الباحث الأكاديمي عبد النبي ذاكر لـ “بيان اليوم”

يشارك الباحث الأكاديمي عبد النبي ذاكر ضمن البرنامج الثقافي للدورة الرابعة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، بالمناسبة كان لبيان اليوم حوار معه، حول طبيعة هذه المشاركة، وحول جديد إصداراته الفكرية والأدبية، وتصوره الخاص لما يجب أن يكون عليه موعد ثقافي سنوي من هذا الحجم وقضايا أخرى ذات صلة بالكتابة والنشر.

< ماذا يشكل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء بالنسبة إليك، وكيف تفضل أن يكون، من حيث التنظيم والإعداد والبرمجة؟
> أضحى المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء محطة ثقافية وفنية حيوية وهامة بما راكمه من دورات، وما حققه من تجاوز لأعطاب لا بد منها في كل عمل ضخم منذور للتجديد والمغامرة. ورغم كل الانتقادات التي قد يخضع بعضها لملابسات تتداخل أحيانا مع حيثيات جائزة المغرب للكتاب، إلا أنه أضحى ركنا ركينا من المشهد الثقافي والفكري والفني بالمغرب. غير أن طموح إشراك قطاع واسع من الطلبة والتلاميذ وأوليائهم وشريحة القراء من نساء التعليم ورجاله، يقتضي أن يتزامن التنظيم مع عطلة منتصف السنة الدراسية. إذ من العبث أن تجد أروقة بها أسماء وازنة من المبدعين والمفكرين والفنانين والفاعلين الوطنيين والعالميين وزخما من البرامج والندوات واللقاءات، أحيانا بدون جمهور، وأحيانا أخرى بجمهور يُعَدُّ على رؤوس أصابع اليد الواحدة. من هنا، ألا يحق لنا أن نتساءل مجدَّدا عن توقيت هذه التظاهرة الثقافية التي يجدر بها أن تأخذ بعين الاعتبار شريحة قراء المستقبل؟ لكن، بعيدا عن التبكيت وجلد الذات الذي دأب عليه العديد من المثقفين، ينبغي أن نعترف بكل شجاعة بأن الشأن الثقافي ـ وضمنه المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء ـ هو أيضا رهان النُّخب والمؤسسات التعليمية (من الابتدائي إلى الجامعي) والثقافية (من اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر في المغرب والائتلاف المغربي للثقافة والفنون والمرصد المغربي للثقافة إلى أصغر جمعية تحمل الهمّ الثقافي والفكري والفني) وجمعيات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، ومغاربة العالم باعتبارهم نافذة على تجارب رائدة، إلى آخره. وينبغي للكل أن ينخرط ـ بمسؤولية وحرص ـ في تطوير معرضٍ قطَعَ الصِّلة بفترة كانت توزَّع فيها صناديق الكتب بالمجان مُرْفَقَةً بالبخور والند وأشرطة لا يعرف أحد محتواها. وأعتقد أن رهان الحداثة الذي دخله المغرب منذ مدة، يقتضي المزيد من العناية بالكتب الحديثة والمترجمة في مجالات العلوم الإنسانية، ولِمَ لا العلوم الحَقَّة! ومن وجهة نظري، وتجنبا لركام الكتب التي تملأ الفضاءات دون جدوى، يلزم الحرص على الاستقطاب النوعي لا الكمي للعارضين. كما يلزم المزيد من الاحترافية في صناعة الحدث الثقافي بكل الوسائل العصرية المتاحة، وتنظيم رحلات جماعية من ربوع الوطن لكل شرائح المجتمع وفئاته العمرية. ولئن كان هناك حضور قوي لكتاب الطفل (ولست بحاجة إلى الإلحاح هنا على قيمته النوعية)، فمن الصعب جدا أن نظفر بكِتاب اليافعين، ولا أحد من علماء النفس والاجتماع يجهل اليوم أهمية هذه الفئة العمرية في تشكيل مستقبل القراءة والمجتمع. كما أدعو إلى المزيد من العناية بالكتاب الإفريقي، لا مجرَّد التمثيلية والاكتفاء بنماذج محصورة جدا لا تعطي صورة حقيقية عن فسيفساء الثقافة وغناها في إفريقيا التعدد والتنوع. أما عن تعويضات المشاركين فهي لا تسد حتى مصاريف النقل الجوي، ويلزم أخذ بعين الاعتبار عدم إضافة مشقات أخرى إلى المثقف والفنان والمفكِّر، وتقديرهم حقَّ قدرهم.

< ما هي طبيعة مشاركتك في هذه الدورة؟
> سأشارك في ندوة الرحالة العرب والمسلمين: اكتشاف الذات والآخر، التي ستقام في سياق تكريم الحاصلين على جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، وبالضبط في جلسة صباح 11 فبراير، ابتداءً من الساعة الحادية عشرة، حيث سأقدِّم كتابي: المغرب والغرب: نظرات متقاطعة، الحاصل على جائزة الدراسات من المركز العربي للأدب الجغرافي للدورة الأخيرة. وستكون هذه مناسبة لاستعراض التجربة المغربية الرائدة عربيا في هذا المجال.

