حول مشروع القانون-إطار المتعلق بالحماية الاجتماعية

صادق المجلس الوزاري الذي التأم يوم الخميس 11 فبراير، برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على مشروع قانون-إطار يتعلق بالحماية الاجتماعية.
ويشكل هذا المشروع، الذي يتضمن ديباجة و19 مادة، أجرأة للتدابير التي أعلن عنها ملك البلاد في خطاب العرش في شهر يوليوز 2020، وأكد عليها جلالته بمناسبة خطابه الافتتاحي للدورة التشريعية البرلمانية في شهر أكتوبر الماضي.
فمنذ الإعلان الأول، تطورت الأمور بسرعة، وبدأت تتضح معالم الموضوع. حيث تضمن قانون مالية سنة 2021، كما صادق عليه البرلمان، تدابير وإجراءات تهم تعميم التغطية الصحية، وذلك من خلال تخصيص غلاف مالي يقدر ب9.5 مليار درهما لفائدة صندوق الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي.
وبمجرد أن تتم المصادقة على هذا المشروع قانون إطار، غالبا خلال دورة استثنائية للبرلمان، سننتقل إلى السرعة الأقصى، حتى يتم احترام آجال التنفيذ، وحتى يتم التمكن من جدولة وإنجاز هذا المشروع الاجتماعي العظيم، والذي يشكل ثورة حقيقية لم يسبق أن شهدنا مثلها في تاريخ المغرب.
فلنذكر أولا بأهم مضامينه، قبل تناول آثاره المتعددة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وكذا الآفاق التي يفتحها أمام بلادنا، على المديين المتوسط والبعيد.
يتكون، إذن، نص المشروع المذكور، علاوة على الديباجة، من ثلاثة فصول و19 مادة. وفي الفصل الأول منه تم التطرق إلى تحديد مفاهيم الحماية الاجتماعية وتعميمها، وكذا المبادئ الأربعة التي يقوم عليها هذا التعميم الذي من المتوقع أن يهم سائر المواطنين في أجل 5 سنوات “2021-2025” حسب جدولة مضبوطة.
فخلال المرحلة الأولى التي تهم سنتيْ 2021 و2022، سوف يتم تعميم التغطية الصحية، حيث ستشمل هذه العملية 22 مليونا من المغاربة، وهو ما يمثل أزيد من 60% من الساكنة الإجمالية لبلادنا. وهذا العدد يهم الأشخاص المسجلين في نظام المساعدة الطبية – راميد– والذين سيتم نقلهم تدريجياً إلى نظام التأمين عن المرض، والفئات الاجتماعية الأخرى المتكونة من المستقلين ومختلف المهن الحرة، والتي لم تشملها بعد أي تغطية صحية واجتماعية… إن هذا المستوى لوحده يجعلنا نقدر ونستوعب جيداً حجم التحدي الذي ينبغي كسبه.
في مرحلة ثانية، خلال سنتي 2023 و2024، سوف يتم تعميم التعويضات العائلية لفائدة الأسر التي لا تستفيد منها لحد الآن. وتهم هذه العملية حوالي 7 ملايين طفل في سن التمدرس، إضافة إلى تعويضات جزافية لفائدة الأسر التي توجد في وضعية هشاشة وبدون أطفال.
ثم في مرحلة ثالثة وأخيرة، خلال سنة 2025، سوف يتم توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد، بإدماج أزيد من 5 ملايين من المغاربة من بين السكان النشيطين الذين لا يتوفرون على تغطية اجتماعية، وتعميم التعويض عن فقدان الشغل بالنسبة لكل الأشخاص الذين لهم شغل قار، مع تبسيط معايير الاستفادة من هذا التعويض.
