي قال إنه مشكل ما يزال قائما ومستمرا لأن الشركات متعددة الجنسيات هي التي تفرض هذه الأسعار نتيجة تحكمها في تكنولوجيا صناعة الأدوية، والمواد الأساسية جلها مستورد سواء من الصين أو الهند أو غيرها من البلدان، وهو نفس الأمر بالنسبة للقاحات.
ومن جملة المشاكل المرتبطة بهذا الموضوع الضرائب، حيث يؤكد ولعلو أن هذا الأمر غير مقبول وغير معقول، متسائلا عن سبب استمرار أداء المريض لـ 7 بالمئة من الضريبة على الدواء، بينما الدول المجاورة 0 بالمئة إلى حدود 2.3 بالمئة في فرنسا مثلا.
وتساءل ولعلو عن سبب رفض وزارة المالية حذف هذه الضريبة وكذا مصاريف الهيئات الخاصة بالحماية الاجتماعية، الصندوق والضمان الاجتماعي و”الكنوبس”، فضلا عن ضرائب أخرى يؤديها المواطن، وبإمكان حذفها أن يساهم في تخفيض مصاريف العلاج.
وأبرز ولعلو أن المطلب الأساسي يبقى بالنسبة للجميع سواء الفاعلين في هذا القطاع أو المتتبعين هو تشجيع الصناعة المحلية، معتبرا أن تطويرها مرتبط بتشجيعات في الاستثمار والضرائب “وذلك لكي نكون مؤهلين ليكون المغرب قاطرة لإفريقيا ومحطة للتصدير”، وفق تعبير المتحدث.
إلى جانب ذلك، أعاد الدكتور ولعلو طرح مقترح إحداث هيئة وطنية مستقلة للأدوية عوض مديرية الأدوية وإحداث مرصد وطني للتتبع استهلاك الأدوية بالجهات وبنوعية الأمراض، وإحداث نظام معلوماتي وطني مندمج يسهل الولوج للدواء والعلاجات.
كما شدد المتحدث على ضرورة النهوض بالتغطية الصحية وضرورة تشجيع البحث العلمي التكنولوجي والصيدلاني ورقمنة القطاع انطلاقا من وصفات الدواء إلى متابعة الحالات ومتابعة صحة المواطنات والمواطنين، وكذا دفتر المريض الذي يتضمن كل ما يتعلق بالمريض والذي يتيح للطبيب والصيدلي متابعة صحة المواطن ومراقبة التطورات والأعراض الجانبية وكذا الصحة بصفة عامة.
إلى جانب ذلك، أكد المتحدث على وجوب النهوض بالموارد البشرية على مستوى قطاعي الصحة والصيدلة، اللذان يعرفان خصاصا كبيرا أبانت عنه الجائحة، مع ضرورة النهوض وتثمين أدوار الموارد البشرية العاملة قي قطاع الصيدلة إلى جانب الطب، باعتبارها توجد في صلب مشروع إصلاح المنظومة الصحية وإصلاح القطاع.
من جانبه، ذكر خالد لحلو المدير العام للوكالة الوطنية للتأمين الصحي بالدور المهم والأساسي لمنظومة الحماية الصحية والتي تحظى برعاية ملكية خاصة، إذ ما فتئ جلالة الملك يدعو في خطاباته السامية إلى النهوض بهذا الورش الوطني عبر تعميم التغطية الصحية لتشمل كافة المغرب.
وقال خالد لحلو إن التغطية الصحية هي أحد الركائز المهمة والأساسية للحماية الاجتماعية، والتي تعتبر المدخل الأساسي لها، مسجلا أنه على المستوى العالمي هناك هدف لبلوغ التغطية الصحية الشاملة والذي واكبته جل المنظمات الدولية ابتداء من 2010، خصوصا بعد إقرار منظمة الصحة العالمية في استراتيجيها لتمويل قطاع الصحة بضرورة الوصول إلى التغطية الصحية الشاملة.

