تدخل حركة اعتصام الشباب الإسباني أسبوعها الثالث، في ظل تصعيد احتجاجاتها تحت راية المطالبة بديمقراطية حقيقية.
وتواجه حركة الشباب العاطل عن العمل المطالب بالتغيير إرهاقا وضغطا من قبل رجال السياسية، الذين لم يمتنعوا، ولو للحظة واحدة، عن مطالبة شباب حركة 15 مايو للعودة إلى بيوتهم، لأنهم في الحققيقة أحدثوا شللاً في المجتمع الإسباني، وأزعجوا الساسة من حزبي اليسار الحاكم، وحتى اليمين الذي يحكم العاصمة مدريد.
على بعد أمتار فقط من مقر الحكومة الإقليمية في مدريد، تنتشر خيام المعتصمين من الشباب الذين زارتهم مجددًا «إيلاف»، ويمكن أن تكون هذه آخر زيارة لنا، فقد تتعرض ساحة بويرتا دي صول في مدريد معقل الاعتصام الوطني إلى إخلاء عاجل في وقت قريب من قبل رجال الأمن، وتحدثت إيلاف إلى خبراء تتبعوا تنامي إحتجاج الشباب الإسباني، الذي ينذر بصيف ساخن لثورة شباب إسبانيا وأوروبا، منبعه ربيع الثورات العربية.
شباب «الكلب والناي»
أثار رجال السياسية في سائل الإعلام الإسبانية أخيرًا أوصافًا عدة تخص حركة 15 مايو المطالبة بالتغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي، نتيجة أزمة البطالة التي يعانيها الشباب، حيث وصفوا بأنهم شباب «الكلب والناي» الذين غزوا أهم ساحات العواصم الإسبانية منذ أكثر من أسبوعين، وليست لهم أي علاقة بالمطالب الديمقراطية، ولا يهمهم الحصول إطلاقًا على فرصة عمل، لأنهم شباب يمارس هواية التجوال في الشوارع برفقة بكلب وناي.
مخيمات حركة 15 مايو في ميدان بوريتا دي صول في قلب العاصمة مدريد، للتعرف شباب، الذين انطلقوا في اعتصام مفتوح منذ 15 ماي الماضي، وهناك التقينا بـ خوسي، الذي فنّد الشائعات التي أطلقها رجال السياسة ووسائل الإعلام حول الحركة، ويقول: «أنا شاب إسباني، ومن حقي أن أطالب بمستقبل أفضل وبديمقراطية بعيدة عن الرشوة والمحسوبية، وهذا ما نعيشه في إسبانيا منذ 30 عامًا عقب وفاة الجينيرال فرانكو».
يضيف في حديثه من داخل خيمته بأنه لن يغادر ساحة بويرتا دي صو، رغم أن وزارة الداخلية كانت قد طلبت منهم مغادرة الساحة، لكن خوسي يؤكد أن اعتصامه سليم، ولن يواجه رجال الأمن بالقوة، ويقطع الشاب الإسباني حديثه، ليواصل تصميمه أقمصة خاصة تحمل شعار «التغيير الآن وليس غدًا».
خلال جولتك في ساحة «بوريتا دي صول»، لا يمكنك أن ترى السماء وأنت تجوبها، لأن خيام المعتصمين غطتها بشكل تام.
بيدرو غونثاليث أحد الناطقين الرسمين باسم حركة 15 مايو، هو شاب جامعي لا يتجاوز عمره 22 عامًا، لكنه يحسن الكلام والرد على أسئلة الصحافة المحلية والدولية.
لهذا فقد قررت جمعية الحركة أن تسند له هذه المهمة في الرد على الصحافة وعلى فضول المواطنين، وحتى على السياح الأجانب، الذين غزوا الساحة والخيام من دون دراية بما يحدث.
يقول بيدرو: «مطالب الحركة واضحة لرجال السياسة، رغم عدم تلقي الشباب أي رد رسمي من قبل الحكومة، بل الرد الوحيد الذي تلقوه كان في ساحة كاتالونيا في مدينة برشلونة في شمال البلاد، حيث إقتحمت فرق مكافحة الشغب بالعصي اعتصام شباب الحركة».
ويؤكد الناطق الرسمي أن الحركة لا تريد العنف، بل مطلبها سلمي وشرعي، ويتعهد عبر «إيلاف» بـ»عدم التراجع عن هذه المطالب».
الثورات العربية تلهم شباب إسبانيا
عن التواصل بين حركة شباب إسبانيا والثورات العربية، يقول بيدرو إنه كأي شاب إسباني تابع عن كثب ربيع الثورات العربية في تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا، موضحًا أن الشباب الإسباني والأوروبي قد استلهم ثورته من الثورات العربية، ويضيف قائلاً إن كان شباب مصر وتونس قد استطاع إحداث التغيير، فلماذا لا نستطيع نحن هنا في أوروبا، ويرى أن بلاده بوابة أوروبا، ولهذا فقد استبق شبابها إلى احتضان ثورة التغيير الديمقراطي.