الفصل الثاني من المشروع يعالج مسألة تمويل تعميم الحماية الاجتماعية، حيث سيتم إما من خلال مساهمة المستفيدين، كلما كان ذلك ممكنا. وإما باللجوء إلى التضامن. وفي هذه الحالة ستقوم الدولة بدورها المحوري، حيث ستعتمد، بخصوص المساهمات التضامنية، على المصادر المتأتية من: مخصصات مالية من ميزانية الدولة، والتي يمولها كافة الخاضعين للضريبة؛ وعائدات ضريبية مخصصة لهذا الغرض، كما هو الشأن بالنسبة للمساهمة الضريبية المنصوص عليها في قانون المالية لسنة 2021؛ ثم موارد متأتية من إصلاح نظام المقاصة، بما سيتيحه من هوامش ميزانياتية؛ ثم هبات ووصايا وموارد أخرى….
أما الفصل الثالث، فقد تناول مسألة الحكامة، حيث من أجل ضمان التقائية مختلف أنظمة الحماية الاجتماعية، تم النصيص على إحداث آلية موحدة للقيادة ولمراقبة المنظومة في شموليتها، والسهر على التنسيق بين مختلف المتدخلين، بهدف تحقيق عقلانية أفضل في استعمال الموارد المتاحة. وسيساعد كثيرا دخول السجل الاجتماعي، خلال السنة القادمة، حيز التطبيق، على تدبير هذا النظام.
وعليه، نحن أمام مشروع ضخم يرقى إلى مرتبة “أولوية وطنية”. والسير به إلى نهايته، دون تعثر، هو مسؤولية مشتركة بين الدولة والجماعات الترابية والمقاولات والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وكل الهيئات العامة والخاصة، وعموم المواطنين. فالأمر يتعلق، إذن، برهان وطني ينبغي ربحه. ولن يكون مقبولا أي فشل في هذا المضمار، بالنظر إلى الآثار المتعددة لهذا الورش الكبير، على النسيج الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا.
فمن دون شك، سوف يساهم تعميم الحماية الاجتماعية في الحد من الهشاشة وتحسين ظروف عيش المواطنين، ماديا ومعنويا. وفي نفس الوقت، فحمايتهم ضد مخاطر المرض والشيخوخة هي عامل سيزرع الطمأنينة في نفوسهم، ويمنحهم رغبة أقوى في الحياة والعطاء، ويقوي لديهم الشعور بالانتماء إلى البيت المشترك الذي هو الأمة المغربية.
إن الرهان عظيم بالنسبة لبلادنا، إذ تتعين إعادة تأهيل المنظومة الصحية على مستوى البنية التحتية والموارد البشرية، مع توزيعها ترابياً بشكلٍ عادل. كما أن الهدف، على المدى المتوسط، يتجسد في تمكين كل جهة من مستشفى جامعي وكلية للطب، وتمكين كل جماعة محلية من مركز صحي متعدد التخصصات. كما ينبغي رد الاعتبار للمستشفى العمومي وإخضاع القطاع الخاص لضبطٍ صارم في اتجاه الاحترام التام لمبادئ وأخلاقيات المهنة. إذ لا يمكن اعتبار الخدمة الصحية سلعة أو تجارة يتم تبضيعها. ويجب أيضا تطوير صناعة وطنية للأدوية، من أجل ضمان حد أدنى من سيادتنا الصحية والتحكم في أسعار الأدوية. وهو الأمر الذي يتطلب القيام باستثمارات مكثفة في البحث العلمي والابتكار، كما قامت بذلك بعض البلدان التي تمكنت، في ظرف زمني محدود، من الصعود على هذا المستوى.
وإذا كان اللجوء إلى التضامن الوطني، من أجل تمويل تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة المواطنين المعوزين، مبدأ لا يقبل الجدل، فينبغي، بالمقابل، العمل على توزيع منصف للمجهود المطلوب من كل واحد. وتبرز بشدة، هنا،
ضرورة الإصلاح الجبائي، في اتجاه العدالة، حتى يتمكن جميع المواطنين من المساهمة، كل حسب إمكانياته.و هو ما من شأنه أن يوفر للدولة ما يكفي من الإمكانيات، لكي تضطلع بدورها كممون في نهاية المطاف.
وهكذا، سوف تعثر بلادنا على المكانة التي تستحقها على الصعيد الدولي، كما سوف تحسن، لا محالة، من ترتيبها العالمي القائم على مؤشر “التنمية البشرية” و”مؤشر السعادة البشرية”.

>بقلم: د. عبد السلام الصديقي

Related posts

Top