انطلقت مجموعة المشاهب في بدايتها من الحي المحمدي معقل الظاهرة الغيوانية، فمن أعماق كاريان سانطرال الصفيحي الذي يعد مشتلا للمواهب الفنية في المسرح والتمثيل والغناء، بزغت للوجود أبرز المجموعات الغنائية، وهو الحي الذي ترعرع فيه كبار نجوم الأغنية الغيوانية، التي اتخذت البؤس والفقر والمعاناة مواضيع لأغانيها الوطنية، حيث تغنت بهموم وآمال الطبقة المحرومة، وبالموازاة مع بروز ظاهرة الغيوان، ظهرت أيضا مجموعة المشاهب، وتأثرت كثيرا بالظاهرة الغيوانية، التي سبقتها في التكوين، إبان سنوات الاحتقان السياسي بالمغرب، لتحكي عن هموم شعب عانى الويلات من جهل وفقر وظلم طبقي.
وفي خضم هذه الظروف الصاخبة والمتناقضة وفي خضم الحرمان وسنوات القمع، فضلت المشاهب التوجه نحو الشباب الحالم بمستقبل أفضل وبزوغ شمس
الحرية والهناء، فأبدعت موسيقي مغربية تنهل من
الواقع المر وبأسلوب جديد وغير مألوف، مما ألهبت معه حماس هؤلاء الشباب في سنوات السبعينيات تماما، موظفة آلات موسيقية لم تكن معروفة أنذاك “كالمندولين”، وحاولت التعامل مع الواقع بنوع من التوازن رغم الإكراهات التي عاشها المغاربة آنذاك.
وازدادت المجموعة توهجا مع انضمام الزجال محمد باطما الذي أعطى للأغنية طابعا خاصا بصوته الرخو وكلماته الهادفة والنافذة إلى قلوب المستمعين، وجرأة نصوصه التي كانت تتناول الواقع المعيشي المأزوم للمواطن المغربي، نصرة لقضاياه.
ولم يسلم النظام السياسي الحاكم آنذاك من انتقادات صارخة وجهت لأساليب تعامل المخزن الاستفزازي والقمعي تجاه مواطنين يتطلعون لحياة أفضل، بنصوص غنائية امتازت بتناسق الأداء وبراعة العزف وجمالية اللحن والكلمة.
وعاشت مجموعة لمشاهب فترات عصيبة ومضايقات وصلت حد المنع من الظهور في التلفزيون الرسمي المغربي، بدعوى أنها أغاني تحريضية وتستهدف تعبئة المواطن المقهور ضد حكامه، وعلى هذا الأساس ظلت لمشاهب تعاني في فترة السبعينيات من ممارسات المخزن المخزية، فكثيرا ما تم اعتقال أفرادها واقتيادهم إلى مخفر الشرطة بدرب مولاي شريف المعقل الرئيسي لأغلب أفراد المجموعة.
ولم تنعم المجموعة بالاحترام إلا في فترة الثمانينات، بعدما حظيت بعناية خاصة واهتمام كبير من طرف الراحل الحسن الثاني الذي فطن إلى مكانة هذه المجموعة داخل النسيج المجتمعي وشعبيتها الكبيرة.
اخترقت أغنية المشاهب كل بقاع العالم من خلال سهراتها في دول عربية وغربية، ونالت إعجاب واحترام كل العرب وحتى الغربيين منهم، من خلال التجاوب التلقائي مع كلماتها الهادفة، وحازت مجموعة من الجوائز، أبرزها جائزة القرص الذهبي التي منحهم إياها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي تأثر من خلال أغنية” فلسطين “، ونالت رضاه، لأنها لامست هموم شعب أعزل، وعرت النقاب عن سياسة وبطش بني صهيون، وتواطؤ وسكوت بعض الأنظمة.
رغم كل ما حققته مجموعة لمشاهب من نجاحات باهرة واكتساحها للساحة الفنية، إلا أن الفرقة عاشت بعد توهجها مباشرة مرحلة فراغ بسبب تضارب الرؤى الفنية لأعضائها، زاد من حدة ذلك أن طالت يد المنون بعض أفرادها.
> بقلم: عبد الله مرجان