في إحدى الخيام، التي تم تخصيصها كمكتبة للمعتصمين، التقينا بإريك، وهو شاب منخرط في الحزب الاشتراكي الحاكم منذ زمن بعيد، وقد كلفته الجمعية العامة للحركة بتصميم خيمة كتب حتى يقضي الشباب المعتصم وقته في المطالعة.
خيم للعلاج والمطالعة وأخرى جُهزت كمطاعم
تبهرك طريقة تنظيم شباب حركة 15 مايو لاعتصامه وسط العاصمة مدريد، فقد تحولت الخيام إلى مقر عمليات الحركة يضم مرافق للعلاج والغذاء والموسيقى وحتى نوم القيلولة التي لا يمكن أن يفرط فيها الأسبان إطلاقا.
وأنت تجوب مركز الاحتجاج تجد خيمة قد أعدت لإسعاف المصابين جراء ضربات شمس أو أي إصابات طفيفة قد يتعرضون لها وتحتوي هذه الخيمة على كل انواع الأدوية، كما انضم إليها أطباء وممرضون من الشباب الذي يؤمن بمطالب الحركة.
يقول المشرف على خيمة الإسعافات غونثاليث، وهو شاب لا يتعدى عمره 30 عامًا إن كل ما نراه من أدوية داخل الخيمة قد حصلت عليها الحركة من تضامن ومساعدة المواطنين وجمعيات خيرية، وحول طبيعة الإصابات التي يتم معالجتها تحت الخيمة، يقول المشرف إنها إصابات خفيفة يتعرض لها الشباب عند محاولاتهم التسلق في جدران العمارات والمحال المجاورة من أجل إلصاق شعاراتهم، ضف إلى ذلك إصابات ضربات الشمس التي يبدو انها كثيرة، وفي اليوم الواحد يتم إسعاف ما بين 8 إلى 10 أشخاص.
كما يضم ميدان بوريتا دي صول مراكز لتناول مختلف وجبات اليوم، تم إعدادها خصيصًا، حتى يجد المعتصمون كل أنواع الأكل، ويشرف عليها شباب معتصم تحت رعاية طباخين محترفين، جاءوا للمساعدة كإيفان، وهو رجل في الخمسين من عمره، يقول لـ إيلاف إنه جاء للمساعدة، وهو يعاني البطالة منذ نحو العامين، رغم أنه قد احترف الطبخ منذ عام، لكن الأزمة المالية والاقتصادية التي تعانيها إسبانيا قادته إلى الإفلاس، وأغلق مطعمه، وهو اليوم يتضامن مع شباب حركة 15 مايو، ومطالبه لا تختلف عن مطالبهم.
غير بعيد عن خيمة الطباخ إيفان، وجدنا خيمة الموسيقى، التي انتشر فيها شباب يمتهن الموسيقى، ويعيش أزمة بطالة خانقة، حيث لحق المئات منهم بالاعتصام للمطالبة بإحداث إصلاحات تشمل قطاع الفنانين الشباب الذين يبحثون عن فرص للنشاط الفني، غير أن الأزمة التي تعيشها البلاد أوقعتهم في قفص الإفلاس والبطالة، وهذا ما قالته لنا لوثيا التي تمتهن الغناء والعزف على آلة القيثار، لكنها منذ 15 مايو قررت أن تعزف ألحانها وتغني في ساحة صول.
الجالية العربية تنضم إلى الإعتصام
لم يتأخر أبناء الجالية العربية في إسبانيا في الانضمام إلى حركة احتجاج شباب 15 مايو، وكيف لا، وهم يعانون أزمة البطالة والتهميش، وقد فقد بعضهم وثائق إقامته، بسبب وجوده في حالة بطالة، وليس بإمكانه تقديم عقد عمل لتجديد وثائقه.
الشباب العربي من مختلف الأقطار انضم إلى الاعتصام، ونصب خيمه في بورتا دي صول. وجدنا محمد مغربي الأصل، ويعيش في أوروبا منذ نحو 40 عامًا، حالته مأساة تتحدث للعيان، فقد قرر أن ينصب خيمته، ويطالب بالتغيير، لأنه قد يئس، كما يقول لنا من التهميش والبطالة.
ويحلم الشاب المغربي في العودة إلى وطنه، لكنه يقول إن الحال هناك أسوأ من هنا، ولذلك فقد قررت أن أبقى في اوروبا، وهو يتحدث 6 لغات، يعيش منذ سنوات في حالة تذمر ويأس بسبب الحالة الاجتماعية، ويقول عبر صفحات إيلاف إن ربيع التغيير ولد صيف الثورة في أوروبا، والحركة لن تتوقف هنا وهناك.