يبدو أن شركات المناولة التي أحدثت من أجل تيسير وتسريع وتسهيل بعض الخدمات، التي تحتاجها القطاعات العمومية والخاصة. والتخفيف من أعباءها المهنية. وكذا من أجل توسيع فرص العمل والاستثمار والتخفيف من البطالة. أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على تلك القطاعات. بسبب ضعف خدمات بعضها، وعدم التقيد من بنود دفاتر التحملات الصفقات الملزمة بها. بالإضافة إلى عدم احترامها لمدونة الشغل. خصوصا على مستوى الحد الأدنى للأجور وصندوق الضمان الاجتماعي. وهو ما يتسبب في تناسل الأسر الهشة، وتشرد أفرادها.
الكل يتذكر أن محمد يتيم الوزير السابق للشغل والإدماج المهني، أكد بداية شهر يناير 2019، أن رئاسة الحكومة بصدد تغيير مرسوم الصفقات العمومية لإنصاف هذه الفئة.
وأوضح خلال جوابه على سؤال حول “التحايل على قانون الشغل بخصوص اعتماد الحد الأدنى للأجور”، طرحه حينها الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بجلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، أن المرسوم الجديد سيتضمن ضمانات المسؤولية الاجتماعية لهذا النوع من المقاولات. لم يتم تغيير المرسوم. وتم في المقابل إصدار منشور حكومي يحث الوزراء على فرض احترام كل الحقوق المهنية للعمال من طرف شركات المناولة. من حيث الحد الأدنى للأجور وعدد ساعات العمل، والإعلان الشهري والكامل للعمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي. والقطع مع تبريرات مسؤولي تلك الشركات الواهية. من قبيل هزالة المبالغ المرصودة للصفقة. وحتى هذا المنشور لم يتم تفعيله. لتبقى حليمة (المناولة) ماضية على عادتها القديمة.
يستمر نزيف المال العام والزمن وشلل التنمية بكل تجلياتها، بسبب غياب أجهزة للمراقبة والتتبع لمدى تطبيق محتويات العقود والاتفاقيات المبرمة بين المجالس المنتخبة والإدارات العمومية، وبين مجموعة من شركات المناولة، ومدى التزام تلك الشركات بدفاتر التحملات الخاصة بها. وكذا بسبب التهاون مع الشركات المخالفة، والغياب الدائم للتنبيه وترتيب الجزاءات القانونية عند كل مخالفة. إضافة إلى عدم الإعداد المبكر لمساطر الصفقات. والذي يتسبب في تعطيل الخدمات (نظافة، إنارة، حراسة،…)، وزعزعة الاستقرار النفسي والمالي لعاملات وعمال تلك الشركات. بسبب عدم صرف أجورهم الشهرية، أو تأخيرها أو التخلي عنهم بدون وجه حق.
يستمر العبث بشريحة كبيرة من العمال والمستخدمين المغاربة، وتستمر معها الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم المشروعة في العمل القار والأجر اللازم لتغطية مصاريف العيش الكريم وفق ما تنص عليه مدونة الشغل المغربية… تستمر معاناة هذه الفئة المحرومة من الحد الأدنى للأجور، ومن العمل الدائم والمستقر، باستمرار سياسة التشغيل المؤقت التي تنهجها الحكومة المغربية، ومعها مجموعة من شركات القطاع الخاص.. إضافة إلى تشغيلهم (جوكيرات) لقضاء كلما يشتهيه مسؤولو تلك الشركات.
عمال ومستخدمون، يتلقون أجورهم الهزيلة باعتماد العمل الموسمي، بل فتات المال، والعمل الشاق بمدد يومية تصل إلى 12 ساعة. ليلا أو نهارا. تحت رحمة شركات مناولة، منها ما تحدث من أجل صفقات بعينيها وتختفي.. لتعود للظهور مع الإعلان عن صفقات أخرى، بأسماء وهويات جديدة.. تهدف من وراءها التخلص من عمالها السابقين، ورميهم عرضة للفقر والتشرد، والتعاقد مؤقتا مع عمال (ضحايا جدد).. وهكذا.. بتزكية وتثمين من الجهة المفوضة لها. شركات في معظمها بلا عناوين ولا مقرات. بل منها ما تتواجد فقط على الهواتف.
بات من الواجب إعادة النظر في طرق ومساطر التعامل مع هذه الشركات، وإيجاد السبل الكفيلة لضمان أجور محترمة للعمال والمستخدمين. وضمان دوام تلك الأجور بغض النظر عن الشركات الفائزة بالصفقات. وكذا دوام العمل الجاد والتام. والكف عن التلاعب في تمرير الصفقات لمن يدفع الرشاوي، والإكراميات والخدمات الشخصية. ومنع تفريخ شركات المناولة من طرف أقارب المنتخبين والموالين لهم، مع كل ولاية انتخابية. حيث يكون هؤلاء المنتخبين هم المالكين الحقيقيين لتلك الشركات المحدثة من أجل نهب أموال الجماعات الترابية.
أفلا تتعظ الحكومة مثلا من مبادرة تخليها عن توظيف موظفين في الحراسة وتقنيين في الكهربة والترصيص داخل الإدارات العمومية. حيث تضاعفت فاتورة الحراسة والإصلاح والصيانة، ولم تعد دائمة وجادة. بعد تفويتها لشركات المناولة. إذ كيف يعقل أن يتم جلب شركة أو مقاول من أجل إصلاح عطب بسيط في التيار الكهرباء أو شبكة التطهير أو التزود بالماء الصالح للشرب.
بقلم: بوشعيب حمراوي