الباحث الأكاديمي رشيد يحياوي لبيان اليوم

تنخرط بلادنا على غرار البلدان المتحضرة؛ في الاحتفال بالدخول الثقافي، بهذه المناسبة كان لبيان اليوم اتصال بمجموعة من المبدعين والنقاد، من أجل الحديث عن الأعمال الجديدة التي يهيئونها للطبع، وقضايا أخرى ذات صلة بالثقافة بوجه عام.

> ماذا تعد للطبع وما خصوصيته؟
< أعد كتابي “التبالغ والتبالغية” الذي فاز بجائزة المغرب للكتاب لسنة 2015 لطبعة ثانية بطلب من الناشر، وأنتظر في ذات الوقت ما ستقرره إحدى دور النشر العربية بشأن مخطوط رواية لي، علما أنه صدر لي مؤخرا كتاب يوميات بعنوان “القاهرة كما عشتها” عن منشورات دار التوحيدي. وتوجد مشاريع أخرى في طور الإعداد.
> ما هي قراءتك للحركة الثقافية خلال السنة الجارية؟
< الحركة الثقافية في السنة الجارية كشأنها في السنوات القليلة الماضية، تتحدد من زاوية ما نقصده بالثقافة وبالحراك الثقافي. ونحتاج أن ننظر لهذه المسألة في محيطها العام حاليا. لأننا لو قارناها بالعقود السالفة فقد نحكم عليها بالسلب. لذلك فإن هذه الحركة مشجعة في تصوري، نظرا للمحبطات التي باتت تحاصر الفعل الثقافي البناء بصفة عامة أمام شيوع مظاهر التيئيس وتبخيس دَور الفنون والآداب. توجد في بلادنا مجموعة من الملتقيات الثقافية والأدبية والفنية في كل أطراف المغرب بما فيها المدن الصغيرة، تحتاج للدعم والتشجيع. وهذا إضافة للملتقيات والندوات التي تنظم داخل الجامعات، وكذلك حركة النشر التي لابأس بها.
> ما هو أبرز حدث ثقافي في هذه السنة؟
< لم تعد هذه الحركة ممركزة كي تخلق حدثا ثقافيا بارزا وطنيا ودوليا، لأن فعلها يتجه نحو التمدد والانتشار بدل التمركز. كما أنها حركة ذات منحى تخصصي (شعر، زجل، قصة، رواية..)، وهذا لا يعني بالضرورة أنها حركة ثقافية تعيش على شتات تنظيمي بالغ السلبية. فقد يكون وضعها هذا إيجابيا لها، بحكم كونها تسهم في تركيز الجهود لتسليط الأضواء على جوانب فرعية. أما التظاهرات الكبرى فتتطلب دعما مؤسساتيا كبيرا ليس في وسع الجمعيات التمكن منه. إنه عمل مسؤوليته مشتركة بين الجمعيات ووزارة الثقافة ووزارات أخرى والجهات الحاضنة والداعمة.
أما أبرز حدث ثقافي فلا يأتي من العمل الجمعوي المنهك والمتشظي المحاصر تمويليا، ولكن من وزارة الثقافة. أقصد المعرض الدولي للكتاب، ولكنه يحتاج للكثير من المراجعة في برامجه وتصوره الثقافي كي يرتقي إلى مصاف المعارض الدولية الكبرى المماثلة. ثم إن الإعلان عن جوائز المغرب للكتاب، يمكن أن يعد حدثا ثقافيا يستأثر أيضا بالتتبع والاهتمام داخل الوسط الثقافي والإعلامي، وإن كنت أرى أن الإعلان عن جوائز الكتاب يتطلب بدوره برنامجا تنظيميا يليق بمستواه.
> ما تقييمك للأنشطة التي تقوم بها الجمعيات الثقافية كاتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر بالمغرب..؟
< بعض الجمعيات الوطنية المعروفة، تقوم بما يتيحه لها وضعها المادي والتنظيمي، كاتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر. إذ لا ننسى أن الكثير من الجمعيات تعيش مشاكل داخلية تؤثر على سيرها العادي مما يفقدها القدرة على خلق الحدث الثقافي، والقدرة على مسايرته إذا حدث. غير أن ما تقوم به هذه الجمعيات لا يخلو من أهمية خاصة في مجال النشر وإن لم يكن في مستوى المتوقع. وكما يقال في العامية: اللهم العمش ولا العمى.
>ما قيمة القضايا التي يناقشها المغاربة راهنا وما مستوى هذا النقاش؟
< بات المغاربة يناقشون كل القضايا، من أبسطها إلى أكثرها تعقيدا. من قضايا السلوك إلى قضايا الفكر، ومن قضايا الأفراد إلى قضايا الجماعة. انكسرت الطابوهات بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وانفضاح وثوقيات ومسلمات طالما سيقت لِلَجم حرية الرأي، وحجب الناس عن معرفة الحقائق. أصبح للقضايا الجزئية العارضة أيضا أهمية في النقاش باعتبار القيم التي ترمز إليها والدلالات التي تبطنها. غير أن نقاشها غالبا ما ينطفئ بانطفاء تلك القضايا المثارة إعلاميا أو بين الناس. فهو نقاش لحظي كثيرا ما لا يرتقي إلى مستوى الإنتاج والبناء المعرفيين. يناقش الأعراض في ذاتها وقلما يخلص منها إلى جواهرها، لأن الجواهر تستدعي المعرفة المعمقة والأداء التحليلي المتمهل والمتزن. وهذا كله لا يمنع من قيمة مناقشة الأعراض. فقد ننفذ منها للجوهر إن طورنا النقاش وعمقناه.