بالمقابل، سجل المتحدث أن المغرب أقر في الدستور بأحقية المواطنين من الولوج إلى الخدمات الصحية والحماية من المخاطر المرتبطة بالصحة، مشيرا إلى أن هناك رعاية خاصة لجلالة الملك من خلال خطاباته السامية وآخرها خطابي العرش لسنة 2020، وكذا خطاب افتتاح السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة والذي دعا فيه جلالته إلى تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة بشكل صريح ومباشر وذلك في حدود 2022.
وشدد لحلو على أن هذا الورش يأتي في سياق دسترة الحق في الصحة، حيث أن الدستور لم يأت بفصل واحد حول الرعاية الصحية، بل مجموعة من الفصول، وهي المواد 20 و21 31، 34، 154 والتي تصب كلها في حماية المواطن وضمان سلامته وحقه في الحياة والصحة والولوج للخدمات العلاجية والصحية ذات جودة.
وإلى جانب التأسيس الدستوري للحق في الحماية الاجتماعية أبرز لحلو أهمية الترسانة القانونية التي يتوفر عليها المغرب، والتي قال إنها تطورت مع الزمن، من خلال إقرار القانون رقم 65.00 والذي يعد بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، بالإضافة إلى القانون الإطار رقم 34-09 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات الذي سطر المبادئ الأساسية للنظام الصحي بالمغرب، فضلا عن القانون رقم 131-13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب، أخذا بعين الاعتبار متطلبات كبيرة تتمثل في فعالية وجودة ونجاعة نظام العلاجات، والذي يفرض حسب المتحدث، تنوع أساليب ممارسة الطب وطرق جديدة للتمويل والتدبير، إلى جانب قوانين ومراسيم كثيرة تصب في نفس الإطار وهو ضمان الحماية الاجتماعية لجل المواطنات والمواطنين.
واعتبر المتحدث أن التغطية الصحية الشاملة تعد دائما منظومة في طور البناء لكونها لم تصل بعض إلى الكمال، مذكرا في هذا الصدد بأن الانطلاقة التي كانت سنة 2002 باعتماد القانون 65-00 يعد بمثابة مدونة للتغطية الصحية الأساسية والذي يقوم على 6 مبادئ تأسيسية رئيسية ومعتمدة عالميا وهي الإنصاف، التضامن، عدم الاختيار، عدم التمييز الإلزامية، الشمولية.
وأوضح المدير العام للوكالة الوطنية للتأمين الصحي أن البناء تم عبر عدة مراحل انطلقت منذ سنة 2005، عبر دخول القانون رقم 65-00 ونظام التأمين الإجباري الأساسي بالقطاعين العام والخاص حيز الوجود، ثم سنة 2006 إطلاق أنظمة خاصة من خلال الاتفاقية بين الدولة والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وكذا إطلاق شركات التأمين الخاصة، قبل أن يتقرر في 2012 تعميم نظام المساعدة الطبية، وإحداث اللجنة بين الوزارية لقيادة إصلاح التغطية الصحية الأساسية عام 2014، وكذا 2016 التي عرفت دخول نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض للطلبة حيز التنفيذ، فيما تم خلال 2017 اعتماد القانون رقم 98-15 المتعلق بالتأمين الإجباري للمستقلين، و2018 إحداث اللجنة بين وزارية لقيادة إصلاح الحماية الاجتماعية، وصولا إلى 2019 التي عرفت مرحلة أخرى وهي اعتماد القانون رقم 94-18 المتعلق بالمصادقة على المرسوم القانون بشأن إحداث الصندوق المغربي للتأمين الصحي.
وشدد المتحدث على أن المغرب استطاع القفز من 16 بالمئة في نسبة التغطية الصحية سنة 2004 إلى أزيد من 68 بالمئة حاليا، في أفق أن تصل إلى 100 بالمئة متم السنة الجارية، من خلال دخول القانون الإطار 09 – 21 الخاص بالحماية الاجتماعية حيز الوجود.
وفي مؤشرات قدمها المدير العام للوكالة الوطنية للتأمين الصحي، قال خالد لحلو إن الظرفية التي تم فيها بلورة وتنزيل فيها هذا الورش، تعد ظرفية صعبة بالنظر لحجم النفقات التي تقدمها الأسر المغربية للولوج إلى المرفق الصحي.
