شدد الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السويسري جوزيف بلاتر، أن اختيار قطر لتنظيم كأس العالم 2022 كان قرارا خاطئا، معتبرا أنه بلد صغير وأن كرة القدم والبطولة أكبر منه.
وقال بلاتر في حوار مع صحيفة “Tribune de Genève” السويسرية إن الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) الفرنسي ميشيل بلاتيني لعب دورا مهما في تفوق قطر على الولايات المتحدة.
وأقر بلاتر الذي تم إيقافه عام 2015 بسبب تهم فساد، بأن المال ايضا كان حاضرا في حصول قطر على تنظيم كأس العالم، بتدخل فرنسي تجلى في شراء الإمارة الخليجية لطائرات مقاتلات بمليارات الدولارات.
وأقر السويسري البالغ 86 عاما، بتحمله مسؤولية القرار الخاطئ باختيار قطر، منتقدا الإقامة الدائمة لخلفه ومواطنه جياني إنفانتينو في التراب القطري، وتأييده للأصحاب الأرض في رفض إنشاء صندوق تعويضات.
ورفض بلاتر أن يكون قراره بمنح تنظيم بطولتي 2018 و2022 في الوقت ذاته، سببا للمشاكل، بل خطة مدروسة جيدا، مضيفا أنه لا يعلم إذا ما كان قادرا على تجريد قطر من التنظيم لو ظل رئيسا لـ (فيفا).
ونفى الرئيس الثامن للهيئة الكروية في الفترة ما بين 1998 و2015، علمه بتجسس القطريين على مكالماته الهاتفية مخافة سحب البطولة منهم، معتبرا أن هذا دليل على أهمية كرة القدم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
وأكد بلاتر الذي برأه القضاء السويسري يوليوز الماضي، أن تنظيم روسيا لكأس العالم 2018 لم يكن قرارا خاطئا، بل نظمت بطولة جيدة، معترفا بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استغلها لأغراض سياسية.
وعبر بلاتر الموقوف حتى عام 2028، عن ارتياحه بعد تبرئته من تهم الفساد رغم استئناف هيئة الادعاء لهذا القرار، موضحا أن التحقيق معه جاء بدعم أمريكي حتى يمنعوا بلاتيني من الوصول إلى رئاسة (فيفا).
وبرر المسؤول السويسري الذي سيكتفي بمشاهدة المباريات عبر التلفاز في شقته بجنيف، صمته في الفترة السابقة بسبب مشاكل صحية، متوقعا أن منتخب بلاده سيتأهل إلى دور نصف نهائي كاس العالم.
* هل أنت مبتهج بانطلاقة كأس العالم 2022 في قطر بعد أيام قليلة؟
> سأبتهج عندما نلعب كرة القدم. عند صافرة البداية لن نتكلم فقط عن المشاكل المرافقة، بل عن الرياضة.
* هل ستتابع المباريات؟
> في شقتي الجديدة في زيوريخ، لدي تلفاز كبير بصوت جيد. وبعدما سافرت كثيرا طيلة حياتي المهنية، سأستقدم العالم إلي ككأس العالم.
* عند الإعلان عن البلد المنظم لهذه الكأس في 2010، كنت تدعم ملف الولايات المتحدة وليس قطر، هل تعتقد أن الانتقادات الشديدة لقطر تؤكد اختيارك؟
• اختيار قطر كان خاطئا. في السابق، كنا متفقين داخل اللجنة التنفيذية. اتفقنا على أن روسيا ستحصل على كأس العالم لعام 2018 والولايات المتحدة لعام 2022. كان ذلك سيكون بادرة سلام إذا نظم الخصمان السياسيان البطولتين واحدا تلو الآخر.
* ما هي الحجج ضد قطر؟
> إنه بلد صغير جدا. كرة القدم وكأس العالم أكبر منه.
* لماذا لم تمنع هذا القرار؟ باعتبارك الرئيس الرجل الأقوى بالاتحاد الدولي لكرة القدم ..
