في حين تعددت احتفالات أوساط مختلفة وإدارات عمومية ومؤسسات خصوصية بعيد النساء العالمي، لم تتردد أصوات أخرى، ولو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في التقليل من أهمية تخليد ثامن مارس، أو الدعوة إلى الإغفال عنه أصلا بالنظر لطبيعته المناسباتية.
قد تكون بعض هذه الأصوات تنطلق من حسن النوايا أو من غيرتها على حقوق المرأة ما يجعلها ترى أن الحديث عن ذلك مرة واحدة في السنة غير كاف أو يكتسي طبيعة تبخيسية واختزالية…
ولكن يجب التأكيد على أن تخليد اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس كل عام يكتسي بداية وقبل أي شيء آخر بعدا نضاليا ومطلبيا وترافعيا من أجل المساواة بين الجنسين وتكريس العدالة الاجتماعية والانتصار لحقوق النساء ومناهضة كل أشكال العنف والتمييز في حقهن.
وترتيبا، يبقى الاحتفال المطلوب هو تطوير دينامية الإنجاز وسير بلادنا من أجل إعمال هذه المطالب والتطلعات، وكذلك رصد الحصيلة والنقائص على هذا المستوى بالذات.
وهنا، من الضروري تذكير من لم يعلم بذلك، أنه ذات زمن سياسي واجتماعي في بلادنا، ليس بعيدا جدا على كل حال، لم يكن الكثيرون يجرؤون على النطق بأشياء مثل: ثامن مارس، المساواة، حقوق المرأة…، وكان تخليد هذه المناسبة الكونية يثير تهكم الكثيرين وسخريتهم، وتشنيعهم بعديد مناضلات ومناضلين…
والأجدر اليوم، انطلاقا مما سبق، استحضار النضالات العديدة للقوى الديمقراطية والتقدمية والجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية من أجل الوصول إلى ما بات يعتبر “عاديا” بمقاييس اليوم، ذلك أن المكاسب لم تنزل من السماء ولم تتحقق هبة أو اعتباطا أو من دون تضحيات.
لكل ما سبق، يجب صيانة الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة وترسيخ مضمونه النضالي الذي انطلق منه أو الذي راكمه طيلة عقود عبر العالم كله، وجعله، بالتالي، مناسبة سنوية لإشعاع ثقافة المساواة وسط شعبنا وشبابنا، وأيضا لتمتين النضال الديمقراطي، للنساء والرجال، من أجل رفع التمييز والتهميش والمعاناة عن المرأة.
ثامن مارس كما علق بعض الظرفاء ليس هو “سان فالانتان”، ولا يجب أن يتحول إلى مجرد طقوس مفتقدة لمضامين المناسبة وهويتها النضالية.
إننا عندما نخلد مناسبات من قبيل: اليوم العالمي للمرأة (ثامن مارس)، اليوم العالمي للعمال (فاتح ماي)، اليوم العالمي لحقوق الإنسان (عاشر دجنبر)، وأيضا اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، ويوم مناهضة الرشوة، ويوم حقوق الشباب، ويوم حقوق الطفل، فذلك معناه مواعيد لتقوية انتماء الأجيال الحالية وكل شعبنا للتطلعات الديمقراطية والحقوقية الكونية وللديناميات النضالية لشعوب العالم، وذلك من أجل مجتمعات تسودها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتعيش شعوبها في الأمن والاستقرار ومتشبعة بقيم الانفتاح والتسامح والتعاون.
ولتحقيق ذلك يجب أن تنتصر المدرسة ووسائل الإعلام أيضا لهذا الأفق النضالي والتضامني العالمي، وأن تحرص على التذكير المستمر بالمنطلقات النضالية المرجعية ليوم المرأة العالمي ولباقي المناسبات الكونية التي تخلدها شعوب الأرض، وأن تجعل شعاراتها ومطالبها ممتدة على مدار السنة.
تخليد ثامن مارس إذن هو من أجل تحقيق المطالب والحقوق، ومن أجل تشخيص الواقع والتذكير بما لم يتحقق بعد، أي من أجل مغرب المساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم.
محتات الرقاص