جيل جديد من المبدعين -الحلقة 20-

كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.

 المبدع عمر لوريكي : لا أرى تقدما لأي مبدع دون الاستمرار في القراءة بالموازاة مع الكتابة

منذ 2015 راكم الكاتب المبدع عمر لوريكي مجموعة من الإصدارات في مجالات الشعر والقصة والتوثيق: “حجايات أمي”، “غرابة”، “الموسوعة الشعرية العربية المعاصرة”، “نوادر عمر”.. إلى غير ذلك من الإصدارات. وسيصدر لي قريبا كذلك ديوان بعنوان “ماذا أرى في البعد؟”.  

***

كيف كان انخراطك في مجال الإبداع الأدبي؟

 – شكلت سنة 2005 حدثا مهما بالنسبة لي، وكنت حينها أدرس بالسنة الأولى بكالوريا، حيث كتبت أول قصيدة شعرية بمناسبة الأيام الثقافية الربيعية بثانويتي بدر ببنسرگاو بأكادير، ونالت استحسان الحاضرين الذين أمطروني بباقات من المدح والتقدير، وعلى إثر ذلك تلقيت العديد من التشجيعات خاصة من أساتذتي الأفاضل، فقررت أن تكون الكتابة جزءا مهما من حياتي اليومية، كما نصحني بذلك أستاذ مادة اللغة العربية بذلك(عبد الرزاق التاقي) وهكذا كانت بدايتي، حيث ألفت الكتابة بشكل يومي، وأسبوعي، وكنت أحتفظ بتلك الكتابات في دفتر الذكريات، حتى سنوات الجامعة، حيث درست الأدب الإنجليزي لكن ورغم ذلك لم أنس اللغة العربية، بل استمررت في الإبداع بها، وحينما ولجت مركز تكوين المعلمين بتارودانت سنة 2010 قررت تقاسم كتاباتي مع الأساتذة والأصدقاء وأيضا النشر على الفايسبوك.

 كنت، بداية، أنشر بشكل محتشم …فحدث أن أبصرت سنة 2014 إعلانا حول النشر لدار أوراق للنشر والتوزيع بالقاهرة، مصر، فأرسلت لهم مجموعة من القصائد النثرية أسميتها “غرابة؟” ومجموعة من القصص القصيرة أسميتها “حجايات أمي”.. فنالت إعجابهم وقرروا طبعهما.. ومن هذه اللحظة كانت البداية الحقيقية لي في درب الإبداع.

ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟

– أول ما صدر لي مجموعة قصصية بعنوان: “حجايات أمي” وديوان شعري بعنوان: “غرابة؟” عن دار أوراق للنشر والتوزيع، القاهرة بمصر سنة 2015، شاركت بمقاطع منهما في العديد من الملتقيات الأدبية بالرباط والدار البيضاء، تارودانت، أكادير…حاربت الخجل وتحليت بالشجاعة والثقة في النفس ثم توالت إصداراتي بعد ذلك، واستطعت بحمد الله إخراج: “الموسوعة الشعرية العربية المعاصرة” في جزئها الأول 100 شاعر عبر العالم العربي عن مطبعة الاقتصاد، طبعة 2019، ثم كتاب “رحلتي إلى اسكندنافيا” و”قصة اندثار” و”كتاب نوادر عمر” عن المركز الوطني للتنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير سنة 2020. كما صدر لي أيضا كتب توثيقية لمسابقات أدبية وهي: “نقوش من وحي الأدب” الجزء الأول عن مطبعة الاقتصاد سنة 2019 و”نقوش من وحي الأدب” الجزء الثاني عن مطبعة أليانس بأكادير سنة 2020 ثم كتاب “سفراء الأدب” عن المركز الوطني للتنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية سنة 2021.

ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟

– لا أستطيع أن أحدد رسالة واحدة من خلال جميع هذه الأعمال الإبداعية، لأنني كتبتها في فترات مختلفة وكانت كل فترة من تلك الفترات تحمل رؤية خاصة ورسالة معينة، فالمجموعة القصصية الأولى “حجايات أمي” التقطتها بحب كبير من فاه أمي وهي عبارة عن أحجيات شعبية عن منطقة إقليم قلعة السراغنة مسقط رأسي وقبيلة والديّ، لهذا كانت رغبتي في تخليد هذه الأحجيات التي سمعتها من فاه أمي مذ كنت صغيرا كتكريم  بسيط لها وتخليد لذكراها وهدية بسيطة لها، ويمكن لأي قارئ تناول هذه الأحجيات من جميع الأعمار، فرسائلها تتأرجح بين حب التراث الشفهي القصصي والاعتناء به وضرورة العودة إليه لدراسته تاريخيا وثقافيا واجتماعيا. أما ديوان غرابة فبه عدة نثريات كتبتها أثناء فترة عملي بمنطقة جبلية بتارودانت وهي أرغن، وتتميز هذه المنطقة بهدوء ناعم وطبيعة ساحرة أخاذة، تجعلك تتأمل في جميع

الموجودات. إحساسي بالغرابة حينها ليس نفورا من المنطقة بل محاولا من خلال تلك النثريات الاستدلال على غرابة الإنسان ووجوده مهما رنا للاجتماع والألفة والأنس. لن يعرف حقيقته أبدا إذا لم يجرب العزلة والتصوف بمعناه الشعري.