> أسبوع قبل مؤتمر (الفيفا) 2010، اتصل بي بلاتيني وقال لي: “سيب، اللعبة لن تنجح”. كان يقصد أن خطتنا لن تعمل.
* بلاتيني كان يترأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) وعضوا باللجنة التنفيذية لـ (فيفا)، لماذا غير رأيه؟
> أخبرني أنه تلقى دعوة من قطر الإليزيه، حيث تناول الرئيس الفرنسي في تلك الفترة نيكولا ساركوزي وجبة عشاء مع ولي العهد القطري. ساركوزي قال لبلاتيني: “انظر ماذا تستطيع أن تفعل وزملاءك في (ويفا) لكي تحصل قطر على تنظيم كأس العالم”. أجبته: “والآن”.
* ماذا كان جواب بلاتيني؟
> “سيب، ماذا تفعل إذا طلب منك رئيس الدولة شيئا ما”. قلت له إن السؤال بالنسبة لي غير قابل للطرح، لأنه ليس لدينا رئيس دولة في سويسرا.
* لم يعد يإمكانك الاعتماد على بلاتيني ..
> نعم. بفضل الأصوات الأربعة لبلاتيني وفريقه، حصلت قطر على كأس العالم بدلا من الولايات المتحدة. إنها الحقيقة.
* قضت المحكمة الجنائية الفيدرالية مرتين بارتكاب الأمين العام السابق لـ (فيفا) مخالفات فساد بإيعاز من قطر. لكنك تقول إن الأمر لا يتعلق بالمال بل برغبة الرئيس الفرنسي ..
> مرة أخرى. إنها الحقيقة .. طبعا الأمر يتعلق أيضا بالمال. 6 أشهر بعد ذلك، اشترت قطر طائرات مقاتلة مقابل 14,6 مليار دولار.
* هل تشعر بأنك تتحمل المسؤولية عندما ترى الجدل الدائر حول (فيفا) وكأس العالم في قطر؟
> بالنسبة لي الأمر واضح. قطر كانت خطأ. الاختيار لم يكن صائبا. ما يحيرني هو كيف أن الرئيس الجديد لـ (فيفا) يعيش في قطر. لا يمكن أن يكون رئيسا للجنة المحلية المنظمة لكأس العالم. فذلك ليس دوره. هناك لجنتان منظمتان واحدة محلية وأخرى تابعة لـ (فيفا).
* لماذا قد يكون ذلك مشكلة؟
> يجب أن تكون لرئيس (فيفا) اليد العليا. مثلا: اقترح بعض الأشخاص إنشاء صندوق لتعويض عائلات العمال المتوفين. قطر ترفض ذلك. ما هو رد فعل (فيفا) إذا كان رئيسها في مركب واحد مع قطر؟
* تتحدث عن جياني إنفانتينو بكلمات قاسية، ما السبب؟
> إنه لا يحترمني.
* بعض الأصوات المنتقدة تقول إن المشاكل ظهرت عندما قررت منح شرف تنظيم بطولتي 2018 و2022 في الآن ذاته، لاحقا هل كان ذلك خطأ؟
> لم يكن خطأ، بل خطة مدروسة جيدا كانت ستمنح الكثير من الوقت للبلدان المضيفة لكأس العالم ويقينا أكبر في التخطيط للشركاء في النقل التلفزي والتسويق.
* هل كان بمقدورك أن تطيح بقطر كبلد مضيف، إذا لم يتم إيقافك كرئيس؟
> لا أعلم. لكن عندما ظهر النقاش حول ظروف العمل في ورشات البناء في قطر بعد حصولها على التنظيم، أكملنا قواعد (فيفا) عام 2012. ومنذ ذلك الحين بدأنا نأخذ في عين الاعتبار المعايير الاجتماعية وحقوق الإنسان.
* إذن فات الأوان ..
> لكننا فعلنا ذلك. في نهاية عام 2015 تم إيقافي من منصبي كرئيس لـ (فيفا)، ومؤتمر (فيفا) تحت قيادة الرئيس الذي خلفني، أكد منح التنظيم لقطر.
