بيان اليوم تفتح كتاب حياة المناضل السياسي والحقوقي والإعلامي مصطفى اليزناسني

تقتفي بيان اليوم، مسار المناضل السياسي والحقوقي والصحافي مصطفى اليزناسني، الذي يبهر كل من يجالسه، بتواضعه، وأدبه ولطفه، ينصت كثيرا، وإذا تحدث اختصر، لا يحب الحديث عن نفسه، أو حتى أن تسلط عليه الأضواء، ظل وما يزال يعمل في صمت.
انخرط في العمل السياسي في خمسينيات القرن الماضي، كمناضل وقيادي في الحزب الشيوعي المغربي، ويعتبر واحدا من مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وكان عضوا بمكتبها الوطني، كما أنه عضو باللجنة المغربية الإسبانية ابن رشد وهو أيضا عضو سابق بهيئة الإنصاف والمصالحة.
وعمل في المجال الإعلامي حيث شغل منصب رئيس تحرير صحيفة «الكفاح الوطني» في الفترة الممتدة من 1965 إلى1967، ثم محرراً بجريدة «العلم»، قبل أن ينتقل إلى وكالة المغرب العربي للأنباء كسكرتير للتحرير ما بين سنتي 1970 و1971، كما شغل، في فترة لاحقة، منصب مدير صحيفتي «الميثاق الوطني» و»المغرب»، كما كان عضوا بالمكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية.
مصطفى اليزناسني، درس في جامعة صوفيا ببلغاريا وحصل فيها على دبلوم في العلوم الاجتماعية، يتقن العديد من اللغات: العربية والفرنسية والبلغارية والإسبانية والروسية والحسانية، مر من تجربة العمل الديبلوماسي، حيث شغل منصب محلق ثقافي ثم قائما بأعمال السفارة المغربية في نواكشوط سنة 1975.   
يحكي في هذا المسار، جزءا من تجربته في المجال السياسي والحقوقي والإعلامي، فهو يؤمن بأن التجربة هي، في نهاية المطاف، مجموعة عوامل تساهم في نحت وبلورة شخصية الإنسان.

الحلقة 11

مجموعة من الرفاق القياديين كانوا ملتزمين بالكتابة في جريدة “الكفاح الوطني”

