تضامنا مع الزملاء في فلسطين…

وقف الصحفيون أمس الاثنين في مناطق متعددة عبر العالم تفاعلا مع نداء الاتحاد الدولي للصحفيين لتجديد الإدانة والاستنكار لتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي قتل الصحفيين في غزة، ونظمت حملات احتجاج واستنكار في سياق ذلك، وانخرطت نقابات الصحفيين وجمعيات مختلفة تعمل داخل المهنة، فضلا عن منظمات حقوقية وفعاليات ديموقراطية، وجرى توقيع عرائض ومذكرات قانونية…
الزميلات والزملاء الذين يعملون في غزة وفي فلسطين لتغطية الحرب ونقل وقائع الجرائم البشعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني هناك، هم يمارسون مهنتهم على خط النار، وفقط من أجل ذلك تفرض علينا الأخلاق تحيتهم ورفع القبعات في وجوههم والانحناء أمام شجاعتهم المهنية والإنسانية.
وعندما يكون الأمر لتغطية عدوان بشع يقوم به الجيش الصهيوني، هنا يكون الخطر مضاعفا على هؤلاء الزملاء، ويكون واجبا علينا كلنا إسنادهم والتنديد باستهدافهم المتعمد.
الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الإعلاميين بغاية إبعادهم، وعدم نقل جرائمه البشعة إلى العالم، وبالتالي لكي يبقى يقتل الفلسطينيين في صمت وبلا شهود.
العالم كله اليوم يشهد على أن الجيش الإسرائيلي يستمر منذ شهور في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والذبح والقتل في حق الشعب الفلسطيني، وما تعرض له الصحفيون هناك منذ بدء العدوان الصهيوني يمثل أيضا أبشع مذبحة في حقهم، وهي غير مسبوقة قياسا إلى حجم المنطقة الجغرافية التي شهدت الجرائم.
لسنا هنا في مقام السجالات المهنية فيما بيننا أو في استعراضات لغوية ونظرية لتقييم خطوط التحرير وتحليل المواقف، ولكننا أمام بداهة الأسس والمبادئ.
صحفيون يعملون لتغطية الحرب، وقوات احتلال تستهدفهم بشكل متعمد وممنهج، وذلك بالرغم من كونهم يظهرون علامات تميزهم، كما أن الجيش استهدف أسر بعضهم، ودمر منازلهم، وقصف سياراتهم، وهذا كله يقع ضمن بنود وأحكام خرق القانون الدولي، ويصنف ضمن الجرائم.
هنا تنتهي التنظيرات السطحية، ويصير من الواجب التعبير عن موقف مبدئي، ورفع الأصوات عاليا لإدانة واستنكار الهمجية الإسرائيلية، ورفض المذابح المقترفة ضد الصحفيين، وطبعا ضد كامل الشعب الفلسطيني.
هل تحتاج كل هذه البشاعة المعروضة يوميا على الشاشات إلى مزيد دلائل وبراهين؟
وحدها الدول الداعمة لإسرائيل تصر على الدفاع عنها بصفاقة وقلة حياء، ولكن الكل يعرف أن جيشها المحتل يتعمد قتل الصحفيين، والجميع يعرف أيضا أن هؤلاء الزملاء لا يجدون حتى أين يبيتون هم وأسرهم، ومثلهم مثل الشعب الفلسطيني يعانون من غياب الأمن، وتوالي القصف والتدمير، وانعدام الماء والغذاء والدواء، وأحيانا لا ينجحون حتى في تأمين التواصل والربط لإبلاغ تقاريرهم وموادهم الصحفية، ومع ذلك هم صامدون، وينتجون الأخبار على مدار الساعة، ويجعلون العالم كله يتابع ما يحدث هناك.
لنضع أنفسنا مكان هؤلاء الزملاء، ولنتخيل ظروفهم الميدانية ولو لبعض الوقت، ثم بعد ذلك نحتكم إلى ضمائرنا المهنية والإنسانية.
الكيان الإسرائيلي المحتل لفلسطين قتل آلاف النساء والأطفال والشيوخ والعجزة والرجال في غزة وفي غيرها من مناطق فلسطين، ودمر المنازل والمستشفيات والمدارس والمنشآت، وهو أيضًا لم يستثن الإعلاميين لتغييب كل الشهود على بشاعة جرائمه المرتكبة.
نحن إذن أمام جيش احتلال جاثم على صدر شعب منذ عقود، ونحن أمام تعد واضح على حق الصحافة في العمل بحرية، وعلى حق الجمهور في الإعلام، وعلى حق الصحفيين في الحماية والأمن والسلامة البدنية…، أليست هذه هي شعارات العديد من الأنظمة في أوروبا وأمريكا؟ ولماذا يجري دوسها بالأقدام فقط لما يتعلق الأمر بفلسطين، وبما يجري في غزة وحواليها؟
الاحتجاجات التي أقيمت أمس بجهات متعددة عبر العالم تنديدا باستهداف الصحفيين الفلسطينيين من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكل المبادرات التضامنية والترافعية والقانونية التي تنخرط فيها المنظمات المهنية والحقوقية بهذا الخصوص، هي تسعى إلى الضغط لمعاقبة مرتكبي جرائم الاعتداء على الصحفيين واستهدافهم المتعمد، ومحاربة الإفلات من العقاب، وبالتالي ضمان بيئة عمل آمنة للصحفيين وحمايتهم.
ما يجري في غزة، وفي عموم فلسطين، هو عنوان همجية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي هو عار على المجتمع الدولي والضمير الإنساني، والشعب الفلسطيني من حقه بناء دولته المستقلة والعيش في حرية وسلام وأمن، أي أن يندحر الاحتلال ويحقق استقلاله الوطني فوق أرضه.

<محتات‭ ‬الرقاص [email protected]

Top