>غاب العديد من الأسماء الأدبية والفكرية عن ساحة النشر، ما تفسيرك لذلك؟
< مجموعة من الأسماء كانت نشيطة في النشر خلال السبعينات والثمانينات. كانت في تلك الفترة في شبابها وفي سياق زمني له خصوصيته. من الطبيعي أن تتراجع كميا في مستوى النشر. فعامل السن له تأثير على العديد من الكتاب خاصة لمّا نربطه بظروفهم الاجتماعية. لكن ظهرت أجيال جديدة منذ الثمانينيات وإلى الآن وأصبح لبعضها حضور كما كان لسابقيها. وبالنسبة للأسماء المعروفة، فغيابها عن النشر قد لا يقاس سوى بالنسبة للنشر في الصحف الوطنية. إذ كثير منهم بات يفضل نشر الدراسات والكتب على نشر المقالات في الصحف.
 وسواء بالنسبة للقدماء أو للجدد، فلا أرى لهم غيابا. فمنهم من ينشر في الصحف الوطنية، وعديدون منهم ينشرون في الصحافة العربية بالمشرق وأوربا. وبالتالي، فالسؤال الذي يمكن التوسع فيه هو التالي: لماذا يفضل العديد من الكتاب المغاربة النشر خارج المغرب وفي وسائط التواصل الاجتماعي على النشر في الصحف الوطنية؟ والمسألة تخص كذلك هجرة الكثيرين نحو نشر كتبهم النقدية وأعمالهم الإبداعية في دور نشر مشرقية.
> ما موقفك من المحاكمة القضائية للإنتاج الأدبي والفكري؟
< مبدئيا، أنا ضد أي محاكمة قضائية أو فكرية لحرية الرأي والتعبير، فبالأحرى محاكمة الإنتاج الأدبي والفكري والجمالي. طبعا يجب التمييز بين الحق في الرأي وبين ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون وتتخذ الإبداع قناعا وشكلا لها. لا يُقبَل مثلا أن يكتب أحدهم قصيدة يهجو فيها شخصا باسمه ويشهر به ويشتمه بدعوى أنه يكتب الشعر. وعلى بعض الكتاب أن يفهموا أن الإبداع يقوم على التخييلي والاحتمالي ويتجه نحو الكوني وليس تقريرا وبيانا شخصيا. يبقى ما يسمى بالطابوهات والخطوط الحمراء، وأعتقد أن الكاتب الحذق يستطيع خرقها بإبداع حقيقي. فالإبداع الحقيقي لا يعترف بتلك الحدود لكنه لا يجاهر بخرقها.
> ينخرط بلدنا في الاحتفال بالدخول الثقافي باعتباره تقليدا سنويا، ما هو تصورك الخاص لهذا النوع من الاحتفال؟
< لا أرى أي تباشير تؤشر لمقدم احتفال بالدخول الثقافي. فلا يوجد أصلا دخول ثقافي على الأبواب. جل المغاربة بما فيهم المثقفون يشرعون بعد منتصف شهر غشت في الاستعداد للرجوع لبيوتهم. أقصد من يسافرون منهم. إنهم يعودون كي يحتفلوا برجوعهم الآمن لديارهم بعدما كثرت الجرائم وحوادث السير. وكل المغاربة في هذه السنة كانوا ينتظرون دخول شتنبر كي يحتفلوا بعيد الأضحى، فسؤاله كان أكثر راهنية عندهم. وخذ بعين الاعتبار مستجد الانتخابات البرلمانية لهذه السنة والنفير العام الذي تطلقه الهيآت السياسية من أجلها. انطلاقا من ذلك يمكنك أن تقيس موقع الثفافة في انشغالات المواطنين ومنهم السياسيون والمثقفون.
وما أراه أكثر واقعية، فهو دخول الموسم الدراسي بعودة التلاميذ والطلبة ورجال التعليم ونسائه لقواعدهم في التتلمذ والعمل. فمع هذه العودة تبدأ دورة جديدة في حياة الأسر المغربية. من الطبيعي أن يترافق ذلك مع برمجة بعض الأنشطة الثقافية التي تتأخر إلى شهري نونبر ودجنبر، أي إلى حين انتظام السنة الدراسية. مما يعني أن السنة الدراسية هي المتحكمة في السنة الثقافية. بل إن أنشطة كثيرة أصبحت تبرمج داخل المؤسسات التعليمية والجامعات. وهذا لا يعني أن الجسم الثقافي الموجود خارج الجسم التعليمي لا يشتغل، وإنما اشتغالهم يتم في غالب الحالات في ارتباط بالدورة الدراسية.
وإذا شئتَ مني ألا أكون متشائما، أقول لك إن الدخول الثقافي لا يكاد يكون عندنا إلا في شهر فبراير في تزامن مع معرض الكتاب. فانظر إلى دُور النشر المغربية والجمعيات الثقافية الكبرى، فإنك تراها تسابق الزمن من شهر شتنبر إلى آخر يناير كي تُظهر إصداراتها في المعرض تحديدا. وفي ارتباط بالمعرض أو دون ارتباط به، قد تلاحظ أن أغلب الأنشطة الثقافية تبرمج في ثلاثة أو أربعة أشهر، من فبراير إلى ماي. وهذا هو أوج السنة الثقافية، كأننا نعيش في القطب الشمالي حيث تظهر الشمس لأشهر معدودة. أما ما قبل هذه الأشهر وما بعدها، فهو إما مقدمات أو تتمات، دون إغفال الاستثناءات طبعا.
اعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top