*هل كنت ستستمتع بتجريد قطر من كأس العالم 2022؟
> سأكررها دائما. منح التنظيم لقطر قرار خاطئ. وكنت مسؤولا بصفتي رئيسا آنذاك. الآن ومع اقتراب موعد انطلاقة كأس العالم، أنا سعيد لأنه -مع استثناءات قليلة-، لا يوجد لاعب سيقاطع كأس العالم.
* وفقا لتحقيق أجراه التلفزيون الألماني (SRF)، فقد تم التجسس عليك وعلى مسوؤلين بـ (فيفا) من طرف قطر، هل كنت تعلم أنهم يتجسسون عليك؟
> كان أمرا جديدا علي. لكن ما أعلمه أن القطريين كانوا قلقين جدا من أن يتم سحب كأس العالم منهم. بالعودة إلى الوراء، أتذكر سماع طقطقة في كل مرة ألتقط هاتفي المحمول. قد يكون ذلك علامة على التصنت على المكالمات. لكن الأهم من كل هذا هو أنني لم أكن خصما للقطريين.
* أليس مخيفا أن تحاول دول فرض نفوذها داخل الاتحاد الدولي لكرة القدم باستخدام أساليب استخباراتية؟
> لا أرى أن ذلك غير عادي. هذا يوضح أهمية كرة القدم وملياري مشجع، دون أن ننسى أهميتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. معظم المجموعات الكبرى الدولية هي الأخرى تراقب استخباراتيا، فلم لا (فيفا)؟
* لنعد قليلا إلى الوراء، هل كان أيضا خطأ منح كأس العالم 2018 إلى روسيا؟
> لا لم يكن ذلك خطأ. لو نجحتنا خطتنا وفازت الولايات المتحدة بكأس العالم 2022، لكانت لدينا الآن محادثة مختلفة أو لم نكن لتحدث عن الموضوع من الأساس. أعتقد أن روسيا كانت مضيفا جيدا لكأس العالم.
* فلاديمر بوتين استخدم كأس العالم للدعاية لروسيا كبلد مسالم ورياضي، لكن نرى العكس حاليا في أوكرانيا ..
> كثيرون هم من يستخدمون الرياضة لأغراض سياسية. لست قاضيا. ولا أرغب في إصدار أي حكم.
* بوتين وجه لك الدعوة شخصيا واستقبلك في روسيا بمناسبة كأس العالم، كيف تراه اليوم؟
> لا يعد لدي أي اتصال معه. بوتين كان شخصا حذرا على الدوام. لم يحضر إلى زيوريخ للكشف عن البلد المضيف لكأس العالم 2010. فقط بعد منح كأس العالم لروسيا، جاء إلى كالينينغراد وعقد ندوة صحفية. قال لي آنذاك: “الآن أعلم أنه يمكنني الوثوق بك. الآن نحن أصدقاء”.
*ماذا حدث لصديقك منذ ذلك الحين؟
> بوتين لم يعد الشخص الذي قابلته في الماضي. أنا أدين الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.
* لسبع سنوات (2015-2022) كنت متهما بالفساد، ما دمر حياتك وسمعتك. مع حكم المحكمة الجنائية الفدرالية في يوليوز، أصبحت مجددا بين عشية وضحاها شخصا لا غبار عليه، ماذا تعني لك البراءة؟
> طبعا أنا مرتاح. الآن أشعر بحريتي كاملة. لا أرتدي أصفادا كما قد تعتقدون. كنت دائما أعلم أنني بريء. أعيش في سلام مع نفسي وعقلي وروحي.
* المدعي العام استأنف الحكم، ما يعني أنك ستحاكم مرة أخرى ..
> عليه إثبات ذلك. حاليا تمت تبرئتي. وفي جميع الأحوال ليس لدي ما أحصل عليه. لكن بلاتيني لا يملك الحق في الترشح لرئاسة (فيفا).
* هذا في مصلحة رئيس (فيفا) الحالي جياني إنفانتينو، لكن (فيفا) لم تقم بالاستئناف ..
> (فيفا) ليست مجبرة بالقيام بذلك إذا قرر المدعي العام الاستئناف. لقد تعاونوا سابقا في مرحلة الادعاء.
