درس آخر.. فلنستفد منه

تلقى حزب اليمين الفرنسي المتطرف ضربة قوية بعد أن عجز أول أمس عن تعزيز النصر الانتخابي الصادم الذي كان قد حققه في الدور الأول من اقتراع الجهات، وخرج خاوي الوفاض من هذا الاستحقاق المناطقي. نتيجة الدور الانتخابي الثاني، وإن كانت لا تلغي خطر تنامي أفكار اليمين المتطرف وسط المجتمع الفرنسي، فهي جسدت صحوة “الجمهوريين” للدفاع عن روح بلادهم وإنقاذها من الانحراف نحو الانغلاق والتعصب.
صحيح أن نظام الاقتراع المعمول به يتضمن ما يتيح التدارك، ولكن لا بد كذلك من التقاط إشارة وعي الطبقة السياسية والحزبية بضرورة تجاوز الحسابات الضيقة والأنانيات الحزبية من أجل تحقيق فوز للبلاد ولمستقبل السياسة، ذلك أن كثيرا من نتائج الدور الثاني ما كانت لتتحقق لولا انسحاب هذا الحزب لتيسير هزم حزب مارين لوبين، أو دعوة ذاك الحزب أنصاره للتصويت لفائدة خصم تاريخي وتجاوز الخلافات معه من أجل الهدف الوطني المشترك، وهو إبعاد البلاد عن اليمين المتطرف، ومن ثم، فإن التحالفات السياسية والتكتيكية جرت في الجهات بشكل واعي بغاية الوصول إلى هدف مركزي واضح، ولذلك تحقق النجاح الذي جعل البلاد بكاملها تتنفس الصعداء.
وهذا المعطى مفيد جدا اليوم لتأملنا السياسي الوطني، حيث يمكن للتحالفات أن تتجاوز أحيانا المشترك الإيديولوجي والفكري لتتأسس على أهداف برامجية ومرحلية محددة تكون منتصرة لثوابت البلاد ولمستقبلها، ولكن لكي يتحقق ذلك لا بد أن تكون الأحزاب المتنافسة تمتلك استقلالية قرارها وذات وضوح فكري وسياسي وتتحمل مسؤولية قراراتها وتفي بوعودها والتزاماتها وتحتكم في مواقفها وعلاقاتها إلى المنطق والمصلحة العليا للبلاد، فضلا على أن الممارسة السياسية والحزبية يجب أن تبنى على الوضوح والجدية.
من جهة ثانية، لابد أيضا من تأمل معطى آخر قدمته لنا الانتخابات الجهوية الفرنسية، ويتعلق بإقبال الناخبين على التصويت، فتحرك الناخب خلال الدور الثاني والارتفاع النسبي لمستويات التصويت مكن مواقف الأحزاب وإعلاناتها وتحالفاتها من تحقيق النجاح والامتداد، أي أن العزوف والسخط والاستقالة من تحمل المسؤولية هو ما يقود إلى النتائج الصادمة، ومتى ما تنامى الوعي الشعبي بالخطر وتحقق الوعي بواجب التحرك، يكون بالإمكان حماية الديمقراطية، وهنا أيضا يجب الانتباه إلى حاجتنا هنا والآن إلى انخراط أكبر في المسار الانتخابي العام، وإلى التسجيل في اللوائح الانتخابية والإقبال على صناديق الاقتراع والإدلاء بالصوت ومحاربة الفساد وشراء الذمم والتيئيس والتحكم من أجل الانتصار لبلادنا ولديناميتها الديمقراطية.
هذا التنبيه لا بد إذن أن تلتقط إشارته بالخصوص نخبنا الإدارية والاقتصادية وملايين المتعلمين والموظفين والشباب والطلبة وأولئك الذين ينتقدون كل شيء ويطعنون في أي شيء ولا يقومون هم في المقابل بأي فعل، ويكتفون بالالتصاق بكراسي المقاهي، ويتركون الساحة في مدنهم وأحيائهم فارغة أمام لوبيات الفساد الانتخابي والسماسرة يعيثون في مؤسسات البلاد فسادا وابتذالا.
إن الدرس الفرنسي مهم لطبقتنا السياسية وأيضا لعموم الناخبين، فلنستفد منه جميعا انتصارا لمستقبل بلادنا.

[email protected]

Top