< ما هو أحدث إصداراتك، وحول أي شيء يتمحور؟
> ضمن منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وفي إطار مشروع ارتياد الآفاق في دورة 2017 صدر لي كتاب: (المغرب والغرب: نظرات متقاطعة)، وهو العمل الذي نلتُ به جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، فرع الدراسات التي يمنحها المركز العربي للأدب الجغرافي، أبو ظبي ـ لندن. يقدِّم هذا الكتاب دراسة صورلوجية مقارِنة عمدت إلى التحليل الأدبي للواقعي والمتخيَّل في صورة المغرب في عيون الغرب، مُقايسةً بصورة الغرب في عيون المغاربة. ويتكون الكتاب من خمسة أبواب: يشتمل الباب الأول على فصلين: الأول تمَّ فيه ضبط بعض المفاهيم الأولية، كالصورة والميث والمتخيل والواقعي والصورلوجيا، وعلاقة الرحلة بالمقارنة، وإشكالية الدرس الصورلوجي العربي والغربي. والثاني تمَّ فيه تفصيل المنهاج من خلال مراجعة الباحث لما سمي بأزمة الصورلوجيا، ومن خلال عرضه لعناصر المقترب: الإرسالية، الباث، المتلقي، السياق، الرؤية. الباب الثاني خصصتُه للمستوى البنيوي للمتن الذي تمت معالجته في فصلين: الأول يتناول الإشكال البيبليوغرافي في ظل استراتيجية الشاهد والترجمة، والثاني يخصُّ استراتيجية الإيهام بالواقع. في حين اختُصّ الباب الثالث بدراسة الثيمات الكبرى للمتن، انطلاقا من المقاربة الدياكرونية لصورة المغرب في الرحلة الأوروبية، من البذور الجنينية الأولى إلى حدود القرن العشرين. ويعرض في هذا الإطار لصورة الأسير والسلاطين، وللخصائص السلوكية والعقدية والعقلية والسيكولوجية للمغربي مسلما كان أم يهوديا أم امرأة أم طفلا أم أمازيغيا. وخلُصْتُ في الباب الرابع إلى دراسة دور الباث والمتلقي في تشكيل الصورة الغيرية. أما الباب الخامس فقد انتهى إلى دراسة وتحليل الغرائبية المعجمية، ليُختَم الكتاب باستنتاجات عامة حول أزمة الكتابة الرِّحْلية الأوروبية ودْرامية أنَسيتها. وكذا حول أزمة الكتابة الرِّحلية المغربية التي سقطت في كمين سلطة الواقعي وواقع السلطة. وقد تمّ تذييل هذا الإصدار ببيبليوغرافيا هامة للرحلات الأوروبية إلى المغرب والرحلات المغربية إلى عواصم أوروبا، بعد أن قدَّم للقارئ العربي جولة ماتعة وممتعة في طيف باذخ من النصوص المسكونة بلذة الغريب والعجيب والمدهش.

< هل تتصور استمرارية وجود الكتاب الورقي في ظل هيمنة الثقافة الرقمية، وعلى أي أساس تبني تصورك؟
> صحيح أن الثقافة الرقمية أو الإليكترونية شهدت ـ في ظل الثورة الرقمية الكاسحة ـ انتشارا واسعا من خلال ذيوع استعمال الهواتف الذكية والحواسيب والألواح الإليكترونية وغيرها من الحوامل الإليكترونية، بحكم ضآلة تكلفتها ويُسْر تخزينها ونقلها ونسخها وتوزيعها والتنقل بها ووضع حواشي وهوامش وتعليقات وتظليلات إليكترونية عليها، إلا أن هذا لن يلغي في تقديري السَّنَد الورقي الذي صمد لعدة قرون منذ القِدم، وصمد حديثا في وجه ديكتاتورية الصورة. فقد سبق أن أثير مثل هذا الإشكال، وطرح سؤال: هل ستصمد الصحافة الورقية في وجه التلفاز؟ وإلى اليوم ما زلنا نلاحظ تكاملا في الأدوار، وتجديدا في الوظائف وابتكار الأساليب ومقاومة الاضمحلال، ونهج استراتيجيات جديدة في هيكلة البنى التحتية واللوجيستيكية. وأظن أن السؤال الحارق اليوم هو كيف يمكن التصدي لتراجع القراءة في ظل الوفرة؟ وكيف يمكن للسَّنَدين الورقي والإليكتروني أن يتكاثفا من أجل مضاعفة حصة القراءة، لا إضعافها، الكتاب الإليكتروني ليس وسيلة لشنِّ حرب على الكتاب الورقي بل وسيلة ناجعة لعقْلنة منتوج صديق للبيئة أولا وأخيرا، ومستوفٍ لشرط قراءة مستدامة ورقيا وإليكترونيا؟

حاوره: عبد العالي بركات

Related posts

Top