نرفض العنف في الحوار نرفض البدائية

الهجوم الذي تعرض له الناشط الجمعوي والحقوقي، الباحث أحمد عصيد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عقب إدلائه برأيه في الدعوة إلى تطبيق عقوبة الإعدام في حق مجرم طنجة، وتعليقه على دعوات لإعمال عقوبات أخرى في حقه من قبيل: الإخصاء أو الشنق في الفضاء العام…، عرى أمامنا واقع الحوار العمومي عندنا، وكشف عن تنام مخيف للتعصب والديماغوجية على مواقع الأنترنيت.
من المؤكد أن أحمد عصيد لم يكن موفقا كثيرا في المعجم اللغوي الذي استعمله في التعبير عن رأيه وصياغة موقفه الرافض والمناهض لعقوبة الإعدام، وهو أيضا لم يكن موفقا في توقيت الإدلاء برأيه بتلك الطريقة، ولكن هذا لا يبرر ما تعرض له من استهداف وتحريض وشتم.
الرجل صاحب رأي معروف، ومواقفه التنويرية معروفة، وهو من أبرز كفاءات وأطر ومنظري الحركة الثقافية الأمازيغية منذ عقود، ومهتم بقضايا الفكر والفلسفة، ومهما اختلفنا مع بعض آرائه، فهو يبقى الباحث التنويري المجتهد المستحق للاحترام.
حجم السب الذي تعرض له في الأيام الأخيرة، يبين أن الأمر يتجاوز شخصه، ويستهدف القيم والأفكار التي يدافع عنها، وبالتالي السعي لتبخيسها وابتذالها.
المأساة التي ذهب ضحيتها الطفل عدنان في طنجة، والكارثة التي حلت بوالديه وعائلته، هي جريمة مروعة فعلا، والمجرم يستحق أشد العقوبات…
كل هذا مؤكد ومتفق عليه، ولكن المرفوض هو الركوب على هذه المأساة لرسم طريق لبلادنا يقوم على البدائية والتطرف وعدالة”شرع اليد”.
الصورة المخيفة والمرعبة توجد هنا بالضبط، وهذا هو عمق ما نبه إليه عصيد وآخرون.
الذين تكالبوا عليه وكتبوا في حقه الكثير من السباب، كشفوا عن اكتساح الانغلاق والمزايدات والبدائية لنقاشاتنا العمومية، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصدمنا بضعف العقل وتراجع قيم الحوار والانفتاح والتعدد.
وهذا يسائل مؤسستنا التعليمية وإعلامنا الوطني ونخبنا الجامعية والثقافية، ويطرح علينا كلنا سؤالا كبيرا وخطيرا بشأن هذا التدني الخطير الذي بات عليه مستوانا المعرفي العام ووعينا المدني.
أما جريمة طنجة، فيجب أن تفتح أعيننا وعقولنا على الظاهرة برمتها، وعلى الواقع كما هو، وعلى ضرورة صياغة جواب متكامل وناجع لما صار عليه حالنا، وتدوينات الشتم والسباب لن تحل مشكلة ولن تقضي على الظاهرة، عدا أنها فقط تكرس الديماغوجية وتقوي التطرف والانغلاق والعمى.
الأمر يستوجب إذن تطوير القوانين والتشريعات ومنظومة السياسة العقابية، ويقتضي إصلاح منظومة التنشئة الإجتماعية ككل، ونظامنا التعليمي والتربوي، وأيضا تطوير الأوضاع الاجتماعية والإقتصادية للناس، ووضع البلاد، بشكل عام، على طريق إصلاح جدي وشامل، وأساسا الحرص على تقوية شروط دولة المؤسسات والقانون، وجعل كل الأحكام والعقوبات تقرر من لدن القضاء والقانون، ضمن أسس الدولة المدنية الحديثة، وبلا بدائية عتيقة أو جر للبلاد نحو التدني.
ولإنجاح كل هذا، يجب أن نبدأ من احترام الخلاف في الرأي بيننا، وأن نحرص على تقدير وجهات النظر المختلفة، وأن ننتصر للعقل وللمصلحة العليا لبلادنا وشعبنا أولا.
الرحمة للطفل عدنان، المواساة لوالديه، والرجاء ألا يتم الركوب على بشاعة هذه الجريمة من أجل نشر التفاهة، والترويج للبدائية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top