في هذا الصدد، سجل لحلو أن الأسر المغربية تفوق مساهمتها المباشرة 50 بالمئة، معلقا على ذك بالقول “إن هذه المؤشرات تجعل المغرب في وضع صعب بخصوص نفقات الأسر ويضعنا أمام مسؤولية التقليص من هذه النفقات”.
وبعدما سجل مجهودات كبيرة بذلها المغرب منذ 2005، أشار لحلو إلى أن 68 بالمئة من المغاربة الذين يتوفرون على التغطية تشمل 31 بالمئة من تغطية “رميد” و18 بالمئة بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حسب تقرير الوكالة لسنة 2018، وكذا 8.8 أجراء القطاع العام، و0.2 بالمئة بالنسبة للطلبة، فيما تبقى 31 بالمئة خارج التغطية.
هذا، وشدد المتحدث على أنه مع إخراج نظام التغطية الصحية للمستقلين في الأسابيع المقبلة سيصل المغرب في أقرب الآجال إلى 90 بالمئة، على أن تكون التغطية الصحية شمولية في 2022 كما دعا إلى ذلك جلالة الملك.
من جهته أكد الأستاذ الجامعي والطبيب المختص سعيد المتوكل، في مداخلته أن المنظومة الصحية بالمغرب عرفت مجموعة من التحولات منذ الاستقلال إلى اليوم، وأن هذه التحولات همت الجوانب المؤسساتية والجوانب المتعلقة بالمنظومة الصحية بصفة عامة، وأورد في هذا السياق مجموعة من الأرقام والمؤشرات الدالة على وجود تحديات كبرى يتعين رفعها، من قبيل التحدي المتعلق بالموارد البشرية من أطباء وممرضين وأطر شبه طبية، وكذا التحدي المرتبط بالبنية التحتية من مستشفيات ومراكز صحية.
وأضاف سعيد المتوكل أن العرض العلاجي المتوفر في المغرب والمبني على شبكة العلاجات الأولية المتواجدة في المراكز الصحية ومستشفيات القرب والمستشفيات الجهوية، والجامعية، هو مؤطر بمجموعة من القوانين خاصة القانون رقم 09-34 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات والذي ينص وفق لأحكام المادة الثانية من الفصل 46 من الدستور واعتبارا لكون الحق في الصحة حقا من حقوق الإنسان الأساسية، وتطبيقا لالتزامات المملكة المغربية في إطار الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحة، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودستور المنظمة العالمية للصحة، يهدف هذا القانون الإطار إلى تحديد المبادئ والأهداف الأساسية لعمل الدولة في مجال الصحة وإلى تنظيم المنظومة الصحية، يعتبر الحق في الحفاظ على الصحة من مسؤولية الدولة والمجتمع.

وأوضح الدكتور سعيد المتوكل أن المنظومة الصحية وفقا لهذا القانون تتألف من مجموع المؤسسات والموارد والأعمال المنظمة لتحقيق الأهداف الأساسية للصحة على أساس مبادئ التضامن وإشراك الساكنة في مسؤولية الوقاية والمحافظة على الصحة والمعافاة من المرض، وكذا‏ المساواة في الولوج إلى العلاج والخدمات الصحية بالإضافة إلى الإنصاف في التوزيع المجالي للموارد الصحية، والتكامل بين القطاعات، واعتماد مقاربة النوع في الخدمات الصحية، مؤكدا على أن مسؤولية تحقيق تلك المبادئ تقع على عاتق الدولة.
ويشمل عرض العلاجات، وفق ما أورده الدكتور سعيد الكتوكل استنادا للقانون المتعلق بالمنظومة علاوة على الموارد البشرية، مجموع البنيات التحتية الصحية التابعة للقطاع العام أو الخاص، وكل المنشآت الصحية الأخرى الثابتة أو المتنقلة، وكذا الوسائل المسخرة لتقديم العلاجات والخدمات الصحية استجابة للحاجيات الصحية للأفراد والأسر والجماعات، مشيرا إلى أن عرض العلاجات يجب أن يكون، وفقا للقانون ذاته، موزعا بشكل متوازن وعادل على مجموع التراب الوطني في إطار احترام تلك المبادئ، وأن ينظم القطاع العام والقطاع الخاص، سواء كان هذا الأخير يسعى إلى الربح أم لا، بشكل منسجم للاستجابة بشكل فعال للحاجيات الصحية بواسطة عرض علاجات وخدمات متكاملة ومندمجة ومتناسقة، على ينظم عرض العلاجات وفقا للخريطة الصحية والمخططات الجهوية لعرض العلاجات المنصوص عليها في القسم الثالث القانون ذاته.
