أزمات العالم الاقتصادية -الحلقة 2-

تعتبر الأزمات المالية والاقتصادية إحدى أبرز الظواهر الاقتصادية التي لها أثر عميق على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية مدة زمنية، قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.
وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام الكتاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم، محدثة بذلك تطورا للفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الاقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب السياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الشهر الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.

الركود العظيم في إسبانيا

وسنتطرق في فقرة اليوم، إلى أزمة “الركود العظيم في إسبانيا”، هي الأزمة المالية الإسبانية للفترة 2008-2014، والمعروفة أيضا باسم الكساد الإسباني الكبير…
كان السبب الرئيسي للأزمة الإسبانية هو فقاعة الإسكان وما صاحبها من ارتفاع غير مستدام في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. أبقت الإيرادات الضريبية المتضخمة من الاستثمار العقاري وقطاعات البناء المزدهرة عائدات الحكومة الإسبانية في فائض، على الرغم من الزيادات القوية في الإنفاق، حتى عام 2007. دعمت الحكومة الإسبانية التطور الحاسم من خلال تخفيف الإشراف على القطاع المالي وبالتالي السماح لـ البنوك لخرق معايير مجلس معايير المحاسبة الدولية .
;تمكنت البنوك في إسبانيا من إخفاء الخسائر وتقلب الأرباح وتضليل المنظمين والمحللين والمستثمرين، وبالتالي تمويل فقاعة العقارات الإسبانية، وكانت نتائج الأزمة مدمرة لإسبانيا، بما في ذلك الانكماش الاقتصادي القوي، والزيادة الحادة في البطالة، وإفلاس الشركات الكبرى.
على الرغم من أن بعض المشاكل الأساسية في الاقتصاد الإسباني كانت واضحة بالفعل قبل الأزمة بوقت طويل، واصلت إسبانيا مسار النمو عندما تغير الحزب الحاكم في عام 2004. في هذه الأوقات المبكرة، كانت إسبانيا تعاني بالفعل من عجز تجاري ضخم، وفقدان القدرة التنافسية ضد شركائها التجاريين الرئيسيين، ومعدل تضخم فوق المتوسط​​، وزيادة في أسعار المنازل، ومديونية أسرية متنامية. خلال الربع الثالث من عام 2008، انكمش الناتج المحلي الإجمالي الوطني للمرة الأولى منذ 15 عاما، وفي فبراير 2009، دخلت إسبانيا (والاقتصادات الأوروبية الأخرى) الركود رسميا.
تقلص الاقتصاد بنسبة 3.7٪ في عام 2009 ومرة ​​أخرى في عام 2010 بنسبة 0.1٪. نما بنسبة 0.7٪ في عام 2011. بحلول الربع الأول من عام 2012، كانت إسبانيا رسميا في حالة ركود مرة أخرى. توقعت الحكومة الإسبانية انخفاضا بنسبة 1.7٪ لعام 2012.
تم الاتفاق على توفير ما يصل إلى 100 مليار € من القروض الانقاذ من أموال منطقة اليورو وزراء مالية منطقة اليورو يوم 9 يونيو 2012. اعتبارا من أكتوبر 2012، ما يسمى الترويكا (المفوضية الأوروبية، البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) في المفاوضات ستضع إسبانيا برنامج التعافي الاقتصادي المطلوب لتقديم قروض مالية إضافية من ESM. بالإضافة إلى التقدم بطلب للحصول على حزمة إعادة رسملة مصرفية بقيمة 100 مليار يورو في يونيو 2012، تفاوضت إسبانيا على الدعم المالي من حزمة “خط الائتمان الوقائي المشروط”. إذا تقدمت إسبانيا بطلب واستلام حزمة PCCL، بصرف النظر عن المدى الذي قررت فيه لاحقا الاعتماد على حد الائتمان المحدد، فإن هذا في نفس الوقت سيؤهل البلد على الفور لتلقي دعم مالي إضافي “مجاني” من البنك المركزي الأوروبي، في شكل من أشكال بعض مشتريات السندات غير المحدودة لخفض العائد.
حدثت نقطة التحول لأزمة الديون السيادية الإسبانية في 26 يوليو 2012، عندما قال رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي إن البنك المركزي الأوروبي كان “على استعداد لفعل كل ما يلزم للحفاظ على اليورو”. أعلن في 6 شتنبر 2012، أن برنامج المعاملات النقدية الصريحة للبنك المركزي الأوروبي (OMT) للمشتريات غير المحدودة للديون السيادية قصيرة الأجل وضع الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي وراء التعهد. تم تثبيط المضاربة ضد الديون السيادية الإسبانية وظلت عائدات السندات لأجل 10 سنوات أقل من مستوى 6٪، مقتربة من مستوى 5٪ بنهاية عام 2012.
ويشار إلى أن الآلاف من عمال المطاعم، وأطر وعاطلون ومهندسون وبناؤون إسبان، عبروا خلال الأزمة إلى جنوب المتوسط، قاصدين المغرب في بحثهم عن الثروة، بعدما ضاقت بهم السبل في إسبانيا بسبب الأزمة، والبطالة التي شملت ربع الساكنة النشيطة، وأضحت تطال شابا واحدا، يقل عمره عن 25 من أصل كل شابين اثنين، بما أضحى معه عدد من الإسبان نظراء لأولئك المهاجرين، الذين يقطعون المتوسط للعبور إلى الفردوس الأوربي المنشود.

> عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top