 أما كتاب “رحلتي إلى اسكندنافيا” فيوثق للحظات سفري إلى الاسكندناف الجميل، لقد أبهرت أيما إبهار به وبثقافة أناسه ولطفهم. معاملتهم لي أثرت في مخيالي وباختلاطي معهم والتعرف عليهم، حاولت النبش في رؤاهم قليلا مع الاحتفاظ بكينونتي وخصوصيتي المغربية الصرفة.

بهذه المعاني قد يجد القارئ رسائل متعلقة بالثقافة والسفر والحضارات وضرورة التلاقح والبحث عن الانسجام ما أمكن فيها.

كتاب “نوادر عمر” به رسائل اجتماعية عن الطبقات الهشة بالمجتمع، ولأني من أبناء هذه الطبقة فما كتبته عايشته بأم العين وأراه يتكرر في جميع المناسبات الدينية السنوية. أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال هذه التناقضات الاجتماعية المتمحورة حول موضوع المرأة، لأن جل النوادر ارتكزت عليها، وهذا ليس احتقارا لها بل نقدا للذات.

 قصة “اندثار” جاءت كمشاركة في مسابقة كتارا للاستغفار بقطر وتأهلت للمرحلة النهائية، والرسالة الأهم التي رغبت في إيصالها من خلالها هي ضرورة التعايش بين المكونين الإسلامي الذي مثلته خديجة هيباتيا

والمسيحي “الممرضة الإيطالية ماريا تيريزا”، كما حاولت من خلال القصة إظهار حجم الإيثار في الإيطاليين تجاه جميع الناس خاصة المهاجرين المغاربة وتعايشهم معهم ومساعدتهم لهم في فترة ذروة كوفيد-19 سنة 2020.

* هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟

– أظن ذلك وبشدة، فكتاباتي الأولى ليست هي كتابات الآن. منذ 2013 وأنا أقرأ لمجموعة من الأدباء القدماء والمعاصرين محاولا الاستفادة أولا من تجاربهم ومقارنا كتاباتي بما بلغه الآخرون، ولازلت مستمرا على نفس النهج. أنا لا أرى تقدما لأي مبدع دون الاستمرار في القراءة بالموازاة مع الكتابة.

* كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟

– لدي شغف كبير بمجال التواصل الرقمي، فهو السبيل لإيصال صوت المبدع، واستغلاله كفيل بمنح إضاءات مشرقة للأعمال الإبداعية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي: الفايسبوك، التويتر، الأنستغرام، اليوتيوب. أرى أنه من الواجب على جميع المبدعين اقتحام هذا المجال واستغلاله أتم الاستغلال وذلك بإنشاء صفحات على الفايسبوك، الأنستغرام، التويتر.. وقنوات على اليوتيوب للتعريف بإبداعاتهم وتقاسمها مع الجمهور القارئ ومسايرة ركب الحضارة والتقدم.

* هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟

– من وجهة نظري وتتبعي للشباب المبدعين، أرى أن هناك زخما إبداعيا كثيفا للشباب، خاصة بالمغرب، وهؤلاء الشباب ولو أن إبداع جلهم متجه صوب المسابقات الأدبية، عله يقتنص إحداها، إلا أنه محمود وبه لمسة إبداعية جديدة تحاول الاستفادة من كتابات الأدباء الكبار وفي نفس الوقت إيجاد حيز لها في المشهد الأدبي العربي والمغربي، وهذا جلي في الفترة بين 2010 حتى اللحظة، ومنهم من أكد حضوره في المشهد الأدبي عبر اقتحام ميدان التأليف أو الفوز بجوائز الطبع، وآخرون لم يسعفهم ذلك بسبب الثمن الباهظ للطبع لدى بعض دور النشر، ربما لم يحن الوقت بعد للحديث عن منعطف جديد مئة بالمئة في تجربة المبدعين الشباب، لأنها لازالت في مهدها وبدايتها، لهذا من الواجب الأخذ بيدهم ومساعدتهم وتشجيعهم على هذا المنحى من خلال الإكثار من المسابقات الأدبية واستضافتهم من طرف النوادي الأدبية والمهرجانات الشعرية والقصصية وبمعارض الكتب وطبع إبداعاتهم.

* ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟

– حاليا أنا منكب على إخراج الجزء الثاني والثالث من الموسوعة الشعرية العربية المعاصرة، 200 شاعر-ة- عبر العالم العربي، لقد استنزف مني هذا جهدا كبيرا بسبب التزامي بأشغال أخرى بعملي، لكن كل ذلك يهون في سبيل الإبداع والمبدعين. كما أنه سيصدر لي قريبا ديوان “ماذا أرى في البعد؟” الذي تأخر كثيرا بسبب عدم التزام أحد دور النشر بطبعه. ونص روائي فائز بجائزة الطبع عما قريب.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top