وفي نظر الدكتور سعيد المتوكل فإن الخريطة الصحية هي ملزمة للقطاع العام أكثر من القطاع الخاص، على اعتبار أن البنود والمراسم التطبيقية لم تطرح بشكل واضح ليكون هناك نوع من التنسيق بين القطاعين في هذا المجال، لكن الأهم في نظره، الخريطة الصحية على الصعيد الوطني، هو العرض العلاجي الجهوي المتكامل والمتناسق.
وأضاف المتحدث أن المقصود بالمؤسسات الصحية، وفق ما جاء هذا القانون، هي مختلف المؤسسات أيا كان نظامها القانوني والمنظمة بغرض المساهمة في عرض العلاجات، وأن تتولى المؤسسات الصحية العمومية والخاصة، كل منها حسب غرضها، تقديم خدمات الوقاية أو التشخيص أو العلاج أو إعادة التأهيل، سواء تطلب ذلك الاستشفاء بالمؤسسة الصحية أم لا، بالإضافة إلى أن كل مؤسسات صحية، حسب غرضها ووفق المقتضيات القانونية أو التنظيمية الخاصة بها، لتوفير أقصي شروط ‏السلامة الصحية الممكنة، واستقبال المرضى في ظروف تتلاءم مع حالتهم الصحية، وعند الاقتضاء في حالة استعجال أو إحالتهم، إن اقتضى الحال، على المؤسسة الصحية المناسبة.
ويرى سعيد المتوكل أن القانون إذا ما تم احترامه والتقيد به، يمكن أن تكون هناك علاقات شراكة بين القطاعين الخاص والعام، وبين المنظمات المهنية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني لتشجيع مساهمتها في أعمال الصحة، خاصة الأعمال المتعلقة بالإعلام والتربية الصحية والتحسيس، بالإضافة إلى أن هذا القانون في المادة 15 يسمح للمؤسسات الصحية التابعة للقطاع الخاص أن تساهم، بناء على دفتر تحملات، في أعمال الصحة العمومية في إطار التكامل بين القطاعين العام والخاص، لكن ذلك يبقي بحسبه ضعيفا ولم يصل إلى المستوى المطلوب، وأن هذا النوع من الشركات لم يتحقق إلا على مستوى مرضى القصور الكلوي.
وطرح الدكتور سعيد المتوكل مجموعة من التحديات والخلاصات التي يتعين الأخذ بها خاصة ما بعد “كوفيد 19” من قبيل إعادة صياغة نموذج جديد للتنمية البشرية، والرقي بالمنظومة الاجتماعية وتأهيل المنظومة التعليمية والصحية والحفاظ على مسؤسسات العلاج الأولي دعم وإنشاء مؤسسات استشفائية حديثة تحفظ للإنسان كرامته، والإيداع في الحكامة وملائمتها مع الجهوية الموسعة، في إطار مشروع مجتمعي يقطع مع الماضي، بالإضافة إلى إشراك الفاعل السياسي والسلطات المنتخبة في التسيير والبرمجة، بالإضافة إلى تمكين المؤسسات الصحية من نظام خاص يشمل منحهم الاستقلالية المادية والإدارية والمالية، وإعادة النظر في منظومة التوظيف في قطاع الصحة وتطوير إطار خاص بهم، وتحفيز الموارد البشرية والعناية بهم، وحصر المجال الصحي في المهام الطبية والتمريضية، وإعفائهم من المهام الإدارية وجعلها حكرا على المختصين في الميدان.
