تواجه الحكومة الانتقالية في السودان عددا من التحديات والصعوبات، التي يرى البعض أنها نتاج تراكمات سنين سابقة، وأنها لن تحل بسرعة، مؤكدين ضرورة منح هذه الحكومة بعض الوقت لتتمكن من العمل على حل ما تواجهه من مشكلات.
تمر البلاد هذه الأيام بالذكرى الأولى للثورة السودانية العظيمة التي دفع مهرها الشعب السوداني فلذات أكباده ثمناً للحرية والسلام والعدالة، وهى متطلبات الفترة الانتقالية التي تؤسس للتداول السلمي للسلطة وترسيخ معاني الحكم الرشيد. ولعل البدء بمحاربة الفساد، بكل أشكاله ومستوياته، هدف أسمى ينقل المجتمع من لحظات اليأس والغضب إلى زمن الديمقراطية، ومن هواجس الانفعال والتردد إلى إرادة الإبداع والإنتاج والإصلاح.
فالمشكلات المزمنة التي ورثتها الحكومة الانتقالية تعد أولى الأولويات التي يجب التعاطي معها بشجاعة وجدية كبيرتين لا تنفع معها الأنشطة الاجتماعية والخدماتية البسيطة التي تسمى “أوراش التنمية” إذا ما استمر ترك تدبير الاقتصاد بالعقليات والمنهجيات والأهداف السابقة.
تحدثنا كثيرا وأعطينا مقترحات وتصورات للخروج من عنق الزجاجة، ونؤكد في هذا الجانب أن تفكيك منظومة الفساد الاقتصادي السابق وبناء إطار اقتصادي جديد على أسس إنتاجية عقلانية وشفافة مسألة حيوية لا مناص منها. ولعل تنقية المجالات الاقتصادية من الرأسمالية الفاسدة ورجال المال والأعمال الفاسدين، ومن البيروقراطيين الإداريين والذين كانوا يتحكمون في الحياة الإنتاجية والخدماتية، يعد مدخلا أساسيا لإعادة هيكلة الاقتصاد ولحماية المال العام والموارد العمومية للدولة ولممتلكات الفقراء مع الحد من التجاوزات الإدارية والسياسية المتلاعبة بالقوانين والمخططات والمشاريع والمسؤولية لتمرير الصفقات وخرق القوانين وتجاوزها.
بيد أن ترسيخ مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص وفك الارتباط بين السلطة والثروة أمور غاية في الأهمية قادرة على أن تحفظ للدولة مواردها الطبيعية وتثمن للمجتمع موارده البشرية.
من هذا المنطلق، فإن حكومة الدكتور عبد الله حمدوك مطالبة اليوم بأن تصوغ برامجها وتوفر الحلول لأزماتنا انطلاقا من الظروف الراهنة، وألا تعيد ارتكاب أخطاء الحكومة السابقة التي أوصلت البلاد إلى حافة اليأس والإفلاس وتركت أعدادا هائلة من الشعب على رصيف البطالة وتحت خط الفقر.
فالمواطنون عندما أحدثوا ثورة ابريل المجيدة، وضعوا الثقة في الدكتور عبد الله حمدوك ليتمكن من تشكيل حكومة نزيهة تبرهن على قدرتها على إحداث التغيير، وتحقيق مصالح الناس، وإنجاز النهضة الشاملة في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمالية، بما يتضمنه برنامجها من قواعد ومبادئ وشروط وآليات وتقنيات، وبما يحدثه في الإنسان من تغيير وتفجير لطاقة الخلق والإبداع فيه.. ليضيف قيمة جديدة، ويغير المشهد السياسي المقرف الذي يئس المواطنون من بؤسه. ليكون أيضا قادرا على استيعاب هذا التغيير، شريطة الوضوح في المواقف، واحترام شروط النظام الديمقراطي، والإخلاص في بناء مجتمع حديث، متقدم، سمح، تتعايش فيه الثقافات والحضارات والتوجهات السياسية المختلفة في فضاء التعددية والمواطنة التي لا تعرف التمييز ولا الإقصاء.
مصلحة الوطن تكمن في انتشال المواطنين من الفقر والأمراض والجريمة وهجر الديار، وفي توفير الحاجيات الضرورية، وفي تنويع وتوسيع دوائر النقاش وفتح قنوات التواصل مع الآخر للتخطيط والإبداع الاستراتيجي بخصوص الرفاهية الجماعية والاقتصادية والعدالة الاجتماعية التي تضخ في القلوب كل الأفكار والأحكام الجديدة، دون فظاظة أو صراع.
فلا خير ولا دوام لديمقراطية غير منتجة، ومن دون اقتصاد قوي تكون له آثاره الإيجابية على الرفاهية الاجتماعية وتحقيق طموحات الناس في العيش الكريم والاطمئنان على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ومجتمعهم، لأن الجينة المنتجة في المبتغى، والهدف المنشود، توجد في نزاهة وشفافية الأعمال الصالحة.
بقلم: محمد أحمد السماني