إقالة لايا

من المؤكد أن إقالة وزيرة الخارجية الإسبانية آراتشا غونزاليس لايا، وخروجها من حكومة بيدرو سانشيز، ليست بعيدة عن تدبيرها الكارثي للأزمة مع المغرب، وإمعانها في سلوك عدائي واضح ومتكرر تجاه المملكة الجارة، ومن ثم يمثل هذا الإبعاد إشارة سياسية إيجابية بغاية التهدئة واستعادة استقرار العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط، ولكن ما اقترفته الوزيرة لايا في حق المغرب منذ أبريل الماضي، لا يعتبر سلوكا معزولا أو منفردا، ولكنه يندرج ضمن عقلية سياسية تتنامى لدى الجارة الإيبرية، وهي تقوم على التعالي والعجرفة في العلاقة مع الجار  المغربي، وأيضا لا تتردد في التعبير عن أحلام استعمارية مقيتة، وهذه العقلية، بالذات، هي التي تسائل اليوم الطبقة السياسية والأمنية والإعلامية الإسبانية.

إن تورط الوزيرة آراتشا غونزاليس لايا مع جينرالات الجزائر، وإدخالها زعيم “البوليساريو” التراب الإسباني بهوية مزيفة لكي يتسنى له الإفلات من القضاء، وقيامها بكل ذلك من دون إخبار المغرب والتنسيق معه، كل هذا مثل النقطة التي أفاضت الكأس، وجاء مسبوقا بسلوكات عدائية أخرى قبل ذلك، كما أن الوزيرة نفسها عرفت بالتوترات التي افتعلتها كذلك مع عدد من دول أمريكا اللاتينية، وهي أيضا لم تتردد في السعي لدى الولايات المتحدة الأمريكية كي تتراجع عن اعترافها بمغربية الصحراء، وجميع هذه الخطوات الطائشة كانت تعبر عن عقلية سياسية وسلوك ديبلوماسي يصران على العدوانية تجاه المغرب.

ولكل ما سبق، كانت إقالة الوزيرة لايا مطلبا عبرت عنه معظم الطبقة السياسية الإسبانية، ولقي القرار إجماعا داخليا واسعا.

يتابع المراقبون غياب الاستقرار السياسي في إسبانيا، على الأقل، منذ 2018، وتوالي النكسات الشعبية والانتخابية والسياسية التي تتعرض لها حكومة بيدرو سانشيز، وأيضا التبدلات التي لا تزال متواصلة في المشهد السياسي والحزبي والانتخابي هناك، وهذا السياق العام نجم عنه بروز تدبير سياسي ودبلوماسي، للقضايا الإقليمية والدولية، وأيضا للأوضاع الداخلية في البلاد، يتسم بالهواية والتهور، وغابت الشخصيات الإسبانية العاقلة والحكيمة عن مركز القرار.

مشكلة إسبانيا اليوم أنها افتقدت إلى السياسيين الكبار الممتلكين لبعد النظر، وعدد من المحيطين بالفريق الحاكم حاليا يفهمون السياسة وإدارة الدولة كما لو أن ذلك مقترن بالشعارات والخطب فقط، ولهذا صدموا اليوم بمآلات قراراتهم الهوجاء، وذلك على غرار ما اقترفته لايا تجاه المغرب، والتي لم تفهم خطورته منذ البداية، ولم تقس عواقب التصرف العدائي إزاء أهم شريك لبلادها في منطقة المتوسط.

إن المرحلة الجديدة في علاقات مدريد والرباط يجب، في كل الأحوال، أن تستحضر هذه الأزمة التي حدثت، وألا تنسى خلفيتها وسياقها ومجرياتها، وبالتالي لا بد من مقاربة المستقبل ضمن الوعي بما يشهده العالم ومنطقة جنوب المتوسط من تحولات استراتيجية، وأيضا ضمن التقيد بالاحترام الواجب للمغرب، باعتباره بلدا مستقلا لديه سيادته ومصالحه وأهدافه وتطلعاته.

وفي هذا الإطار، يجب أن تتسع هذه العلاقات الثنائية المستقبلية لطرح كل القضايا الشائكة بين البلدين، بما في ذلك الاستعمار الإسباني لأراض مغربية، وموقف مدريد من مغربية الصحراء ودورها في تسريع الحل النهائي لهذا النزاع المفتعل حول الوحدة الترابية للمملكة، وأيضا اعتبار الشراكة مع الرباط شمولية، وتتضمن جوانب اقتصادية وتجارية وتنموية، وكذلك جوانب سياسية وأمنية وإستراتيجية.

دبلوماسيتنا الوطنية، من جهتها، يجب أن تطور الآن مقاربات أخرى تستحضر مآلات الأزمة الأخيرة، والأفق المطلوب للعلاقات الثنائية والإقليمية، وأن تستمر في اليقظة والتعبئة وصرامة الأداء.

محتات الرقاص

الوسوم
Top