تقرير لجنة النموذج التنموي

عرض التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، الذي قدمه رئيسها أول أمس أمام جلالة الملك، الخطوط العريضة لبناء استراتيجي شامل ومتكامل، يروم استشراف مستقبل المغرب والمغاربة، ومن ثم يعد الأمر لحظة تاريخية حقيقية يجب استثمارها وعدم تضييع ممكناتها الإستراتيجية.
النموذج التنموي، موضوع الحديث اليوم، يرتبط بأفق استراتيجي وليس بالسياسات العمومية السنوية أو الدورية العادية، ولأنه كذلك، فهو يعني التغيير، وهذا الأخير لما يكون مرتبطا بالدولة والمجتمع والناس، فهو يعتبر  منظومة مركبة، وتقصد أساسا صياغة المستقبل في إطار تحليل الواقع الحالي ورصد الانتظارات المعبر عنها، واستحضار مختلف التحديات الداخلية والخارجية ذات العلاقة والتأثير، وتدقيق الأهداف ومؤشرات تقييم المنجز وكل صيروراته الأخرى…
إن الأهمية الأولى التي أبرزها تقرير لجنة النموذج التنموي تكمن في اهتمامه بمحاور  تنموية أساسية لها صلة بالاقتصاد وتحديث الدولة والمؤسسات، ولكن أيضا بما يرتبط بالناس والمجتمع، علاوة على أنه استشرف فضاءات وممكنات أخرى جديدة.
هذه المقاربة التكاملية تعتبر مركزية، وتبرز أهمية وضع الإنسان المغربي في عمق الرهان التنموي، واستحضار ضرورة إحداث الأثر الملموس  في حياة المغاربة.
ثم هناك الأهمية الأخرى التي تبرز في الوعي الواضح بالدروس التي كرستها فترة الجائحة وما يشهده العالم  اليوم من تبدلات مهولة، حيث توقف التقرير عند مسألتي التعليم والصحة بالخصوص، إضافة إلى ضرورة تأطير المواطنات والمواطنين على كل المستويات وتعبئتهم وإشراكهم في مختلف مسلسلات البناء والتنمية، وأيضا من خلال التنصيص على المساواة بين الجنسين، وعلى أهمية الثقافة…
كل هذه الخلاصات التي أوردها التقرير تؤكد مركزية مشاركة الناس وتعبئتهم، وهذا يحيل أيضا، ومنطقا، على الأهمية الجوهرية للتعبئة الديموقراطية والمشاركة السياسية الشعبية، وضرورة تعزيز الثقة في المؤسسات وفِي العمل العام.
وهناك، في نفس الإطار، أهمية أخرى لا بد من الانتباه إليها بدورها،  وتتعلق بمحورية الزمن، وضرورة الالتزام بعامل الوقت في الإنجاز، وفِي السعي لإحداث الأثر.
عندما يحيل التقرير على محدودية تطبيق أحكام الدستور، وترتيبا على ذلك، ضعف إعمال عدد من الإصلاحات الجوهرية التي نص عليها، فهذا يعني الحث على تفادي تكرار الوقوع في هذا التلكؤ، والسعي، بالتالي، لتطبيق مخرجات تقرير لجنة النموذج التنموي في مدى زمني معقول، والانطلاق من ذلك لتنفيذ إصلاحات حقيقية وجوهرية لا زالت معلقة إلى اليوم…
وتبعا لما سلف، فإن تقرير لجنة النموذج التنموي، وعندما أمر جلالة الملك بنشره، ولما  دعا أيضا إلى التفاعل الجدي مع خلاصاته، ولما أوصى واضعوه بترجمة محاوره إلى» ميثاق وطني من أجل التنمية»، فكل هذا يعني أنه يمثل منطلقا لنقاش عمومي واسع يجب أن يقع في البلاد، ويجب أن يتم بذلك إغناء التقرير نفسه وتعزيزه عبر حوار ديموقراطي في البلاد، يكون هدفه صياغة وتفعيل أسس انطلاقة عملية استراتيجية كبرى لتقدم المغرب.
ولا يعني هذا الأفق، من جهة أخرى، أن كامل الحركية في البلاد ستتوقف ويصيبها الشلل في انتظار تطبيق وصفات سحرية واردة في التقرير، وإنما الأمر يعني تعبئة مختلف الفاعلين في كل المجالات لتطوير أدائهم اليومي، وتغيير منظومات التفكير والتخطيط والتدبير والعلاقات والطرق والأشكال، ومن ثم الاهتمام بتطلعات المغاربة، وفِي نفس الوقت الإسهام الجماعي في تغيير حقيقي وملموس للبنيات والإستراتيجيات، وذلك للنجاح في إعمال أهداف تقرير النموذج التنموي.
هذا التقرير يستدعي اليوم استثماره للعمل من أجل صياغة إصلاحات جوهرية في كل المجالات، ومن أجل تسريع إيقاع الإنجاز، وأيضا من أجل تمتين الخيار الديموقراطي لبلادنا.
وليتحقق ذلك، يجب تعزيز الحياة الديموقراطية، وتقوية المشاركة الشعبية، وتأهيل كل المؤسسات ذات الصِلة، وبالتالي عدم تكرار ممارسات تتفيه السياسة والاهتمام بالشأن العام، وعدم التعامل مع توصيات هذا التقرير بمثل ما جرى التعامل به من قبل مع أحكام الدستور وإصلاحاته الأساسية.
الثقة والمصداقية أساسيتان اليوم لكسب رهان تطبيق محاور تقرير لجنة النموذج التنموي.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top