* عدم متابعة (فيفا) للموضوع ليس علامة للتصالح بالنسبة لك؟
> على العكس تماما. إنفانتينو يتجنبني. حتى المستشارة فيولا أمهير حاولت جمعنا في فاليه، لكن إنفانتينو لم يحضر.
* لكن يبدو أن النيابة العامة وحدها من تطعن في براءتك وبراءة بلاتيني، هل يفاجئك الأمر؟
> أحكام البراءة كانت واضحة. والمحكمة الجنائية الفدرالية أشارت إلى ذلك. ورغم ذلك، لم يتجنب المدعي الفدرالي الجديد دعوة المدعي المسؤول عن القضية للاستئناف. في الدوائر القانونية لا أحد يفهم ما يحصل. لم نكن أمام محكمة من مستوى أدنى، بل المحكمة الجنائية الفدرالية التي تنظر في القضايا بعمق. علاوة على ذلك، لا يتعلق الأمر بجريمة قتل أو اغتيال أو مئات الملايين، بل بمليوني فرانك تم تحويلها منذ سنوات طويلة وبطريقة قانونية تماما.
* هل تتفهم الأصوات المنتقدة التي ترى أن البعض في (فيفا) يخدمون أنفسهم؟ مبلغ مليوني دولار الذي دفع لاحقا لبلاتيني يمثل الكثير من المال ..
> حققنا إيرادات بالمليارات ولم تكن هناك أي خدمة ذاتية. المحكمة قضت بأن مبلغ المليونين هو تعويض مقبول عن الخدمات التي قدمها بلاتيني لـ (فيفا). تم الموافقة على كل شيء من قبل الجهات المراقبة والجمعية العمومية. ولم يكن حكم البراءة من الدرجة الثانية.
* لكن كيف تفسر أنه تم التحقيق معك؟
> الأمريكيون الذين تعاونوا مع المدعي العام الفدرالي في التحقيق، كانوا غاضبين لأنهم لم يفوزوا بتنظيم كأس العالم، بل قطر. أعتقد أن الأمر مرتبط بمنع بلاتيني الذي كان مؤيدا قطر، من خلافتي في رئاسة (فيفا). لا شيء من هذا مثبت، وسيخبرنا التاريخ بما كانت عليه حقيقة الأمور.
* قد يستغرق ذلك بعض الوقت ..
> إذا كان الرب معي، فما يزال بمقدوري العيش إلى تلك اللحظة. لكن إذا كنت ميتا حينها، يمكنكم أن تكتبوا عن الموضوع وتضيفوا: سيب بلاتر كان يحب أن يعيش هاته اللحظة.
*كيف هي علاقتك اليوم ببلاتيني الذي تتهمه بمسؤولية فشل قطر؟
> قال لي لاحقا -وذلك مكتوب في كتابه-، أن توصية ساركوزي لم تكن ضرورية.
* هل تجنبك بلاتيني في بداية المحاكمة؟
> نعم. لكن في النهاية خلال حكم البراءة المشترك، كان راضيا جدا.
* لماذا ظللت صامتا منذ صدور الحكم إلى اليوم؟
> بعد فترة وجيزة، شعرت بشكل مفاجئ بضغط على جانبي الأيسر (أشار إلى صدره). وجد الأطباء أنني تلقيت على ما يبدو ضربة في ضلوعي. ولهذا لسبب تجنبت أي جهد طيلة بضعة أشهر. لكني قلبي كان في حالة سليمة. التقرير النهائي أنني بهذا القلب يمكنني العيش لمائة عام أخرى. سألت الطبيب: “من الآن”، ورد علي: “لا يجب المبالغة”.
* لنعد لكرة القدم، ما هي فرص المنتخب السويسري؟
> لدينا لاعبون جيدون ومدرب ممتاز أعرفه جيدا. عاشت عائلة مراد ياكين عاشت في السابق ببييج في فاليه. “لا ناتي” سيصل إلى نصف النهائي.
< ترجمة: صلاح الدين برباش