وتفاعلا مع ما جاء في مداخلات المشاركين في هذه الندوة، أكد وزير الصحة السابق والقيادي في حزب التقدم والاشتراكية البروفيسور الحسين الوردي على أنه بدل الحديث، فقط، عن موضوع عرض العلاجات، يتعين الحديث حول ماهية المنظومة الصحية الوطنية التي يمكن بلورتها من أجل إنجاح مشروع الحماية الاجتماعية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المنظومة الصحية، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، هي مجموعة من المؤسسات ومجموعة من الموارد والفاعلين هدفهم الأساسي هو تحسين صحة السكان، ولها ثلاثة أهداف الأول مباشر، وهو تحسين صحة السكان أي الحد من الأمراض ومن الوافيات، وهذا دور الوقاية ما يفرض في نظره، بلورة منظومة للوقاية انطلاقا من أفكار قابلة للتحقق على أرض الواقع.
أما الهدف الثاني لأي منظومة صحية، وفق تعريف منظمة الصحة العالمية، وفق ما ساقه الحسين الوردي، هي العدالة الاجتماعية والمساواة في عرض العلاجات والولوج إليها، فيما يتحدد الهدف الثالث في النهوض بالعنصر البشري، وهي النقط التي ركزت عليها المداخلات الثلاث من أجل إنجاح مشروع الحماية الاجتماعية كمشروع مجتمعي أساسي.
وشدد وزير الصحة السابق على ضرورة ربط الأفكار بالممارسة على أرض الواقع، بالإضافة إلى ضرورة السؤال عن كيف يمكن النهوض بالموارد البشرية والتجهيزات الطبية على سبيل المثال، مشيرا إلى أن بناء مستشفى جامعي يتطلب على الأقل 3 مليار درهم، وحوالي 600 أستاذ للتدريس وأن ذلك لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، أو بمجرد المطالبة به، بل يتعين التفكير في بلورة أفكار قابلة للتحقق من أجل بلوغ هذا الهدف.

ودعا الحسين الوردي إلى فتح نقاش واسع مع المهنيين في مجال الصناعات الدوائية، حول السياسة الدوائية التي نريد، مشيرا إلى أن المسؤولية يتقاسمها الجميع من حكومة ومهنيين، وأورد في هذا السياق نتائج الدراسة التي أنجزتها “اكفيا” وهي منظمة دولية معروف تضطلع سنويا بتسطير، جميع التدابير المتعلقة بالأدوية، حول المغرب بطلب من المهنيين في الصناعة الدوائية، وهمت سنوات 2016 و 2017 و 2018 وهي دراسة تهم فقط القطاع الخاص، لأن وزارة الصحة تشتري أكثر عمليا، من 80 في المائة من الأدوية الجنسية لفائدة المستشفيات، وخلصت هذه الدراسة إلى أن رقم المعاملات هذا القطاع عرف ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقل من 7.6 مليار درهم سنة 2016 إلى 8.6 مليار درهم سنة 2018، كما كان هناك ارتفاع كبير في استهلاك الأدوية، وارتفاع في استهلاك الأدوية الجنسية ب 13 في المائة، بالإضافة إلى أن 78 في المائة من الأدوية المستهلك تنتج محليا، وأن سعر 87 في المائة من الأدوية، لا يتجاوز 90 درهما.
وأوضح القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن الحماية الاجتماعية هي ورش أساسي من ضمن ثلاثة أوراش كبرى نادى بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2020، وهي الورش المتعلق بالإقلاع الاقتصادي، ثم ورش الحماية الاجتماعية، والورش المتعلق بإصلاح القطاع العمومي، مشيرا إلى أن هذه الأوراش الثلاثة هي أوراش متشابكة ومتكاملة فيما بينها، وبالتالي يضيف الوردي أنه لا يمكن اختزال الحماية الاجتماعية، فقط في التغطية الصحية، لأنه لا يمكن أن تكون هناك حماية اجتماعية بدون تنمية اقتصادية، ولا يمكن أن يكون هناك إقلاع اقتصادي دون إصلاح الإدارة.
ولربح هذا الورش الكبير، أكد الحسين الوردي على ثلاثة ضرورة ربح رهان ثلاث تحديات وصفها ب”الكبرى” التحدي الأول، بحسبه، هو تحدي التنزيل الذي يتطلب نقاش مع مختلف المهنيين والفاعلين، بالإضافة تحدي التمويل، وتحدي الحكامة.

< محمد حجيوي – توفيق امزيان < تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top