بالإضافة إلى العمل مع الرفيق محي الدين، في جريدة الحزب الشيوعي المغربي “الكفاح الوطني”، كان هناك مجموعة من الرفاق القياديين الملتزمين بالكتابة، في الجريدة بشكل مستمر، وكان الرفيق عيد السلام بورقية، أحد هؤلاء الرفاق، فقد كان مختصا بالمجال الفلاحي، يكتب دائما عن الفلاحة وعن الفلاحين الصغار، وكان هو أول من أدخل في القاموس السياسي، مفهوم العمال الزراعيين.
وكان مواظبا على كتابة عموده، النقدي والساخر، في الصفحة الأولى، والذي كان يوقعه تحت اسم “أبو ثعلبة”، إلى جانب التزامه بالكتابة في مجلة مبادئ إلى جانب الرفيق عبد الله العياشي.
وقد عرف إسم الرفيق عبد السلام بورقية، وسط الفلاحيين منذ أن كان في مدينة تادلة التي كان يشتغل بها موظفا، قبل أن يغادر إلى الدار البيضاء، بعد أن استقطب العديد من الفلاحيين والعمال الزراعيين لصفوف الحزب الشيوعي المغربي.
من جانبه، كان الرفيق عبد المجيد الدويب، مختصا في قضايا التعليم، وكان ملتزما بالكتابة في الجريدة، حول كل ما يرتبط بقضايا التعليم، بالإضافة إلى الأنشطة النقابية، وكل القضايا المرتبطة بأوضاع الطبقة العاملة على اعتبار أنه كان نشيطا نقابيا، من الطراز الرفيع، يتميز بحس نقدي عال وكان يهتم، أيضا، بالتنظير في المجال التعليمي، وبرؤية الحزب لإصلاح التعليم.  
ومن بين الرفاق الذين كانوا ملتزمين بالكتابة في الجريدة، هناك الرفيق شعيب الريفي والرفيق عبد الله العياشي، رغم أن جل اهتماماته وكتاباته كانت منصبة على مجلة المبادئ إلى جانب الرفيق عبد السلام بورقية، إلا أنه كان يحرص على الكتابة في الجريدة أيضا.  
هذا بالإضافة طبعا إلى السي علي، الذي كان يكتب دائما، افتتاحية العدد، ولم يسجل عنه أن تخلى يوما عن كتابتها، وكانت الافتتاحية في الغالب حول حدث سياسي معين أو طارئ وطني، وهي بمثابة نص توضيحي، أو توجيهي، يعبر من خلالها عن موقف الحزب، وعن رؤيته لمختلف القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام، وقد كان الرفاق يحرصون على قراءتها ومتابعتها.
وكانت كل القضايا التي تهم الشأن الفيتنامي وكل القضايا والأحداث التي لها علاقة بهذا البلد، كانت من اختصاص أحد الرفاق الأجانب، المقيمين في المغرب، وهو سوري فرنسي اسمه “سوتن”، حيث كان يكتب كل ما له علاقة بالفيتنام، خاصة وأنه كان مهتما بقضية الفيتنام بشكل كلي، إلى جانب اهتمامه بقضايا حركات التحرر العالمي بصفة عامة.  
وقد كانت الجريدة، رغم التضييق، ورغم المنع الذي تعرض له الحزب الشيوعي، كنا نصدر الجريدة بانتظام، وكنا نعطي أهمية كبيرة للصفحة الأدبية، التي لعبت دورا مهما في استقطاب العديد من الشعراء الشباب الذين بدأوا حياتهم الأدبية والشعرية، على أعمدة جريدة الكفاح الوطني، وفي مقدمتهم الشاعر المرموق ادريس الملياني والشاعر أعنيبة الحمري، والهناوي الذي كان مصححا في الجريدة قبل أن يصبح محررا فيها، وغيرهم من الشعراء والأدباء والمفكرين الذين خطوا خطواتهم الأولى في الكتابة على أعمدة صحافة الحزب الشيوعي المغربي، التي أتاحت الفرصة لأدباء وكتاب شباب من أجل ابراز إمكاناتهم الفكرية والأدبية، وهذا دور أساسي ومهم لعبته جريدة الكفاح الوطني، لا يمكن أن ينكره إلا جاحد.
بالإضافة إلى العمل في الجريدة، كنت أيضا، ملتزما بالعمل الحزبي، ضمن إحدى الخلايا التنظيمية، كمناضل وكعضو لجنة الناحية، وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. كنت حينها أنشط بالمدية القديمة التي انسجمت، بشكل كلي، مع نمط العيش بها، حيث كانت رائحة الحياة تفوح من دروبها وأزقتها، كما كانت وجوه قاطني المدينة القديمة، تشح بالحيوية والاقبال على الحياة.
فبعد سنوات عديدة من الغربة، والعيش في بيئة، غير مغربية، جعلني في حاجة ماسة إلى العيش في مكان يساعدني على الانغماس في الحياة الاجتماعية والبيئة المغربية بكل ما في الكلمة من معنى، وأن أعيش إلى جانب ذلك المواطن العادي المعروف بقيمه وخصاله العالية جدا، خاصة تلك القيم التي تميز ساكنة المدن المغربية القديمة حيث تمزج بين الأصالة والمعاصرة، أن أقطن بالمدينة القديمة، خلال تلك الفترة، وبعد العودة من بلغاريا، في الواقع، يعد بالنسبة إلي عودة إلى الجذور.   
الخلية الحزبية التي كنت أنشط بها، كانت تتكون من مجموعة من الشباب، الذي كان كله حيوية ونشاط، وكان، في نفس الوقت، يقدر المسؤولية ويعطي معنى حقيقيا لمفهوم الالتزام السياسي.هذه الخلية كانت موقفة جدا في أنشطتها، خاصة في البيع النضالي للجريدة، وكنا نبتكر أساليب نضالية جديدة، ساهمت في نسج علاقات متميزة مع الساكنة، التي كنا في تواصل معها بشكل يومي، وكنا نزودها بجميع الأخبار والمستجدات التي كان من المفترض أن تكون على اطلاع بها. وكانت طريقة التواصل والإخبار تتم بشكل مباشر، حيث كنا نطرق أبواب المنازل ونخبر الناس بكل المستجدات، وقد ساهم ذلك في خلق نوع من الارتباط القوي بهذه الساكنة التي كانت تنظر إلينا بكل تقدير طبعا.
الجدير بالإشارة، إلى أن هذه الخلية الحزبية كانت تضم في صفوفها بعض الرفاق الحيويين والأساسين في الخلية، مثل الرفيق إبراهيم وحمان الذي كان صيدليا، الشيء الذي مكنه من ربط علاقة يومية مع الناس في موضوع حساس جدا وهو موضوع الدواء، حيث كان يقدم مساعدات، لبعض المحتاجين، كما كان يتساهل مع البعض الآخر، ويقرضه الدواء إلى حين أن يأتي بثمنه.
 بالإضافة إلى ذلك، كان يبت الرفيق إبراهيم وحمان مفتوحا، للجميع، وكان كل من طرق بابه، سواء للدواء أو أي غرض آخر، كان يجده. كما عملت الخلية بشكل كبير وأساسي على نسج علاقات جيدة مع كل حرفيي المدينة القديمة من الحلاق إلى العطار، وكنا نضع الجرائد لدى كل هؤلاء الحرفيين من أجل بيعها، إلى أن أصبحوا هم يساهمون في البيع النضالي للجريدة وفي نشرها.

 إعداد: محمد حجيوي

Related posts

Top